لمن ملوا من كتابتي عن المالكي اهدي هذه التأويلات، ولتكن آخر ما يقرأون لي لو احبوا، وفي وسعهم اهمالي بعدها الى الابد. هل حقا انني مع بضعة زملاء اخرين، نهتم في كتاباتنا بالمالكي اكثر من اللازم وبنحو ممل كما يقول بعض الأصدقاء والقراء؟ اريد ان اتحدث اليوم عن "متعة" رصد سلوك المالكي وكلماته، بوصفها رحلة الى الماضي يتلذذ بها الجميع. وبوصفها فرصة لفهم "شعب المالكي" ايضا وكيف يتلذذ الجمهور برعونة الحاكم (وباللحظات الأولى للكارثة). وهي كذلك فرصة أخيرة ليصرخ المظلوم على حبل مشنقة قبل دخوله جحيم الموت الفارغ والموحش. ومتعة أن يكون لديك حاكم يشتهي الاستبداد مثلما ما حصل مع أجدادك، لكن لديك أيضا شلش العراقي وفيسبوك!
معظمنا يخشع لحكايات التاريخ ويتمنى ان يستقل مركبة الخيال العلمي الشهيرة ليعود الى زمان الملاحم ورؤية حريق روما او دخول هولاكو بغداد، وهل هناك أفلام أكثر نجاحا من تلك التي تعالج التاريخ؟
ولكن كيف يصبح رصد المالكي وخصومه أيضا، ممتعا كركوب ماكنة التنقل عبر الزمن؟ ان هذا مرتبط بطريقة السلطان الحالي في ادارة صراعه، وحرصه هو على النظر الى اساليب الماضي وقرفه من الاستعانة بمنطق المستقبل. ان خبرته المحدودة وعمره الفيزياوي يقيدان كثيرا عمره السياسي ويمنعانه من تعلم المستقبل لان ذلك عملية مكلفة، بينما تشجعانه على استعادة الماضي الذي حفظناه عن ظهر قلب. الماضي بالنسبة للمالكي وصفة نجاح لتوسيع النفوذ، حتى لو تضمنت وصفة فشل للامة. قواعد المستقبل مثل "اعتماد اخلاق التفاوض، وخوض حرب المصلحة عبر احتلال مكانة مهمة على خارطة المصالح وتبني اليات السوق الحر وفرص العولمة، والظهور بمظهر حديث مدني لتعزيز السلام، وحل الخصومات عبر استشارات رفيعة تشرك كل مراكز القوى" هي امور لا تخطر على بال المالكي، اذ لا وقت لديه لتعلمها وهو الذي يمتلئ رأسه بصور حافظ الاسد ومتشددي ايران وظلمة صدام حسين، ولا وقت لديه لقراءة باولو كويلو او مشاهدة اعمال توم هانكس او التعرف على مفاهيم فرانسيس فوكوياما. انه يحب قواعد عتيقة مثل "فرق تسد، ترغيب وترهيب، تجويع وتشهير، تحشيد وتعبئة، التستر على مأزق بخلق مأزق اكبر منه، فتح كل الجبهات معا لإرباك الجميع، احتكار كل الإمكانيات والشك المتواصل بكل ابناء ادم، امتلاك حقيقة مطلقة لا تقبل التردد، الاعتماد على حلقة مريدين ضعفاء ومصفقين، وتجنب إشراك الأقوياء ذوي العقول والخبرات والصراحة لان هؤلاء يحرمونه دوما من فرص التحول الى بطل ويخشون رائحة الدم".
ان رصد ومتابعة هذه التفاصيل في سلوك رئيس حكومتنا، هي عودة الى الماضي تساعدك على فهم منطق صعود الرجال وانتكاسهم عبر التاريخ الأسود لمنطقتنا، وتجعلك تفهم بالتفاصيل كيف يتورط السلاطين بقرارات متسرعة ولماذا تنزلق معهم الامم نحو الهاوية وكيف تتبدد الفرص العظمى وتتسرب القرون الطويلة من بين أصابع الشعوب.. تجعلك تفهم بشكل جيد لماذا كنا نقيم في قعر الزمن الأسفل خلال آخر ألف سنة.
ان متابعة المالكي هي مراقبة لصورة تعاد بالبطيء، لكيفية تشكل السلطات المستبدة وكيفية انهيار التحالفات والانقلاب على الالتزامات ثم الوقوع في هاوية العنتريات.
انها ايضا عملية فهم للشعب لا لحاكم الشعب فقط. كيف يصفق البعض للقوي ويحب حاكما يلعب بالمسدسات ويدق طبول الحماس العسكري. وكيف ان المستبد احيانا يثير حماس جمهور يشعر بالملل، وينتظر جديدا في حياته، على طريقة: اذا لم يمكن ان نفرح بصعود وارتقاء، فتعال نجرب متعة السقوط والانتحار! رجاء نبهوني لو كنت ابالغ، فالجمهور يشعر بمتعة خفية في بداية الكارثة لأنها تغير روتينه المعتاد الذي عاشه هو وأسلافه قرونا من الملل.
اما الاهم من هذا كله فهو ان المطالبة بالمعايير الحديثة لبلدك ليست أمرا مملا، لأنها ليست ترفا نستخدمه للتسلية. نحن كمظلوم يقف على مشنقة ظلم، وعليه أن يستمر بتوضيح وجهة نظره حتى اخر لحظة لان الموت نهاية لا عودة فيها. وخسارتنا لفرصة ان نحصل على معايير حديثة لحياتنا ليست هزلا ولا مزاحا، انها لحظة بين موت يشبه صدام حسين، وحياة تقودنا للانفتاح السياسي والثقافي وتجعلنا نشبه العالم المتحضر. لا مجال لصمت او تأجيل لان فرصة الحداثة السياسية اذا ضاعت هذه المرة فإنها لن تعود بسرعة، وسيحتاج الغرب ٢٠ عاما ليستعد لاحتلالنا ثانية!
ان ما يجري في العراق اليوم يختلف عن عهد صدام حسين. كان صدام يبني سلطته وكان الشعب خائفا حتى من محاولة فهم تشكل السلطة. لم تكن هناك بغدادية ولا شرقية ولا سومرية نيوز ولا مدى برس ولا فيسبوك ولا شلش العراقي، لان الموت كان اسرع من كل عقل. اما اليوم فنحن في ورشة تدريب وحلقة نقاشية ننتزعها بجرأتنا وبفضل الوضع الدولي، لنحاول ان نفهم ونفكر بصوت عال كيف تتحرك الصور داخل عقول السلاطين.. وهل يبقى للسلاطين عقول حين ينظرون الى كمية سياطهم وخزائن اموالهم وجوقات المصفقين حولهم؟ ان متابعة هذا المشهد والسعي لتأويله ليس مملا أبداً.
جميع التعليقات 6
ابو علي الزيدي
عزيزي الاستاذ سرمد اتمنى لك ولزملائك المحنرمين ان يمدكم الباري عز وجل بالصحه ويشد من ازركم في كشف الحقيقه وتنبيه هذا الشعب المبتلى بالحكام الذين لا يتعضوا بالعبر ويتناسوا انهم كانوا من وقت قريب من هذا الشعب واتمنى على كل الكتاب والصحفيون الذين دفنوا رؤوسه
حسين
للأسف ما زلت غير مقنع مقالك لا يختلف عن سابقه.. انت مكلف بالكتابة وليست متعه كما تدعي. من المحزن ان يستكتبك احدهم. أنا أتعاطف معك الحياة صعبة وانت تكتب في جريدة حيز الحرية فيها شبه معدوم في نقد الخصوم
اكرم حبيب
السيد الطائي المحترم نقرا بنهم لنعرف اتجاهات بوصلة الثقافة العراقية ومفكريهالو توقفت قليلا عن مقارنة الماضي بالحاضر ولتكن بداية ليس المثقف وحده بل الاعلامي والفضائيات تتبنى مواقف متارجةنشم رائحة الرشوة ونرى اشباه الرجال بلا ورقة التوت فعندمانسجل لكم شجاع
حسين
الا تخجلون.. تدعون بانكم متحضرون وحواريون وترفعون رايات التحاور والنقد ووتزعمون الشجاعة والجرأة.. وينشرون تعليقات من تتفق معكم بل اذهب أبعد من ذلك، أنكم تكبونها ليشعروا ببعض الراحة. لو كانت لديكم الشجاعة والثقة لنشرتم كل التعليقات والآراء التي ترسل لكم. ل
منصر
الاستاذ الفاضل سرمد الطائي السلام عليكم اليوم اصبح لي بريد الكتروني وهذا ماكنت اتمناه من قبل كنت اتابعكم منخلال جريدة العالم انت والشرفاء معك امثال الاستاذ خالد القشطيني والاستاذ احمد المهنى والاستاذ محمد غازي الاخرس والاخرين لايسعني اذكرهم جميعا ولااريد
منصر
الاستاذ الفاضل سرمد الطائي السلام عليكم اليوم اصبح لي بريد الكتروني وهذا ماكنت اتمناه من قبل كنت اتابعكم منخلال جريدة العالم انت والشرفاء معك امثال الاستاذ خالد القشطيني والاستاذ احمد المهنى والاستاذ محمد غازي الاخرس والاخرين لايسعني اذكرهم جميعا ولااريد