TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: حوارٌ غيرُ هادئ

قناطر: حوارٌ غيرُ هادئ

نشر في: 5 مارس, 2025: 12:03 ص

طالب عبد العزيز

في العام 2009 تسنى لنا، نحن طيف من مثقفي البصرة، زيارة المملكة العربية السعودية، وفي قاعة بمكتبة الملك عبد الله بن عبد العزيز، آنذاك، قيل لنا بأنَّ أكثر من سبعمائة وخمسين شخصية دينية بينهم خطباء وأئمة وعلماء جاؤوا مدن آماد المملكة كلها، واجتمعوا هنا، من أجل التهيئة لحوار يضم مختلف الفرق والطوائف والمذاهب والتوجهات يقصد به التقريب في وجهات النظر، وإمكانية قبول الآخر المختلف-المختلف يعني من غير مذهب الامام أحمد بن حنبل- وهو مذهب الغالبية من السعوديين، لكنَّ الذي حدث أنَّ النسبة الكبيرة جداً من هؤلاء غادروا القاعة، رافضين الحوار مع أيِّ آخر مختلف، ولم يبق منهم أكثر من سبعين رجلاً، بحسب أمين المكتبة فيصل بن معمر.
حتى السنوات تلك، كان المجتمع السعودي مغلقاً علينا، نحن الذين انقطعت علاقتنا السياسية والدبلوماسية بمحيطنا العربي-الإسلامي، بسبب طبيعة النظام والحروب التي افتعلها مع جيرانه، لذلك كانت فكرة الحوار من هذا النوع غريبة علينا، فهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تطبق بحديدها على السلوك العام، وهي مطلقة اليد بموجب التشريع، وهي هيئة أعلى من سلطة الملك، كما بدت لنا من أحاديث الأصدقاء السعوديين، في المدن التي زرناها، لذا، لم نصدِّق السيد بن معمر حين قال لنا بأنَّ التغيير في العالم إنما يأتي في العادة بضغط الشعوب على الحكومات، عبر التظاهرات والاحتجاجات، إلا في المملكة فأنَّ الضغط يأتي من الحكومة على الشعب، لكنَّ الشعب يرفض!!
لكنَّ الذي حدث في المملكة خلال السنوات الأخيرة أكَّد لنا صدقّ الرجل، إذْ لم ينتظر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رأياً من هؤلاء المشايخ، بل ذهب الى حلِّ الهيئة، وزجّ من رفض منهم بالسجن، وأخفى وجودهم بالكامل ثم بدأ بالتغيير، لعلمه بأنَّ هؤلاء هم النتوء الزائد في العجلة، إنْ لم يكونوا الجزء الخربِ فيها. قد نختلف مع الآلية التي تدار فيها السياسة والحياة بعامة، بحكم طبيعة تفكيرنا، لكنَّ الذي يحدث هناك هو التغيير عينه، والتحول الذي لا بدَّ منه، يقينا من المسؤولين بأنَّ الحياة والانسان أولى وأحقّ بالعناية من السلوك الذي يعتمده هؤلاء المشايخ، وأنَّ مواكبة التطور وبناء البلاد يستدعي العلم والعمل على اللحاق بركب الإنسانية، الذي لا يتنظر أحداً، وما كان قائما ذات يوم، بمسلماته الكثيرة يستدعي الزوال.
في حديث لي قبل ليلة مع نفرٍ من أمثال هؤلاء المشايخ تيقنت بأنَّ الحوار معهم صعبٌ ومستحيل، فهم لا يفهمون معنى الحوار، لغةً واِصطلاحاً، وهناك رفضٌ مقيت للآخر، أيِّ آخر، وعجبتُ كيف تتحول الادعية والقصائد والاوراد التي على السنتهم الى شواهد ودعامات في الحوار معهم. أدمغُ أحدهم بالآية والحديث فيكذب الحديث أو يضعفه، ثم يردني بدعاء حفظه أو ببيت من الشعر سمعه، يرفع من شأن أشياحه الى مرتبة التقديس، فيخلع عليهم الأُلوهةَ والربوبية، ويفهم العصمة على أنَّها مغادرة الجسد لأفعاله الوظيفية، نافياً عنه طبيعته الفيزياوية والإنسانية في الاكل والشرب والاستحمام وقضاء الحاجة، بإعتقاد منه بأنهم لم يخلقوا من لحم وعظم، ويحقِّرُ فيك كلَّ ذرةٍ من علم، بما يجعلك حائراً، يائساً من أيِّ تغيير. في حوار كهذا عليك أن تقول بأنَّ الفجوة تتسع بين مستعمل العقل وصاحب النقل، مع أنها قديمة بكل تأكيد، لكنها تبدو وكما لو أنَّ الزمن توقف في عقول هؤلاء، وبما تتضح وتتجلى عندك محنة أجدادنا من المعتزلة وأخوان الصفا وأصحاب الرأي، الذين تصدّوا لمثل هؤلاء قبل الف وأربعمائة سنة من اليوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الجمعة والسبت.. تحذير من ذروة الحالة الجوية في العراق

1000 مدرسة كرفانية في العراق

نتنياهو: قادرون على العودة للحرب وغيّرنا وجه الشرق الأوسط!

إلغاء الإعفاء الأمريكي على الغاز الإيراني يضع العراق في مواجهة أزمة طاقة خانقة!

مجلس نينوى يقيل رئيسه أحمد الحاصود بعد استجوابه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: صيف المالكي

صمت!

العمود الثامن: تزوير ترامب !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

 علي حسين إنتظر المواطن العراقي أن يخرج عليه مسؤول يخبره عن الجهات التي سهّلت سرقة أموال الضرائب وأنتظرنا جميعا صابرين أن يصدر قرار قضائي بمصادرة اموال المتهمين والحكم عليهم باحكام شديدة ، إلا...
علي حسين

قناطر: حوارٌ غيرُ هادئ

طالب عبد العزيز في العام 2009 تسنى لنا، نحن طيف من مثقفي البصرة، زيارة المملكة العربية السعودية، وفي قاعة بمكتبة الملك عبد الله بن عبد العزيز، آنذاك، قيل لنا بأنَّ أكثر من سبعمائة وخمسين...
طالب عبد العزيز

مشاكل عدم المساواة في الشرق الأوسط

د. فالح الحمراني ظلت منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة، المنطقة التي تشهد أعلى مستوى من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في العالم. ففي عام 2016، بلغت حصة أغنى 10‌% من السكان في الدخل الوطني 61‌% (وبالنسبة...
د. فالح الحمراني

التصنيفات العالمية للجامعات.. دليل أم تضليل؟

محمد الربيعي في عالم يسوده هاجس التميز والمقارنة، تبرز التصنيفات الجامعية العالمية كبوصلة توجه الطلاب وأولياء الأمور في رحلة البحث عن أفضل مؤسسة تعليمية، وتساهم في تحديد السياسات التعليمية لبعض الدول، كما استخدمت نتائجها...
د. محمد الربيعي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram