غالب حسن الشابندر
وأنت متوجِهٌ إلى الكرادة الشرقية ـ داخل بمقدمك من الباب الشرقي تستوقفك لوحة كبيرة قد عُلّقت على أحد أعمدة الكهرباء المنتصبة قبال جامع الجندي المجهول... لوحة مزدانة بإطار تمّ إختياره من قبل مختصين في فن الفوتغراف، وقد كُتب تحتها بخط عريض ما معناه تقريبا:
ــ ان الحشد الشعبي يلتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، و توجيهات المرجعية الدينية العليا.
اللوحة هي صورة فالح الفياض بلحمه ودمه وحتى بـ (غفوته اللاهوتية) المتكررة التي طالما يفاجيء بها شعبه العراقي العظيم سواء كان في مجلس النواب أو مجلس رئاسة الوزراء!
غفوة السيد رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض ربما يعدّها مع نفسه ضريبة الجهاد الذي اتبعه وانهكه وهدّ حيله وقواه...
فالح الفياض يدّعي إنه ملتزم بتوجيهات المرجعية الدينية العليا، وكأنه يتناسى أن هذه المرجعية اغلقت أبوابها بوجهه ووجه اقرانه من قيادات وفرسان العملية السياسية مهما كانت مشاربهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، ويعلم علم اليقين إن المرجعية العليا ضمير يقظ، والضمير اليقظ يرفض رفضا مطلقا إن تكون مستشارية الامن الوطني أو القومي أو أي مفصل من مفاصل الدولة (وكر عيش وتعيّش) عشائري أو حزبي أو أسري، حيث خراب البلاد والعباد...
أليس كذلك أبا "طي "؟
كثيرون هم الذين يتمسحون بعباءة المرجع الاعلى أو المرجعية العليا، وإلّا فإن مثل هذه الدعوى دخلت مرحلة التكرار الممل، والاجترار الساذج، على لسان كل أو أكثر قيادات العملية السياسية، وبكل صلافة ووقاحة يتغافلون عن صيحة المرجعية المشهورة وهي تكشف سرّ عنائها وشقائها في التنكر لتوجيهاتها وتعاليمها وافكارها، وهل ينسى ابناء العراق عندما جاء لسانها صادحا: ـ
(لقد بحّت حناجرنا)!
وهل كان عبثا أن تلغي المرجعية خطبة الجمعة؟
قبل أيام توجّه أحد المؤمنين بسؤال إلى المرجع السيد علي الحسيني السيستاني عمّا ادعاه الشيخ محمد اليعقوبي كونه كان تلميذا مبرّزا في درس السيد السيستاني، وإنه كان محل تقييم عظيم إثر أحد ابحاثه التي تقدم بها إلى السيد الكريم، فجاء الجواب من مكتب المرجع بالفتوى المرقمة 1640584 بتاريخ 25 شعبان سنة 1446 بما هو نصّه:
(لا، وليحذر المؤمنون من الاغترار بمثل هذه الدعاوى)!
يبدو إنها دعاوى كثيرة، ويبدو أنها مشكلة تعاني منها مرجعية النجف، ويبدو إنها من علية قوم بكل تأكيد.
وهل ننسى ذلك الغمز واللمز الذي اتخذ مساحة كبيرة من إهتمام (المؤمنين الرساليين) حيث راحوا يتفنَّنون برسم علامات الاستفاهم الحادة حول زيارة البابا لمرجعية النجف، وقد تسلموا الايعاز من خطبة أحد علماء الجارة الشرقية ملوحا برسم العمالة والخيانة والتآمر على الاسلام والمسلمين؟
الزيارة الابراهيمية...
هكذا وصفوها ولوّحوا من خلال الوصف بالتخوين والتصهين والتأمرك، ولم يطل الاتهام المبدأ بل تجاوزه بكل وقاحة شخص المرجع ونجله الاكبر!
لست مرجعيا، وأسجل موقفي هنا كـ (عراقي) يعترف بأن فتوى الجهاد الكفائي أنقذته من القتل والتمثيل، اسجل موقفي كـ (عراقي) يعترف إن فتوى جهاد المحتل حسب ما يتطلبه الظرف فيما لو كان هو السائد لأختصر علينا الطريق، ولما آل خروج الامريكان من الباب إلى دخولهم من الشباك.
اسجل هذا الموقف كـ (عربي) حيث اعلم ويعلم الكثيرون إن الذي أجبر الكيان الصهيوني على الكف من عدوانه على لبنان في حرب 2006 هي مرجعية النجف وليس غيرها!
أسجل هذا الموقف كـ (مسلم) حيث كانت المرجعية النجفية المتصدي الاول والمدروس ضد وحشية الاعتداء الصهيوني على غزّة، حتى صارت كلمة المرجعية مدار اهتمام العرب والمسلمين والعالم.
لست مرجعيا، بل وإني ارى بانَّ موقف المرجعية الدينية لم يكن بمستوى الرد الحاسم على الفساد والفاسدين، ولكن للحق كلمة، والحق يجب أن يُقال، وهل غير مرجعية النجف احتضنت ال نازحين اللبنانيين والسوريين بكل حفاوة وحنان وطيبة واريحية، كذلك بحزن وألم لا مثيل لهما!
الفياض واليعقوبي ليسا اول المطاف ولا خاتمة المطاف، بل هي سنة ذوي المطامح والمطامع، وسنة الذين يقتلون الحكمة، وفيما تظهر النتائج المترتبة على قتلها يتمسحون بثياب فارسها وابن بجدتها.
وأكرر:
لست مرجعيا ولكن الحق يجب أن يُقال.