TOP

جريدة المدى > سياسية > دورة حياة الذهب في العراق.. من ملاذ آمن إلى ساحة لغسيل الأموال وتهريب الدولار

دورة حياة الذهب في العراق.. من ملاذ آمن إلى ساحة لغسيل الأموال وتهريب الدولار

نشر في: 5 مارس, 2025: 12:59 ص

 بغداد/ تبارك عبد المجيد

أصبح الذهب يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد المحلي، خاصة في ظل تزايد الطلب عليه كملاذ آمن في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية وضعف قيمة الدينار أمام الدولار. ومع هذا الارتفاع، أصبح الذهب ليس فقط وسيلة للاستثمار وحفظ الثروة، بل أداة أيضًا لعمليات غسل الأموال، حيث يقوم البعض بتحويل الأموال غير المشروعة إلى ذهب.

وفي الوقت نفسه، تستغل بعض الثغرات في الرقابة على الحدود لتهريب كميات كبيرة من الذهب.
وتسعى وزارة التخطيط العراقية على تسهيل عمليات استيراد الذهب عبر مراكز الفحص المنتشرة في مطارات بغداد، النجف، البصرة، وكركوك، والتي تعمل على مدار الساعة لضمان سرعة ودقة الإجراءات.
ووفقاً للمتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، أن هذه "المراكز تعتمد أجهزة حديثة تُعد من بين الأحدث عالمياً، حيث يمتلك العراق واحداً من ثلاثة أجهزة فقط على مستوى العالم، مما يضمن فحص الذهب بدقة عالية وفي وقت قصير".
وأشار الهنداوي في حديث لـ(المدى)، إلى أن "هذه الإجراءات خففت بشكل كبير من الأعباء التي كانت تقع على عاتق المستوردين، إذ يتم نقل شحنات الذهب مباشرة من الجمارك إلى وحدات الفحص داخل المطار، لتُنجز العملية خلال ساعتين إلى ثلاث ساعات فقط، ليخرج الذهب مفحوصاً وموسوماً".
وأضاف أن "هذه الآلية لا تقتصر على تسهيل الإجراءات فحسب، بل تساهم في حماية الاقتصاد الوطني وضمان جودة الذهب المستورد، مما يعزز ثقة المستهلكين".
وبين أن "العراق شهد ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات استيراد الذهب عبر المنافذ الرسمية، حيث يبلغ المعدل اليومي للاستيراد ما بين 50 إلى 75 كيلوغراماً، عبر المنافذ الرسمية".
تُشكل تجارة الذهب في العراق قطاعاً حيوياً يتأثر بالتحولات الاقتصادية والسياسات النقدية، حيث يكشف محمد احمد - صاحب متجر لبيع الذهب-، أن استيراد الذهب الصناعي كان يتم تاريخياً عبر السلطة النقدية على شكل سبائك تُباع للحرفيين المجازين، لتحويلها إلى مشغولات ذهبية تستخدم للزينة وحفظ الثروة الشخصية.
وأوضح احمد في حديث لـ(المدى)، أن "عملية تسعير الذهب كانت تستند إلى السعر المركزي مضافاً إليه كلفة التصنيع وهامش ربح محدد، قبل أن تُعرض المصوغات على الجمهور تحت رقابة صارمة من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، لضمان خلوها من الغش الصناعي". وأضاف أن التحولات المهنية في القطاع أدت إلى تقلص أعداد الحرفيين الصاغة بشكل كبير، لتصبح تجارة الذهب موزعة بين قطاعين رئيسيين: تجار الجملة وتجار المفرد. وأشار إلى أن عمليات الاستيراد باتت تخضع لإجازات تمنح لتجار كبار، بينما يعتمد تسعير الذهب المحلي على عوامل متعددة.
وبيّن أن العامل الأول هو سعر الذهب في الأسواق العالمية، حيث يرتبط سعر الاستيراد مباشرة بقيمة الدولار وما يُعرف بدورة أصول الذهب العالمية. أما العامل الثاني فهو سعر صرف الدولار في السوق الموازية، بينما يتمثل العامل الثالث في سياسات دول الجوار تجاه الذهب، إذ تؤدي التشديدات على استيراد المعدن وارتفاع أسعاره إلى تحوله كسلعة تستخدم في عمليات المتاجرة العابرة للحدود.
وحذر احمد من أن هذه العمليات تُعد ضمن تحركات غسل الأموال الخطرة، وتخضع لملاحقة الأجهزة الرقابية بنفس مستوى السوق السوداء للنقد الأجنبي.
وأشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت زيادة كبيرة في استيراد الذهب من الإمارات وتركيا، ما يعكس وجود عمليات لتهريب الدولار عبر منصات البيع الرسمية، حيث يتم شراء الدولار بالسعر الرسمي لتحقيق أرباح كبيرة لصالح بعض المهربين.
إلى ذلك، يرى الباحث بالشأن الاقتصادي باسم أنطوان أن عمليات استيراد الذهب لا تخلو من شبهات فساد، نتيجة لهيمنة بعض الجهات المتنفذة على هذا القطاع.
وفي حديثه لـ(المدى)، أشار أنطوان إلى أن "هذه السيطرة أدت إلى ظهور مضاربات بين الذهب والدولار والدينار، مما أسهم في خلق حالة من عدم الاستقرار في السوق".
وأوضح، أن "المضاربين يسعون إلى توزيع استثماراتهم بين الذهب والعملات الأجنبية، بدلاً من الاعتماد على أداة واحدة، لضمان تعويض الخسائر المحتملة في حال حدوث تقلبات في الأسعار".
وأضاف أن "هذه الممارسات لا تزيد إلا من تشتت الاقتصاد، إذ تفتح المجال لدخول "الطفيليين" إلى النشاط التجاري، ما يفاقم الأزمات الاقتصادية، خصوصًا على الفئات الفقيرة التي تتحمل عبء التضخم النقدي الناتج عن هذه المضاربات".
وأكد أن "تأثير هذه الظواهر على الاقتصاد العراقي أصبح ملموسًا بشكل كبير"، داعيًا إلى ضرورة إعادة التوازن الاقتصادي من خلال منح البنك المركزي المسؤولية المباشرة عن استيراد الذهب، بهدف كبح جماح المضاربين ومنعهم من السيطرة على السوق.
كما دعا أنطوان إلى توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة بدلاً من تركزها في المضاربات على الذهب والعقارات. وأشار إلى أهمية تدخل البنك المركزي بآليات فعّالة لضمان استقرار الاقتصاد ومنع استغلال الفجوات الاقتصادية من قبل المضاربين لتحقيق مكاسبهم على حساب المجتمع.
ويعود ارتفاع أسعار الذهب في العراق إلى عوامل متعددة تتداخل في سياق معقد، وفقاً لما يوضحه الباحث الاقتصادي أحمد عيد.
يقول عيد في حديث لـ(المدى) أن "أبرز الأسباب تتمثل في التقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق العالمية، إلى جانب انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، مما أسهم بشكل مباشر في ارتفاع أسعار الذهب، الذي يُعد ملاذاً آمناً يلجأ إليه المواطنون في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية غير المستقرة".
وأضاف عيد، أن "الطلب المحلي المتزايد على الذهب يمثل عاملاً مهماً في ارتفاع الأسعار، إذ أصبح الذهب خياراً مثالياً لحفظ القيمة مع تصاعد مخاوف التضخم وعدم استقرار الاقتصاد". إلا أنه لفت إلى أن هذه العوامل التقليدية ليست وحدها وراء هذا الارتفاع، مشيراً إلى أن "عمليات غسل الأموال تلعب دوراً كبيراً في دفع الأسعار نحو الأعلى".
وأوضح أن "العديد من المتعاملين في السوق السوداء يستخدمون الذهب كوسيلة لإخفاء مصادر أموالهم غير المشروعة، سواء كانت ناتجة عن تجارة المخدرات، أو الرشوة، أو عمليات فساد أخرى. ويتم تحويل هذه الأموال إلى ذهب كطريقة لإعادة تدويرها ضمن الاقتصاد الرسمي، وهو نمط مشابه لما شهدته سوق العقارات في السنوات الماضية".
وحول كيفية دخول الذهب إلى العراق، أشار عيد إلى "وجود قنوات رسمية وأخرى غير قانونية. تشمل القنوات الرسمية استيراد الذهب عبر المعابر الجمركية والمطارات، حيث يخضع للفحص من قبل هيئة الجمارك والبنك المركزي لضمان مطابقته للمواصفات القياسية. غالباً ما يأتي هذا الذهب من دول مثل تركيا، الإمارات، وسويسرا، ويتم استيراده من قبل تجار وشركات معتمدة".
لكن في المقابل، يتم تهريب كميات كبيرة من الذهب عبر الحدود مستغلين ضعف الرقابة على بعض المنافذ الحدودية. وأوضح عيد أن "عمليات التهريب تتم من خلال إخفاء الذهب داخل شحنات بضائع أخرى أو عبر الأفراد الذين يعبرون المنافذ البرية غير الخاضعة للرقابة المشددة، مما يتيح لهم تجنب دفع الضرائب والرسوم الجمركية".
وأكد الباحث الاقتصادي، أن "دخول الذهب بطرق غير قانونية يؤدي إلى تشويه السوق بشكل كبير، حيث يغرق السوق بكميات غير مسجلة تؤدي إلى اضطراب الأسعار، وتقلل من إيرادات الدولة الجمركية التي يمكن أن تسهم في دعم الاقتصاد الوطني".
شدد عيد على ضرورة تشديد الرقابة على المنافذ الحدودية، وتفعيل آليات تتبع عمليات بيع وشراء الذهب، إلى جانب تعزيز التعاون الإقليمي لمكافحة شبكات التهريب.
واعتبر أن هذه "الإجراءات من شأنها الحد من ارتفاع الأسعار غير المبرر وتحقيق الاستقرار في السوق المحلية".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

شهر من الخلافات على المناصب.. كواليس التفاوض مع
سياسية

شهر من الخلافات على المناصب.. كواليس التفاوض مع "الفصائل"

بغداد/ تميم الحسن قال مصدران في أحزاب حاكمة، إن قضية "دمج الفصائل" لا تزال تواجه خلافات على الرغم من مرور شهر على بدء النقاشات، فيما تزداد التحذيرات من "عقوبات اقتصادية" وشيكة. ويفترض أن بغداد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram