بغداد/ تبارك عبد المجيد
رغم خطورة الحرائق المتكررة في المستشفيات العراقية، لا تزال إجراءات السلامة تعاني من الإهمال وسوء التنظيم، إذ تساهم عوامل مثل غياب أنظمة الإطفاء، التخزين العشوائي، وتقادم الأجهزة الطبية في تفاقم المخاطر، وسط ضعف الرقابة والتدريب.
ويرى مختصون أن استمرار هذا الواقع ينذر بكوارث أكبر، داعين إلى تبني خطط شاملة لتحسين معايير السلامة، وتأهيل الكوادر لضمان حماية الأرواح وخلق بيئة علاجية آمنة.
ويواصل المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية في وزارة العمل جهوده لحماية العاملين في القطاع الخاص، ولا سيما في المستشفيات الأهلية، من المخاطر التي تهدد سلامتهم. وأكد مشرق عبد الخالق، المدير العام للمركز، أن المركز اتخذ إجراءات مهمة لتعزيز معايير الصحة والسلامة المهنية في هذه المؤسسات. وأشار عبد الخالق في حديث لـ(المدى)، إلى أن حملة تفتيشية نفذها المركز العام الماضي شملت زيارة عدد من المستشفيات الأهلية، حيث تم خلالها رصد مخالفات عدة تتعلق بعدم الالتزام بمعايير السلامة. ومن أبرز تلك المخالفات عدم توفر خدمات الطوارئ، وغياب معدات إطفاء الحرائق، فضلاً عن عدم الالتزام بالاشتراطات الخاصة بالسلامة الكهربائية، مثل سوء توزيع الأسلاك الكهربائية أو استخدام تجهيزات غير مطابقة للمواصفات.
وأوضح عبد الخالق، أنه "تم إعداد تقارير مفصلة حول تلك المخالفات، وتم توجيهها إلى إدارات المستشفيات المعنية مع التشديد على ضرورة الالتزام بمعايير الصحة والسلامة المهنية، لضمان بيئة عمل آمنة للعاملين وحماية حياة المرضى".
وتأتي هذه الإجراءات في ظل تصاعد الحوادث المرتبطة بحرائق المستشفيات خلال السنوات الأخيرة، والتي أودت بحياة العشرات. وكشفت وثيقة صادرة عن وزارة الصحة والبيئة في عام 2021 عن توجيه رسمي يقضي بعدم استخدام المستشفيات الكرفانية التي أُنشئت لمواجهة جائحة كورونا، نظراً لافتقارها لشروط السلامة المهنية ومستلزمات الدفاع المدني. وجاء صدور الوثيقة بعد فاجعة مستشفى ابن الخطيب في بغداد، التي وقعت في نيسان العام نفسه، وأسفرت عن استشهاد 82 شخصاً وإصابة أكثر من مئة آخرين، إثر اندلاع حريق داخل مركز الشفاء المخصص لمرضى كورونا. ولم تكن هذه الكارثة الوحيدة، إذ شهد مستشفى الحسين التعليمي في محافظة ذي قار حادثة مماثلة، راح ضحيتها أكثر من 90 شخصاً نتيجة اندلاع حريق في كرفانات مخصصة لعلاج المصابين بكورونا.
ورغم التوجيهات الصادرة والتدابير المتخذة، إلا أن حرائق المستشفيات لم تتوقف. وكان آخرها الحريق الذي اندلع مؤخراً في الطابق الأول بمستشفى الكفيل التابع للعتبة العباسية في محافظة كربلاء، ما يثير تساؤلات حول التزام المؤسسات الصحية بمعايير السلامة المهنية، ويؤكد الحاجة الملحة إلى تشديد الرقابة وتفعيل الإجراءات الوقائية بشكل صارم لحماية الأرواح وضمان بيئة علاجية آمنة.
وتُعد مشكلة الحرائق في المستشفيات من القضايا البالغة الخطورة التي تهدد بشكل مباشر صحة وسلامة المرضى والكوادر الطبية على حد سواء.
وتشير الطبيبة الاختصاص، حنين رضا، إلى أن "نقص التدريب المتخصص لجميع العاملين في المستشفيات، سواء الأطباء، الممرضين أو العاملين في الأقسام الإدارية والخدمية، يعد من الأسباب الرئيسية لوقوع حوادث الحروق".
وتوضح رضا في حديثها لـ(المدى)، أن "الكثير من العاملين لا يتلقون تدريبات كافية على كيفية التعامل الآمن مع الأجهزة الطبية التي تعتمد على الحرارة، مثل أجهزة التعقيم والأجهزة الجراحية، أو حتى المواد الكيميائية المستخدمة في بعض العلاجات"، مؤكدة أن "التعامل الخاطئ مع هذه الأدوات قد يزيد من احتمالات وقوع الحوادث".
ورغم أهمية تجهيز المستشفيات بأنظمة سلامة فعّالة، إلا أن "العديد من المؤسسات الصحية تفتقر إلى الحد الأدنى من وسائل الحماية".
وتضيف أن "عدم توفر أنظمة إطفاء الحريق الحديثة، وقلة أدوات الوقاية الشخصية، مثل القفازات الواقية، يُعرض الكوادر الطبية للخطر أثناء التعامل مع الأدوات الساخنة أو المواد الكيميائية".
وتعزو رضا تكرار الحوادث في بعض المستشفيات إلى "غياب الرقابة المستمرة، وتأخر الصيانة الدورية للأجهزة الطبية، مما يسمح باستمرار استخدام الأجهزة القديمة التي قد تعاني من أعطال فنية غير مكتشفة". أما فيما يتعلق بجاهزية الكوادر الطبية للتعامل مع الحوادث الطارئة، فتوضح رضا أن "قلة التدريب المستمر على كيفية التصرف في حال نشوب الحرائق أو أي طارئ آخر، يعد من أبرز المشكلات"، مشددة على ضرورة تجهيز جميع العاملين بمهارات الوقاية والسلامة، من خلال خطط تدريبية دورية تضمن التصرف السريع عند حدوث الحوادث.
وتدعو رضا إلى وضع خطة شاملة لإدارة المخاطر في المستشفيات، تشمل تحديث البنى التحتية، وتوفير أنظمة إطفاء حرائق حديثة، إلى جانب إجراء تدريبات مستمرة تضمن تأهيل الكوادر الطبية بشكل متواصل لمواجهة الطوارئ، حرصًا على سلامة الجميع
من جانبه، يحذر حيدر النوري، مدرب الإسعافات الأولية في جمعية الهلال الأحمر وعضو قسم الصحة في الصليب الأحمر، من المخاطر الصحية في المستشفيات نتيجة الإهمال وسوء التنظيم.
ويشير النوري في حديث لـ(المدى)، إلى أن "المشاكل في المؤسسات الصحية تتنوع بين سوء التخزين والتخلص غير السليم من النفايات الطبية، وصولًا إلى ظواهر خطيرة مثل التدخين داخل المستشفيات، رغم خطورة هذه العادات في بيئة يفترض أن تكون آمنة".
ويؤكد النوري أن "التخزين العشوائي للمستلزمات الطبية واحدة من أبرز المشاكل، حيث يتم تكديس المواد في أماكن غير ملائمة، مما يؤدي إلى تراكم المواد التالفة التي لا يتم التخلص منها وفق الإجراءات الصحية السليمة".
ويضيف أن "استمرار استخدام الكرفانات والأبنية المؤقتة المصنوعة من مواد قابلة للاشتعال مثل ألواح الساندويتش، يزيد بشكل كبير من احتمالية اندلاع الحرائق، لاسيما في المستشفيات التي تعاني من ضعف البنية التحتية.
ورغم التحذيرات المتكررة بضرورة التخلص الآمن من النفايات الطبية، إلا أن النوري يوضح أن "هذه التوصيات غالبًا ما تبقى حبراً على ورق"، مستشهدًا بحادثة حديثة لحريق اندلع في أحد المستشفيات خلال فصل الشتاء، وهو ما يعكس حجم الإهمال في تطبيق إجراءات السلامة. ومن الظواهر التي عادت إلى الانتشار في المستشفيات العراقية، يشير النوري إلى أن "التدخين داخل المستشفيات أصبح مشهدًا مألوفًا بعد تراجع الالتزام بالقيود السابقة"، مما يزيد من احتمالية اندلاع الحرائق، خاصة مع إلقاء أعقاب السجائر في أماكن قد تحتوي على مواد قابلة للاشتعال. ويشدد النوري على ضرورة تفعيل دور الدفاع المدني في المستشفيات، من خلال لجان رقابية مختصة تتابع عمليات التخزين والبناء والتخلص من النفايات، وفقًا للمعايير القياسية.
كما يدعو إلى إنشاء قسم متخصص بالدفاع المدني داخل وزارة الصحة يتولى عمليات التفتيش والمتابعة بشكل دوري، مشيرًا إلى أن غياب الرقابة الجدية قد يؤدي إلى كوارث أكبر في المستقبل، ما لم يتم التعامل مع هذه القضايا بحزم. مؤكداً أن "ضمان سلامة المستشفيات يتطلب مسؤولية جماعية تشمل جميع الأطراف، سواء الجهات الحكومية أو إدارات المستشفيات والشركات الموردة للمعدات الطبية أو العاملين أنفسهم، من أجل خلق بيئة آمنة تضمن حماية حياة المرضى والعاملين في القطاع الصحي.