TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

نشر في: 6 مارس, 2025: 12:11 ص

 علي حسين

ينظر المواطن المسكين مثل جنابي الى بلده العراق ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب سياسييه، إلى الوراء، إلى مجرد احزاب سياسية تضحك على المواطنين بوعود أطلقتها منذ 2003 وحتى لحظة كتابة هذه السطور التي ربما يعتبرها البعض متشائمة ، لكنها الحقيقة ياسادة فنحن ما نزال نعيش في وهم المشاريع الكبرى في الإسكان والتنمية والصحة والتعليم.
في كل حديث عن تطور البلدان ، أذهب باتجاه رفوف مكتبتي لأبحث عن مذكرات باني سنغافورة الحديثة "لي كوان" والكتاب بعنوان "من العالم الثالث إلى العالم الأول".. يعرف جميع القراء الأعزاء أن سنغافورة لا تزال على قائمة الدول الأكثر تطوراً ونهضة اقتصادياً، وكانت هذه الجزيرة الصغيرة قبل ما يقارب الستين عاماً مجرد مستنقع للبعوض، في ذلك الوقت وقف "لي كوان" وسط قبّة البرلمان السنغافوري ليعلن أنهم لا يستطيعون تسديد الرواتب لموظفي الدولة، ثم يُخرج ملفًّاً يضمّ تصوره لبناء دولة قوية شعارها "بناء مجتمع عادل وليس مجتمع رعاية اجتماعية" .
سيقول البعض؛ يارجل مالك تقلّب بصفحات الكتب ولا تريد أن تلاحق المثير وتلقي الضوء على الحاضر في دولة مؤمنة مثل العراق توقف الحال فيها عند عبقرية النائب مثنى السامرائي الذي تحول من متهم إلى رئيس كتلة يناقش مستقبل العراق بكل أريحية؟. ياسادة، الحاضر في العراق يخبرنا أصحابه أنْ لا مكان لبناء مدن حديثة، وإنما التشجيع على الاستيلاء على الأراضي الزراعية، والتصفيق للمتجاوزين، وبدلاً من أن نبني مدناً عصرية تليق بالمواطن العراقي، أخبرناه أن عليه أن يعيش سعيداً في العشوائيات.
في مذكراته يكتب لي كوان: "كان هاجسي الشخصي يتركز بالدرجة الأولى على إعطاء كل مواطن حصة في الوطن ومستقبله.أردت مجتمعاً يملك كل فرد فيه مسكنه". ويمضي ليروي لنا حكايته مع السكن لكل مواطن فيقول إنه بعد تسلمه للسلطة، عام 1965م، قرر أن يبني بيوتاً ينتقل إليها ذوو الدخل المحدود، لكن هؤلاء رفضوا التخلي عن نهج حياتهم وعيشهم في بيوت بنوها على أرض لا يملكونها، وعندما قررت الدولة نقلهم إلى شقق حديثة تغير نمط حياتهم "إن الغريزة البشرية تدفع الإنسان إلى حب التملك. وبعدما أصبح للناس بيوتاً حديثة صاروا يحرصون عليها وينظمون حياتهم بدقة".
أما عن الفساد فيخبرنا أن الحكومة كان قرارها الأول التركيز على الحيتان الضخمة واللصوص الكبار ويشير إلى أن أهم تغيير فاعل أجراه عند تسلمه السلطة هو التأكيد على مبدأ "من أين لك هذا؟" ولهذا قرر السماح للمحاكم بأن تتعامل بشدة مع البيانات التي تثبت أن المسؤول يعيش حياة تتجاوز حدود إمكانياته المادية، أو أنه يملك عقاراً لا يسمح دخله بشرائه، كدليل دامغ على أنه تقاضى رشوة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Rashid Kittani

    منذ 9 شهور

    في الخمسينيات , ايام الملكية , ارسل الامن رسالة الى احدى دوائر الدولة تقول ( يرجى التحقيق مع الموظف الفلاني لانه لوحظ بانه يدخن سكاير نوع روثمان وكذلك يزور الملهى وذلك لا يتناسب مع راتبه ! )

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram