TOP

جريدة المدى > سياسية > مرسي قبل .. مرسي بعد.. وحكاية ثورة مصرية تتجدد

مرسي قبل .. مرسي بعد.. وحكاية ثورة مصرية تتجدد

نشر في: 10 ديسمبر, 2012: 08:00 م

القرارات التي اتخذها محمد مرسي، الرئيس المصري المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، جعلت منتقديه يصفونها بأنها أشبه بلحظة "احتراق الرايخ"، مقر البرلمان الألماني عام 1933، وهو تعبير يحاول تصوير اللحظة التي عزز فيها الزعيم النازي أدولف هتلر سلطاته في ألمانيا حيث أحرق البرلمان وألغى عمليا روح التعددية السياسية والشرعية البرلمانية، بعد وصوله إلى السلطة عبر اصوات الشعب الألماني في انتخابات ديمقراطية، حيث انتهى كل شيء إلى لون نادر من جنون العظمة دفع إنسان القرن العشرين ثمنه باهظا فيما بعد.

ويعتقد انصار الديمقراطية سواء في مصر او في العراق، ان كلا من رئيس الحكومة نوري المالكي، ورئيس مصر محمد مرسي، يعملان بطريقة متشابهة لأنها وريثة السلوك السياسي التقليدي في الشرق الأوسط، على تكريس صورة القائد الفرد الذي يرفض ان يكون مقيدا بقضاء مستقل وبرلمان تعددي ومجتمع حر وسياسة انفتاح يفرضها العصر. والخطر الاكبر الذي تؤشره النخبة في هذين البلدين، كما في بلدان اخرى مع فوارق محلية، هو امكانية ان تصبح الديمقراطية سلما يصعده المتشددون ثم تخفق قوى الحراك الاجتماعي في كبح جماح شهوة الاستبداد التي يحملونها دون ايمان بالديمقراطية.

ان ردات فعل كل مجتمع تختلف، وظروفه التي تشكل التاريخ تتباين، لكن الاسئلة تبقى متشابهة، و"عقول السلاطين" تظل تفكر بطريقة واحدة: كيف تخضع خصمك، وكيف تقتل فرصة الديمقراطية كي تبقى في السلطة!

المراقبون للمشهد السياسي المصري يقولون إن الرئيس المصري أدخل بلده في أزمة هي الأعنف منذ ثورة يناير التي أنهت ستة عقود من الديكتاتورية العسكرية.

وكان مرسي في محاولة لإنهاء حالة انسداد سياسي مع خصومه الليبراليين، أصدر إعلانا صادما في 22 تشرين الاول يمنحه صلاحيات كاسحة، وجعلت هذه الخطوة مصر مستقطبة بصورة شديدة وخطيرة، وليس معروفا بعد ما إذا كانت نتيجة هذا القرار ستكون جيدة أم كارثية على مصر. يقول بعض المتابعين "صحيح أن بعض ما جاء في قرارات مرسي كان من مطالب المصريين مثل إعادة محاكمة قتلة الثوار، ومد عمل لجنة الدستور رغم أن البعض كانوا يفضلون أن يقوم بتوسيع عضويتها، لكن ما كان أكثر إزعاجا لكثير من المصريين هو تجريد القضاء من أي حق في حل أو تحدي لجنة الدستور الحالية، لحين تمرير الدستور الجديد. وربما كان الأكثر إزعاجا هو هذه العبارة التي تقول إن «الرئيس ربما يتخذ الإجراءات والتدابير الضرورية لحماية البلاد وأهداف الثورة».

لقد توحد خصوم الإخوان لإدانة هذا الاستحواذ على السلطة، كما أن حلفاء مصر الغربيين بما في ذلك الولايات المتحدة، عبروا عن قلقهم، والعديد من مستشاري الرئيس انسحبوا احتجاجا على قراراته، ووزير العدل نأى بنفسه عنها. كما يلوح في الأفق تجميد تام لعمل النظام القضائي مع إعلان القضاة دخولهم في إضراب في أنحاء البلد.

وبالنسبة إلى ملايين المصريين الذي فرحوا بسقوط مبارك تأتي صياغة دستور جديد لمصر على رأس الملفات التي ستؤثر حتماً على أداء الرئيس، بعدما فشلت القوى السياسية حتى الآن في الاتفاق على آلية محددة لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها هذه المهمة.

وبعد الانتخابات المصرية والاعلان عن فوز مرشح حزب العدالة والتنمية المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي، صادق الرئيس على القانون رقم 79 لسنة 2012 الخاص بتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور والذي كان مجلس الشعب قد أصدره ورفعه للمجلس العسكري للتصديق عليه، وهو ما لم يتم، قبل حل المجلس في شهر حزيران الماضي.

في تشرين الثاني الماضي أعلنت عدة شخصيات وقوي سياسية انسحابها من الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور المصري، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقد بمقر حزب الوفد بالقاهرة، فيما أعلن ممثلو الكنائس المصرية الثلاث انسحابهم من التأسيسية. ودخل مرسي في حرب أخرى مع معارضيه حين دعا في الاول من كانون الاول الحالي الناخبين في مصر إلى الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في 15 من كانون الأول 2012.

المعارضة تبدي صمودا عنيدا

اكثر ما شد انتباه المراقبين حول العالم هو قدرة الجمهور المصري في التفاعل مع التحذيرات التي اطلقتها المعارضة من امكانية ظهور الدكتاتور مرة اخرى في القاهرة.وحشد الإسلاميون وخصومهم الليبراليون عشرات الآلاف من الأنصار في الشوارع في تجمعات منذ الإعلان الدستوري الذي صدر يوم 22 تشرين الثاني والذي يهدف مرسي من خلاله لتقييد سلطات القضاء وتحصين قراراته منها في غياب البرلمان. وطالب معارضو مرسي بإسقاطه في حين يقول الإسلاميون إن هناك مؤامرة لإسقاط أول رئيس ينتخب ديمقراطيا في البلاد.

وكشفت الاضطرابات السياسية عن انقسامات عميقة في مصر التي يسكنها 83 مليون نسمة بين الإسلاميين الذين تعرضوا للقمع طوال عشرات السنين وخصومهم الذين يخشون من أن يكون المحافظون الدينيون يريدون إسكات الأصوات الاخرى وتقييد الحريات الاجتماعية. ويرغب كثير من المصريين فقط في الاستقرار وتحسن الوضع الاقتصادي.

ورغم ان الرئيس المصري الغى السبت المرسوم الذي منحه سلطات كاسحة واثار اعمال عنف ادت لسقوط قتلى، لكنه لم يؤجل موعد استفتاء سيجري هذا الشهر على دستور جديد للبلاد وهو مطلب رئيسي لمعارضيه.

ويصر أنصار مرسي من الإسلاميين على ضرورة إجراء الاستفتاء في موعده يوم 15 كانون الأول قائلين إنه ضروري لإكمال التحول الديمقراطي الذي لم يكتمل منذ الإطاحة بالرئيس السابق قبل 22 شهرا.

وقال أحمد سعيد وهو عضو بارز في جبهة الإنقاذ الوطني وهي تكتل المعارضة الرئيسي في مصر إن قرار الرئيس المضي قدما في إجراء استفتاء على مسودة الدستور الجديد "صادم" وسيعمق الأزمة السياسية. وأضاف "هذا يجعل الأمور أسوأ بكثير." ومضى يقول "لا أستطيع أن أتخيل أن بعد كل هذا يريدون تمرير دستور لا يمثل كل المصريين."

وتم الإسراع بترتيبات التصويت على مواد الدستور في الجمعية التأسيسية التي يمثل أفراد من جماعة الاخوان المسلمين وإسلاميون آخرون أغلب أعضائها. وانسحب ليبراليون وآخرون قائلين إن آراءهم لم تلق آذانا صاغية.

وقال هرماس فوزي (28 عاما) وهو محتج يعتصم مع عشرات آخرين أمام قصر الاتحادية الرئاسي "دستور بلا توافق لا يمكن الاستفتاء عليه... ليس من المنطقي أن يعد فصيل واحد فقط في المجتمع الدستور."

وعلى مقربة كانت هناك دبابات وعربات عسكرية تابعة لقوات الحرس الجمهوري متمركزة أمام القصر لحمايته بعد اشتباكات في الأسبوع الماضي بين إسلاميين ومعارضين للرئيس مما أسفر عن مقتل سبعة وإصابة نحو 350 آخرين.

ويستبعد الاعلان الجديد بعض العناصر من الاعلان السابق والتي اثارت غضب المعارضة من بينها مادة كانت تعطي الرئيس سلطات واسعة لمواجهة التهديدات التي تواجه الثورة او البلاد وهي صياغة قالت المعارضة انها منحته سلطة استبدادية.

وكانت مادة اخرى في الاعلان السابق تحصن اي قرار اتخذه الرئيس منذ توليه السلطة في 30 يونيو حزيران والى ان يتم انتخاب برلمان جديد من الطعن امام القضاء.

وعلى الرغم من عدم تكرار هذه المادة فقد وضعت مادة في الاعلان الجديد عن أن الاعلانات الدستورية بما فيها هذا الاعلان فوق المراجعة القضائية.

أهم اعتراضات المعارضة على مرسي

 ولعل جردة بسيطة  للقرارات  التي اتخذها الرئيس في الفترة الأخيرة،  تجعل المصريين يعيدون  النظر في كثير من الوعود التي قطعها "مرسي" علي نفسه، قبل فوزه بمنصب الرئيس، ثم قام بتنفيذ وتفعيل عكسها -علي حد قول كثير من معارضيه.

قبل الحكم: لن يقصف قلما

- بعد الحكم: قصفت الأقلام

في إحدى الحلقات التلفزيونية التي حل مرسي ضيفا عليها، قبل انتخابات الرئاسة المصرية، لكي يعرض علي المشاهدين برنامجه الانتخابي، أكد مرسي أنه في حالة وصوله للحكم سيتعهد بحرية الإعلام وألا يقصف قلما أو يمنع رأيا أو يغلق قناة أو صحيفة.

لكن بعد وصول مرسي للحكم، تم إيقاف بث قناة "الفراعين"، وإيقاف بث قناة دريم، وتمت إقالة رئيس تحرير جريدة الجمهورية جمال عبد الرحيم دون إجراء تحقيق معه.

قبل الحكم: بابي مفتوح

- بعد الحكم: غلقت الأبواب

أكد مرسي قبل أن يصبح رئيسا أن بابه مفتوح دائما لأي شخص يذهب إليه، كما أنه لا يحتاج لأي حراسة، وبعد أن أصبح رئيسا ظل موكبه الرئاسي كما كان موكب مبارك في فترة حكمه، لاسيما تأمين المساجد التي يذهب إليها مرسي لصلاة الجمعة، والأعداد الكبيرة لحراسته. الأمر الذي وصل لمنع بعض المصلين من الصلاة أثناء وجود مرسي في أسيوط، وأثناء صلاته لعيد الفطر المبارك في مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة، إضافة إلى قيام الشرطة بفض اعتصام لبعض الشباب ذهبوا لعرض مطالبهم للرئيس أمام القصر الجمهوري الذي يسكن به مرسي.

قبل الحكم: ثوروا ضدي لو خالفت القانون - بعد الحكم: خالفت القانون لكي أحمي الثورة

في لقائه عبر برنامج آخر النهار مع الإعلامي محمود سعد المذاع علي فضائية النهار، قبل انتخابات الرئاسة المصرية، طالب محمد مرسي، الشعب المصري أن يثور ضده إذا لم يحترم الدستور والقانون، قائلا:" الشعب صاحي وواعي وعارفين أن الذي لم يحترم الدستور والقانون سيثور ضده، وأنا عاوز الشعب يثور ضدي إذا لم أحترم الدستور والقانون".

وحينما أصدر الرئيس مرسي إعلانا دستوريا جديدا مخالفا للقانون والدستور على حد قول كثير من فقهاء الدستور، مما جعل الشارع المصري يثور ضده؛ حيث يعتصم الآلاف في ميدان التحرير حتى الآن رفضا لهذا الإعلان الدستوري الجديد، برر مرسي إصداره لهذا الإعلان بأنه فعل ذلك من أجل حماية ثورة 25 يناير ومن أجل محاربة الفاسدين.

قبل الحكم: إعادة تشكيل التأسيسية - بعد الحكم: تحصين قرارات التأسيسية

حينما أجتمع مرسي مع القوى الثورية قبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، أكد لهم أنه سيعيد تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بما يضمن تمثيل كافة أطياف المجتمع في وضع دستور مصر، وبعدما أصبح رئيسا للجمهورية أصدر منذ عدة أيام إعلانا دستوريا مكملا تنص المادة الخامسة فيه على أنه "لا يجوز لأي جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور، يأتي ذلك في الوقت الذي تتوالي الانسحابات من القوي المدنية والفئات العمالية والنقابية من تلك الجمعية، اعتراضا علي استحواذ تيار الإسلامي عليها وفرض مواد دستورية عليهم دون وضع رأيهم في الاعتبار.

قبل الحكم: الحكومة من كل القوى - بعد الحكم: الحكومة من الإخوان والفلول

ضمن التعهدات والوعود التي تعهد بها مرسي للقوي الوطنية كشرط لمساندته في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، أن تكون الحكومة ائتلافية، ويتم تشكيلها من كافة القوى الوطنية، وأن يكون رئيس الحكومة شخصية معروفة من خارج الإخوان، لكن بعد الحكم قام مرسي باختيار وزير الري في عهد النظام السابق هشام قنديل كرئيس للحكومة، إضافة إلى اختيار وزراء من جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا التجديد لوزراء كانوا موجودين في عهد النظام السابق.

بداية الحكم: لن امارس التشريع إلا في التأمين الصحي - بعد الحكم: حصن جميع تشريعاته

حينما أصبح مرسي رئيسا وأصبحت في يده السلطة التشريعية، بعدما أصبح مجلس الشعب منحلا، أكد مرسي أنه لن يستخدم سلطة التشريع إلا في أضيق الحدود كتشريع قانون للتأمين الصحي أو قانون الاختيار في الثانوية العامة، لكنه بعد فترة من الحكم، ألغى الإعلان الدستوري المكمل وأصدر إعلانا دستوريا جديدا، كما شرع مواد تحصن قراراته كرئيس جمهورية، ومنح نفسه صلاحيات مطلقة.

بداية الحكم: التشاور مع القوي السياسية قبل التشريع - بعدة فترة: يصدر قوانين دون علم مستشاريه

تعهد مرسي بأن يتشاور مع رؤساء الأحزاب وسيحاور كل القوى السياسية قبل إصدار أي تشريع، لكنه لم يستشر القوى السياسية في أي قرار مهم، إضافة إلى انه يشاور تيار الإسلام السياسي أكثر من القوى المدنية، وأيضا يجتمع مع مستشاريه بعد إصداره القرارات وليس قبلها، وحينما أصدر الإعلان الدستوري الجديد، أقر عدد كبير من مستشاريه بعدم معرفتهم بهذا الإعلان وأن مرسي لم يستشيرهم فيه.

قبل الحكم: سأفرج عن المعتقلين - بعد الحكم: لا يزال هناك معتقلون

من ضمن الوعود التي كان قد وعد بها مرسي في حالة فوزه بالرئاسة، هو الإفراج عن المعتقلين السياسيين في ثورة يناير وما تلتها من أحداث وعلى رأسهم ضباط 8 إبريل، لكن حتى الآن لم يتم الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين منذ بداية الثورة بمن فيهم ضباط الجيش المعتقلين في السجون العسكرية حتى الآن. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"الانفصال الشيعي" في العراق: خطة طهران لتجنب "سيناريو الأسد"

فصائل "بلا أب".. رسائل باحتمال ضرب طهران بعد "الحوثيين"

«مسدس ترامب» يثور على «الحوثيين».. هل تعود «وحدة الساحات»؟!

"عبادة النواب" في رمضان تكلف الدولة نحو 3 مليارات دينار.. والبرلمانيون الشيعة لا يسافرون!

ما الذي يؤخر إقرار جداول موازنة 2025؟

مقالات ذات صلة

سياسية

"عبادة النواب" في رمضان تكلف الدولة نحو 3 مليارات دينار.. والبرلمانيون الشيعة لا يسافرون!

بغداد / تميم الحسن يقضي "النواب" إجازة رمضان "المخترعة" بالسفر وإجراء زيارات لعوائلهم في دول عربية وغربية، فيما أغلب نواب الشيعة "محاصرون" في الداخل! وقرر "النواب"، في وقت يتوقع فيه أن تهاجم إسرائيل العراق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram