بغداد/ حيدر هشام
في قلب نينوى، حيث تتشابك جذور التاريخ مع أغصان الطبيعة، تشتعل اليوم معركة من نوع آخر. ليست بالرصاص، بل بقرارات ومخططات تهدد بتحويل رئة المدينة الخضراء إلى كتل إسمنتية. غابات الموصل، تلك الواحة التي صمدت في وجه الزمن، تواجه اليوم خطر الاستثمار، خطرًا يراه البعض فرصة لحل أزمة السكن، ويراه آخرون جريمة بحق الطبيعة والإنسان. فهل تتحول غابات الموصل إلى مجمعات سكنية، أم تبقى رمزًا للصمود والجمال؟
وتناقلت مواقع إخبارية محلية، ومنصات التواصل الاجتماعي، بوجود نيّة لإحالة غابات الموصل الشهيرة إلى مجمع سكني استثماري، الأمر الذي ولّد موجة غضب واسعة في العراق، استدعت إلى تدخل رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الذي رفض المساس بما وصفه "الرئة البيئية الوحيدة" في المدينة التي بالكاد بدأت تنهض من جديد، عقب سنوات من الدمار والإهمال.
وتفيد الأنباء المتداولة، بمنح هيئة الاستثمار العراقية 240 دونماً (الدونم يعادل 2.500 متر) لإنشاء وحدات سكنية ومحال تجارية من منطقة غابات الموصل، بناءً على كتاب منسوب لوزارة التربية، تحدث عن إحالة قطعة من غابات الموصل إلى الاستثمار بهدف "إنشاء مجمع سكني".
على أثر ذلك، عد عضو مجلس النواب عن محافظة نينوى، محما خليل، ملف استثمار غابات الموصل بهذا التوقيت تحديدا "دعاية انتخابية مبكرة، عازما على محاسبة وزير التربية.
وخلال حديثه لـ(المدى)، أعرب خليل عن "دعمه لمدير بلدية نينوى في جهوده لحماية الغابات، محذرًا من استخدامها في "دعاية انتخابية مبكرة" لمشاريع استثمارية، وأشار إلى وجود أراضٍ واسعة أخرى في المحافظة يمكن استغلالها لهذه المشاريع.
كما انتقد خليل قرار وزير التربية بالسماح بمثل هذه المشاريع في الغابات، معتبرًا ذلك "تجاوزًا" على حقوق أهالي نينوى. وأعلن عن عزمه محاسبة الوزير والتحقيق مع المسؤولين عن منح هذه الصلاحية، خاصة في الوقت الحالي.
ودعا خليل نواب نينوى إلى "العمل كرجل واحد" لمنع أي تجاوز على حقوق المحافظة، مؤكدًا أن غابات نينوى تمثل "محطة مهمة من تاريخها".
في الأثناء، كشفت وثيقة رسمية موجهة من محافظ نينوى عبد القادر أحمد الدخيل، إلى وزير التربية، تتضمن توجيهاً لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني بمنع إقامة أي فعاليات سكنية على أرض غابات الموصل.
وجاء في نص الوثيقة، المتداولة، أن "رئيس الوزراء وجه من خلال الاتصال الهاتفي بمنع إقامة أي فعاليات سكنية داخل منطقة غابات الموصل، حيث تعتبر الرئة البيئية الوحيدة للمدينة ولها دور أساسي في الحفاظ على الهواء النقي وتقليل التلوث وتحسين المناخ المحلي".
على إثرها، نفت وزارة التربية، الأنباء عن إحالة غابات الموصل إلى الاستثمار.
وذكرت في بيان صحافي، إنه وبعد تداول خبر إحالة غابات الموصل الى الجرف والاستثمار من قبل وزارة التربية، نود الإيضاح بأن هذه الأخبار عارية عن الصحة، ولا يمكن للوزارة المساس بالمساحات الخضراء والإرث الموصلي العريق، لذا أرسلت وزارة التربية رسائل اطمئنان إلى أهالي نينوى الحبيبة مؤكدة انها تعمل ومنذ أسابيع طوال على تخصيص أرض تصلح لبناء مجمعات سكنية تليق بالتربويين نظير جهودهم المقدمة في خدمة العملية التعليمية في عموم محافظات العراق.
الى ذلك، أكد عضو لجنة الحفاظ على عقارات الدولة النيابية، أمير المعموري، رفض اللجنة القاطع لاستثمار غابات نينوى وتحويلها إلى قطع سكنييو.
وتساءل المعموري: "هل الأراضي انتهت لنذهب إلى الغابات؟"، مؤكدًا أن طبيعة الموصل الخضراء وجمالها يكمن في غاباتها. وأضاف أن أهالي المحافظة ونوابها يرفضون بالإجماع هذا التوجه.
وأوضح المعموري خلال حديثه لـ(المدى)، أن لجنة الحفاظ على أملاك الدولة النيابية قد خاطبت رئاسة الوزراء والجهات المعنية الأخرى لضرورة عدم استثمار هذه الغابات.
وكشف عن وجود تلاعب في ملف الغابات، حيث تتعرض بعضها للإزالة المتعمدة تحت مسمى "الفحامة" بهدف تحويلها إلى أراضٍ بيضاء يتم الاستيلاء عليها وتغيير جنسها.
وأشار إلى أن العراق يملك 11 غابة استراتيجية كبيرة، تدار أغلبها من قبل وزارة الزراعة، بينما نُقلت صلاحيات البعض الآخر إلى المحافظات، مما أدى إلى تسجيل تلاعب في هذا الملف.
وحذر المعموري من توجه الحكومة نحو استثمار الغابات، مؤكدًا أن اللجنة النيابية تتابع هذا الملف عن كثب، وأن عملية الاستثمار هذه "لا يمكن أن تتم بأي شكل من الأشكال".
وحاولت الحكومة الحالية منح الكثير من الاراضي لاستغلالها بإنشاء مجمعات سكنية قادرة على حل مشكلة السكن لاسيما في العاصمة بغداد، لكنها بدأت تواجه مشكلتين بدل الواحدة.
وبهذا الشأن، رأى الخبير بالشأن الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، ان المجمعات السكنية لم تحل مشكلة السكن، بل فاقمتها، كما ظهر في الإحصاء الأخير الذي أشار إلى حاجة العراق إلى 3.5 مليون وحدة سكنية.
وذكر المشهداني أن الاستثمار في نينوى، وخاصة في أراضي الدولة مثل غابات الموصل، لا يختلف عن الاستثمار في بغداد، حيث يتم الاستئثار بهذه الأراضي من قبل أصحاب النفوذ والقوى السياسية، مما يخلق أزمات بدلاً من حل مشكلة السكن.
وقال المشهداني لـ(المدى) أن هذه الأراضي مخصصة لأغراض غير سكنية، مثل غابات الموصل ومطار المثنى والزوراء ومعسكر الرشيد. وأشار إلى أن بناء المجمعات السكنية في هذه المناطق يخلق العديد من المشاكل، مثل الازدحام المروري والضغط على البنية التحتية المتهالكة أصلاً.
وأعطى مثالاً على ذلك المجمعات السكنية في بغداد، التي تركزت في منطقة محددة بجانب الكرخ، مما أدى إلى سوء توزيع السكان وزيادة الضغط على الخدمات. وأشار إلى تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حول استهلاك المجمع الواحد لطاقة كهربائية تعادل نصف المدينة.
وأكد المشهداني أن هذه المجمعات لم تحل مشكلة السكن، بل فاقمتها، كما ظهر في الإحصاء الأخير الذي أشار إلى حاجة العراق إلى 3.5 مليون وحدة سكنية.
يذكر أن العراق يعاني من أزمة سكن خانقة نظراً لتزايد عدد سكانه قياساً بعدد المجمعات السكنية، علاوة على عجز المواطن ذي الدخل المحدود عن بناء وحدة سكنية خاصة به بسبب غلاء الأراضي والمواد الإنشائية.
صراع البقاء في نينوى.. غابات الموصل بمرمى الاستثمار وبغداد تتدخل

نشر في: 6 مارس, 2025: 12:41 ص