TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الأفتتاحية:القضاء المصري ينتفض وينحاز إلى الشعب..بين قضاءَين .. وقدر الشعب العراقي..!

الأفتتاحية:القضاء المصري ينتفض وينحاز إلى الشعب..بين قضاءَين .. وقدر الشعب العراقي..!

نشر في: 10 ديسمبر, 2012: 02:39 م

فخري كريم
بعد بضعة شهور فقط من تولّي الإخواني محمد مرسي الرئاسة المصرية، تكشّف على حقيقته بوصفه رئيسا لعشيرته "الإخوانية"

كما رددت المظاهرات الجماهيرية التي تحتشد في ميدان التحرير وميادين كثيرة في محافظات مصر، بعد ان انقلب على وعوده الانتخابية وانحاز كلياً إلى الأجندة السرية للإخوان لاغتصاب السلطة والاستيلاء على الدولة "العميقة".
ما الذي فعله مرسي لينتفض عليه القضاء المصري بكل أركانه، ولتخرج محتجةً  مختلف شرائح المجتمع المصري الى ميادين البلاد الفسيحة؟ وما الذي أغاض المستشارين والمساعدين ورؤساء مؤسسات حكومية باستقالاتهم احتجاجاً غير ما سماه الجميع  نهج مرسي التسلطي ونزوعه نحو بسط  ديكتاتورته  و"تغوله" على القضاء والشرعية؟
وقبل ان نسلط الضوء على "التجاوزات" الخطيرة لمرسي وانتهاكاته الفضَّة للقانون والدستور، لا بد من الاشارة الى ان مطالب الشارع المنتفض والمجتمع المأسور بدأت بمطلب الغاء اعلان الرئيس الدستوري، وانتهت بسبب تمنعه وتسويفه، الى رفع سقف المطالب الى شعار "ارحل" !
مرسي الرئيس المنتخب، وليس "المكلف" كحال "المالكي" اصدر اعلاناً دستورياً، "حصَّن" قراراته السابقة واللاحقة من القضاء، اي حصنها من الالغاء، وبمعنىً ادق، جرد القضاء من مسؤوليته، وانتهك حرماته وسلب صلاحياته واستقلاليته. وقد اعتبر الشعب المصري الاعلان الرئاسي "منعدماً" اي كأنه لم يكن و"تغولاً" يمهد لفرض دكتاتورية "بلبوس اسلاموية" وتتويجاً لفرعون جديد. ومما زاد الطين بلّة ما اقدم عليه الرئيس من تحايل، كما أكد فقهاء القانون والدستور، على الرأي العام بوضع الشعب المصري امام خيارين، كلاهما سمٌ زعاف، اما التعايش مع الإعلان الدستوري، او الاستفتاء على الدستور المختل الذي وضعته "الجمعية التأسيسية" ذات الأغلبية  المطلقة من انصار الرئيس، من اخوان مسلمين وسلفيين ومن جماعات الاسلام السياسي الأخرى، التي "سلقت" مسودة الدستور حسب المعترضين بالتصويت على موادها التي تزيد على مئتي مادة بين ليلة وضحاها واستغرق التصويت على كل مادة ثلاث دقائق لا غير.
الغضب الجماهيري على الاخوان والسلفيين يتواصل رغم الترقيعات التي ادخلها الرئيس على اعلانه الدستوري واستبداله بإعلان جديد، يفرض على الشعب المصري  قبول الاستفتاء على الدستور بعد اقل من اسبوعين دون ان يطلع عليه!  وقد يتصاعد الاحتجاج ليتحول جدياً إلى المطالبة برحيل مرسي، وهو شعارٌ يتردد الآن في انحاء مصر المنتفضة.
هذا ما فعله الرئيس المنتخب محمد مرسي، ليشكل بفعلته هذه استفزازاً لا مثيل له للشعب وللنخبة وللاحزاب والقوى الحية، دون استثناء، سوى تيار الإسلام السياسي، ويفجر المكبوت من الاحتجاج والنقمة والغضب.
هذه هي حال مصر اليوم حيث تتصاعد الاحتجاجات في كل صوب، وقد تتحول إلى مطالبة لا رجعة فيها برحيل الرئيس مرسي وطي صفحة الإخوان المسلمين.
ولكن ما هي الحال في العراق الجريح الذي تحرر بفعل عمل عسكري أجنبي، وأعيد بناؤه المنقوص على أشلاء النظام المنهار، وعلى قاعدة دستور توافقي "حمّال أوجه" وتوافقاتٍ واتفاقياتٍ؟
وكيف تدار فيه الدولة غير المكتملة، ويجري التعامل مع أقدار الناس المغلوبين على امرهم ؟ وما هي الضوابط التي تتحكم في سلوك الحاكم "غير المنتخب"؟ وما هي الأهواء التي تتلبسه وهو يتصرف بلا رادعٍ أو وازعٍ او التزامٍ بالدستور وخلافه؟
والتساؤل الأهم الذي بات كابوساً يرهق ضمائر الذين يرون فيما يجري تجاوزاً على كل تضحيات شعبنا، يختزل كل قسوة المرارات من الواقع الأليم الذي يتلظى بسياطه الموجعة المواطنون المكشوفة ظهورهم: ما الذي ينتظره الشعب العراقي بنخبه ومثقفيه وأحزابه وكتله البرلمانية من استفزازٍ لمشاعرهم وحرياتهم وكرامتهم و"دستورهم" لكي يحولوا الألم والمرارة إلى احتجاجٍ ورفضٍ لاستدراجهم إلى دكتاتورية يمكن التنبؤ بفصولها منذ الآن بالمقارنة مع النهج والسلوك والتدابير والتصريحات التي تشي كلها بتغوّل وتغطرسٍ وادعاءٍ وهوسٍ بكرسي السلطة حد التهديد بتحريك الجيوش وتمزيق نسيج المجتمع العراقي؟
لقد تجاوز السيد نوري المالكي المُعين "بشق الأنفس" كل الخطوط الحمراء، وهو يطلق صيحات الحرب بين مكونات الشعب العراقي، ويتصرف كحاكمٍ مطلق في استحداث فرقٍ عسكرية وقوات خاصةٍ يوزعها على مناطق العراق ويربط قطعات عسكرية وامنية بمكتبه الخاص. والأخطر من ذلك كله الاستخفاف بكل مواد الدستور السيادية بإصراره على توريط الجيش في الخلافات السياسية بين أطراف العملية السياسية، ويثير النزعات الشوفينية والطائفية، مخالفاً بذلك جوهر مبنى الدستور.
لنمر بإيجازٍ على الخروقات الدستورية التي يرتكبها المالكي منذ توليه الحكم في دورته الأولى، ونتمعن في مغزاها، ثم لنتساءل من قادة التحالف الوطني قبل غيرهم: كيف لهم أن يتسامحوا مع ما يجري من خرق يومي على ما اقسموا على صيانته، وهم كلهم مؤمنون متعبدون، من قبل فردٍ غير مخولٍ بأي تدبير خارج مبنى الدستور فقط، متناسين الاتفاقات والتوافقات الوطنية التي أصبحت بالنسبة لهم كما يبدو مجرد حبر على ورق!
لنتابع ما يفعله المالكي منذ ولايته الأولى:
- الاستيلاء التجريدي على الهيئات المستقلة بدءاً بشبكة الإعلام وانتهاءً بالبنك المركزي.
-  تعيين الوكلاء وقادة الفرق ومدراء الأجهزة الأمنية والمخابراتية وجميع أصحاب الدرجات الخاصة، وهي كلها تتطلب عرضها على البرلمان ليقرها أو يرفضها. وقد أصبحت هذه الظاهرة جزءاً من منظومة الحكم غير الدستورية في الدولة العراقية.
-  ربط جميع الوزارات ومرافق الدولة بمكتبه والتحكم بوجهة عملها، ووضع وسائل الإعلام تحت تصرف مكتبه وتسخيرها للدعاية الخاصة به.
- عرقلة إقرار النظام الداخلي لمجلس الوزراء، لكي يظل الأوحد في إدارة شؤونها.
-  استحداث قيادات عمليات عسكرية ترتبط به مباشرة، خلافا لما ينص عليه الدستور.
-  التدخل الواضح في شؤون القضاء وممارسة أشكال مختلفة من الضغط والتأثير عليه وتسييسه وتجريده من استقلاليته.
- التعدي على الحريات العامة وحرمات المواطنين، وسرقة ممتلكاتهم والتضييق على منظمات المجتمع المدني والنقابات، والعمل على تزوير إرادتها.
-  تبعيث قيادات الجيش والأمن والمخابرات بوضع عناصر مشمولة بقانون المساءلة والعدالة.
- الفشل في تحقيق الأمن ومواجهة الإرهاب بالرغم من إنفاق مليارات الدولارات على أجهزة الأمن والاستخبارات.
-  التغطية على الفساد والمفسدين، ملوحا في كل مناسبة بامتلاكه ملفات دامغة دون ان يقدمها او يكشف عنها. وهو بفعلته هذه إنما يخفي عن القضاء ملفاتٍ جرمية ويضع نفسه في موضع التواطؤ والشبهة!
-  عرقلة إقرار قوانين مفصلية في حياة الدولة كقانون النفط والغاز وقانون الأحزاب وغيرها من خلال تاثيراته وكتلته في البرلمان.
  - إبقاء الحكومة بلا وزرائها الأمنيين، فارضاً سيطرته المباشرة وغير المباشرة عليها، رغم أنها مخالفة صريحة جرى التغاضي عنها إبان تشكيل الحكومة، على أساس استكمالها خلال أيامٍ او أسابيع.
-  عرقلة تطبيق اتفاقية أربيل وجميع ما جرى عليه التوافق، والتنصل من الالتزامات والعهود التي اقسم على الإيفاء بها، بعد إقرار تشكيلته الحكومية مباشرة.
-  مسؤوليته المباشرة عن الانتهاكات الفضّة لحقوق الإنسان وحرمات السجينات والمسجونين، حيث يمارس التعذيب والقهر عليهم تحت سمعه وعلمه.
-  إهدار مليارات الدولارات في دوامة الفساد المستشري من حوله، دون تحقيق اي انجاز على صعيد الخدمات الضرورية للمواطنين، وغض الطرف عن صفقات الفساد التي لا تنقطع دون اي اجراء او مساءلة وأخيرها وليس آخرها صفقة الأسلحة الروسية.
هذا غيضٌ من فيض، والبقية أمر وأقسى، ولكن هل يمكن لهذا أن يحرك الضمائر التي يتلبسها الصمت المريب.
عيب أيّها القادة، ان يجردكم من الإرادة سلطانٌ سيعود الى ما كان عليه بمجرد حالة يقظةٍ، واختراقٍ لجدار صمتكم الذي لم يعد له سوى واحد من تفسيرين :
التواطؤ المريب، او فقدان الجسارة الأخلاقية!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو علي الزيدي

    الاستاذ فخري كريم المحترم ان ما حدث ويحدث في العراق واليوم في مصر وكيف وصلوا هؤلاء الى السلطه انه وبلا شك وبتغاضي امريكا عما يحدث في المنطقه وتسلط الاحزاب الاسلاميه ما هو الا اخراج جيد لمسرحية قانون الشرق الاوسط الجديد الذي اقره الكونجرس الامريكي قبل حين

  2. ابو علي الزيدي

    الاستاذ فخري كريم المحترم ان ما حدث ويحدث في العراق واليوم في مصر وكيف وصلوا هؤلاء الى السلطه انه وبلا شك وبتغاضي امريكا عما يحدث في المنطقه وتسلط الاحزاب الاسلاميه ما هو الا اخراج جيد لمسرحية قانون الشرق الاوسط الجديد الذي اقره الكونجرس الامريكي قبل حين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram