علاء المفرجي
مثل مواطنه دانيال دي لويس، جاء الممثل الايرلندي "كيليان مورفي" الى السينما من بوابة المسرح، ومثل لويس تماما كتب أسمه بحروف ناصعة بين ممثلي السينما الكبار منذ أول دور له، حتى اعتلائه منصة "مسرح كوداك في هوليوود" مقلدا بأوسكار افضل ممثل عن دوره الإعجازي في رائعة كريستوفر نولان "أوبنهايمر" مجسدا شخصية "روبرت أوبنهايمر" في هذا الفيلم.
الفيلم الأخير لـ "مورفي" كان "أشياء صغيرة كهذه" وهو فيلم دراما تاريخية صدر عام 2024 من إخراج تيم ميلانتس واقتبسته إندا والش عن رواية لكلير كيغان، وبطولة كيليان مورفي (الذي يعمل أيضًا كمنتج)، وإيلين والش، تركز قصته على مغاسل ماجدولين سيئة السمعة في أيرلندا. وعرض الفيلم لأول مرة عالميًا في مهرجان برلين السينمائي الدولي الرابع والسبعين.
الفيلم مصوّر بشكل رائع ومؤثر يتحدث عن موقف رجل واحد ضد شرور المغاسل المجدلية في أيرلندا. ولكن ما يتوقف عنده المتلقي في الفيلم هو التذكير الذي يقدم بغموض التمثيل، وخاصة إداء الممثل كيليان مورفي وقابليته للتشكيل؛ والذي يمكنك أن تسميه موهبة أو حرفة، فقد كان الاداء مقنعا للغاية بحيث يصدقه الجمهور، هذا الممثل الذي لم يبرح ذاكرة المتلقي بعد، عندما أداء دور روبرت أوبنهايمر تحت إدارة نولان، ثم يقوم بنفس معجزة الإداء مع شخصية جديدة تمامًا. ومثل فيلم كريستوفر نولان، جسد مورفي شخصية الأب الغامض المعذب للقنبلة الذرية؛ لم يكن هذا مجرد أداء مقنع ومثير، بل كان يحمل على كتفيه ملحمة استوديو مدتها ثلاث ساعات. والآن، وي فيلم "أشياء صغيرة كهذه" الممثل نفسه بدور بيل فورلونج، تاجر الفحم في بلدة أيرلندية، نسخة متخيلة من عدد لا يحصى من الرجال الحقيقيين وغير الملحوظين.
لا يمكن أن يكون الرجل الأيرلندي من الطبقة العاملة أقل شبهاً بالعالم الأمريكي الأرستقراطي، ومع ذلك يتم نقل حياته الداخلية بنفس التعقيد والقوة؛ وبينما ميزانية الفيلم الجديد المصنوع بشكل مستقل، وجدول التصوير، وكل شيء عملي وتقني عنه ربما يكون ضئيلاً مقارنة بأوبنهايمر، إلا أن مورفي حاضر مرة أخرى تقريبًا في كل دقيقة، كالمعتاد، وموهبته والتزامه مرة أخرى في قلب الفيلم.
أن الجمع في الإداء بين هذين الدورين جنبًا إلى جنب هو تشخيص لإنجاز رائع ودقيق في رس ملامح الموهبة. حيث تشابه صفات هذين الشخصيتين إلى حد كبير؛ ولا أعني هنا التشابه الفيزيائي للشخصيتين، بل هو التوغل في ثنايا الذات، وأيضا عواطفها المستترة، وحتى عزلتها، والتجسيد الذي نقرأه في العين.
وإذا كان مارتن سكوسيزي قد احتكر نوعا ما الموهبة الفدة دانيال دي لويس، في فيلم "عصر البراءة" الذي ترشح لخمس من جوائز الاوسكار، وفيلم (عصابات نيويورك) الذي ترشح هو الاخر لعشرة من هذه الجائزة، فإن كريستوفر نولان فعل الشي نفسه مع "كيليان مورفي" حيث عمل معه بفيلمين من ثلاثية فارس الظلام وفيلم استهلال ومسلسل بيكي بلايندرز وأخيرا فيلم أوبنهايمر.
واذا كان فيلم "أشياء صغيرة كهذه" لم يتم أختاره في قائمة الترشيحات لجائزة الأوسكار هذا العام، على الرغم من نيله حفاوة كبيرة في مهرجان برلين السينمائي العام الماضي، فنظرة بسيطة للقائمة بترشيحات أفضل ممثل تشير الى أن الجائزة أخطأت بشكل كبير هذا الممثل رغم حصوله عليها كما اسلفت في أوبنهايمر، فالرجل كان يستحق هذا الترشيح أكثر من هيو غرانت في فيلم HERETIC او الزنديق، ودانيل كريغ عن فيلم QUEER أو مثلي.
وإذا كان دانيل دي لويس قد أعلن أعتزاله وهو في أوج عطائه، فان المسرح الايرلندي قدم مورفي كموهبة ايرلندية أخرى بدأت مسيرتها الفنية ابتداء من منتصف التسعينيات.