متابعة المدى
بدأت مساء أمس الثلاثاء الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة العربية "الطارئة" في القاهرة وسط أجواء مشحونة، حيث تأتي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتصاعد المخاوف من محاولات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم التاريخية. وقد وصفت هذه القمة بأنها الأهم منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، نظراً لما تواجهه المنطقة العربية من تحديات أمنية وسياسية تهدد استقرارها بشكل غير مسبوق.
وتؤكد مسودة البيان الختامي، التي كشفت عنها مصادر، على الرفض القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين، مشددة على أن مثل هذه الخطوة ستكون لها تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة بأسرها، وضرورة وقف العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تحميل المجتمع الدولي مسؤولية وقف الانتهاكات التي تستهدف الشعب الفلسطيني.
وفي سياق إعادة إعمار غزة، تبنت المسودة الخطة المصرية التي تهدف إلى دعم التعافي المبكر وإعادة بناء القطاع على مراحل، مع حشد دعم دولي لتنفيذها. وأشارت المسودة إلى أن مؤتمراً دولياً للإعمار سيعقد في القاهرة خلال الشهر الحالي، ليكون منصة لجمع التعهدات المالية وضمان استدامة الجهود الرامية إلى إعادة بناء ما دمره العدوان. كما دعت المسودة المجتمع الدولي إلى تقديم كل أشكال الدعم المادي والمالي للخطة، باعتبارها الإطار الأكثر شمولية لإعادة إعمار القطاع. وكشفت مسودة البيان عن الخطوات العملية المقترحة لإدارة غزّة بعد الحرب، حيث نصّت على تشكيل لجنة مستقلة تتولّى إدارة شؤون القطاع خلال مرحلة انتقالية تمتدّ لستة أشهر، على أن تتألف من شخصيات تكنوقراط مستقلين تحت مظلة الحكومة الفلسطينية. وترافق هذه الترتيبات خطوات أمنية تتضمن تدريب عناصر من الشرطة الفلسطينية في كل من مصر والأردن، بهدف تولي مسؤولية الأمن في القطاع، تمهيداً لعودة السلطة الفلسطينية إليه.
إضافة إلى ذلك، أشارت القمة إلى إمكانية نشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية، عبر مجلس الأمن، باعتبار ذلك جزءاً من الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار ومنع تكرار المواجهات العسكرية في المستقبل. كما تضمنت الخطة المصرية التعامل مع مسألة سلاح الفصائل الفلسطينية من خلال "أفق سياسي واضح" يضمن معالجة هذا الملف وفق ترتيبات مدروسة تضمن الاستقرار في القطاع.
وعكست مخرجات قمة القاهرة تحولاً مهماً في طريقة التعامل مع الوضع في غزة، حيث استُبعد أي دور لحركة حماس في إدارة القطاع مستقبلاً، في مقابل التركيز على إعادة تمكين السلطة الفلسطينية من خلال ترتيبات أمنية وسياسية واضحة. كما أن فكرة نشر قوات دولية لحفظ السلام تشير إلى تغير في الرؤية الإقليمية والدولية لإدارة النزاع، وهو ما قد يؤسس لمرحلة جديدة من التعاطي مع الملف الفلسطيني.
وفي السياق، أكد الناطق الرسمي باسم حركة حماس جهاد طه، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن أي جهد عربي يجب أن يركز بالدرجة الأولى على وقف العدوان الإسرائيلي، ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال، مشدداً على ضرورة إلزام الاحتلال بتنفيذ الاتفاق الموقع في 15 يناير/كانون الثاني، وفضح جرائمه المستمرة بحق الفلسطينيين، كما شدد على رفض أي مشاريع تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو تستهدف حقهم المشروع في مقاومة الاحتلال.
وأشار طه إلى أهمية تضافر الجهود الفلسطينية، شعبياً ووطنياً، لإدارة الوضع في غزة بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن موافقة حركة حماس على مقترح الأشقاء في مصر بشأن تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" جاءت انطلاقاً من قناعة الحركة بأهمية وجود إطار فلسطيني يعمل على تخفيف معاناة أبناء القطاع، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها.
وفيما يتعلق بالقمة العربية، ثمّن طه الجهود العربية والإسلامية الداعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية، والتي تتصدى لسياسة القتل والتدمير التي يمارسها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وأعرب عن أمله في أن تكون مخرجات القمة العربية على مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق القادة العرب، بحيث تُساهم في التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، ودعم إعادة إعمار ما دمره العدوان، وتعزيز صموده أمام المشاريع التي تستهدف حقوقه الوطنية.
وفيما يخص عملية إعادة الإعمار، وضعت الخطة المصرية جدولاً زمنياً واضحاً لمراحل التنفيذ، حيث ستبدأ بمرحلة التعافي المبكر التي تمتد لستة أشهر، بكلفة تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، تتم خلالها إعادة تأهيل البنية التحتية والمرافق الأساسية. بعد ذلك، ستبدأ المرحلة الأولى من إعادة الإعمار، والتي ستستمر لعامين، بكلفة تصل إلى عشرين مليار دولار، تليها المرحلة الثانية، التي تمتد لعامين ونصف، بكلفة ثلاثين مليار دولار، ليصل إجمالي الكلفة التقديرية لإعادة إعمار قطاع غزة إلى 53 مليار دولار. ولضمان شفافية التمويل وتنظيم عملية الإنفاق، ستتم دراسة إنشاء صندوق ائتماني تحت إشراف دولي يكون بمثابة الآلية المالية الرئيسية لتنفيذ الخطة.
كما تضمنت الخطة المصرية إبرام "هدنة متوسطة المدى"، يتم الاتفاق عليها لفترة زمنية محددة، لضمان تنفيذ عمليات الإعمار في غزة دون عوائق عسكرية. وشملت الخطة أيضاً مقترحات لإقامة مساكن مؤقتة لسكان المناطق المدمرة والنازحين في سبع مناطق، بما يضمن توفير حلول سريعة لمشكلة الإسكان التي تفاقمت بفعل العدوان. وأكدت مسودة بيان القمة العربية الختامي على أهمية التمسك بحل الدولتين باعتباره الحل الوحيد القادر على إنهاء النزاعات في الشرق الأوسط وتحقيق الاستقرار، وشددت على أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية هي الضامن الوحيد لإنهاء الاحتلال وفتح المجال أمام علاقات طبيعية بين دول المنطقة وإسرائيل.