إبراهيم البليهي
ليس أسهل من دفع الناس في اتجاه الخطأ خصوصا إذا خوطبوا باسم العلم والبحث العلمي وتم تخويفهم بأن صحتهم في خطر.. ففي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي أنسيل كيتس دراسة زعم أنه قد توصل إلى أسباب أمراض القلب ونصح بأن يتجنب الناس اللحوم والدهون المشبعة وفي عام 1955 أصيب الرئيس الأمريكي أيزنهاور بنوبة قلبية فاستغل صاحب الدراسة الفرصةَ ونشر الرعب بين الأمريكيين وبناء على هذه الدراسة والتغطية الإعلامية الواسعة والمثيرة المصاحبة للنوبة القلبية للرئيس؛ تبنت الحكومة الفيدرالية (المبادئ التوجيهية الغذائية الوطنية) للحث على خفض استهلاك الدهون …..
الدكتور جوزيف ميركولا في كتابه (الدهون كوقود) يحكي قصة وقوع الشعب الأمريكي لتضليل فظيع باسم العلم وبيَّن بالتفصيل الأخطاء الجوهرية التي ارتُكبت في حق أمريكا وفي حق العالم كله لأن العالم تبنى ما تبنته أمريكا بسبب دراسة خاطئة فليس المهم وجود وقائع ولكن الأهم هو تفسير الوقائع واستبعاد التحيز والتسرع والرغبة في السبق العلمي الذي قد يدفع إلى عدم الالتزام بما يقتضيه التحقق
يقول الدكتور جوزيف ميركولا: ((إن الصناعات الغذائية والصيدلانية قد استغلت الموضوع بشكل فعال وضغطت على الحكومة لتشويه الحقيقة لقد قاموا بالتضليل بشكل منهجي حول ما هو صحي وما هو غير صحي)) ويضيف بأنه حصل: ((تحول جذري عن الغذاء الذي كان سائدًا)) واستمر الخطأ الفادح أكثر من سبعين عامًا وهذا يؤكد الهشاشة المتناهية للإنسان ….
فبعد أكثر من سبعين عامًا أفاقت أمريكا والعالم بأنها قد دُفِعت خطأ إلى نمط من التغذية شديد الضرر حيث انتشر داء السكري وتفاقمت السمنة وتضاعفت الاضطرابات النفسية بسبب إلحاق ضرر شديد بأدمغة الناس فالدماغ يحتاج إلى الدهون المشبعة وخصوصا أوميقا3 كما أن أمراض القلب لم تتراجع بل تضاعفت.
إن العالم حاليا يشهد التحول العلمي المضاد لذلك الإرباك الهائل ولكن العالم قد استغرق أكثر من سبعين عامًا لكي يصحو ويعود للصواب، شهدت صحوة الطب فيضًا من الكتب التي تحكي قصة الدراسة الخاطئة والنتائج الكارثية التي نجمت عنها فأغرقت أمريكا في مرض السكري والسمنة والاضطرابات النفسية ……
إن الحالة الأمريكية تشبه ما حصل لنا قبل سنوات فقد اكتست المدن السعودية بالاخضرار وكان الناس سعداء بذلك الظل الوارف والاخضرار الناصع ثم فجأة انتشرت شائعة بأن الشجر يسبب الحساسية لقد تم تخويف الناس من أن البرسوبس يسبب الحساسية فصار الناس يحاربونها وكأنها عدو مخيف إلى درجة ملاحقتها في البراري وإتلافها فالخيال الشعبي ضخم الخوف لأنهم لا يعرفون بأن كل الأشجار ذات اللقاح المتطاير تسبب الحساسية لنسبة من الناس فاللقاح ذاته لا يسبب لأكثر الناس أي تحسس أما من لديهم القابلية فهم يتحسسون من لقاح الثيل ولقاح النخل ومن كل الأشجار ذات التلقيح غير المباشر هكذا تفعل الشائعات في كل مكان فأمريكا ومعها العالم كله قد غرق في بالوعة الخطأ والوهم.