TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وحشية الذكور

وحشية الذكور

نشر في: 10 ديسمبر, 2012: 08:00 م

لدي في كل اسبوع جولة من النقاشات الجميلة مع اصدقاء أبي، يحدث ذلك كلما صادف ذهابي لزيارته بنفس وقت اجتماعهم حوله. هؤلاء الأصدقاء عبارة عن مجموعة من الشَيَبَة المترعين بالحكمة وخفة الظل. ولأنني احرص على إثارة مكامن الحكمة فيهم بمشاكساتي، فغالباً ما يكون صيدي وفيراً من حكمهم وحكاياتهم وأمثالهم الشعبية. لكن كان لقائي الأخير معهم من نمط مختلف.. نمط حزين ومشبع بالآلام، فقد حدث وأن كنت مشغولاً بلقاء تلفزيوني عن العنف ضد النساء وسألتهم عن مدى صدق الأخبار التي تتحدث عن انخفاض نسبي بعدد جرائم الشرف في المناطق الاكثر شعبية، فاندهشوا لرأيي هذا، وسارعوا للتأكيد على أن جرائم الشرف لم تنخفض معدلاتها في تلك المناطق، بل احزنني احدهم بسرد هذه الحكاية:

قال: قبل اسابيع سمعت جاري يتحدث عن شابة متهمة بجريمة شرف، وأنها محتجزة في أحد غرف بيت اهلها، بانتظار ان يتم قتلها "غسلاً للعار". فطلبت من جاري أن يأخذني إلى بيت أهل الفتاة فوراً، لأحاول انقاذها من مصير القتل، لكن جاري تردد، لعلمه بصعوبة التأثير على الناس في مثل هذه المواقف، فأخبرته بنيتي الاستعانة ببعض وجهاء المنطقة المؤثرين، فإن لم يستطيعوا فعل شيء فسأطلب يد الفتاة للزواج. وعندما سمع الرجل برايي هذا فرح كثيراً ووافق ان نذهب على الفور. وفعلاً ذهبنا، لكن حظنا كان سيئاً فقد وصلنا بعد أن تم قتل المسكينة.

قصة هذه المغدورة، أعادت إلى ذهني مجموعة كبيرة من الأسئلة طرحتها على نفسي يوم وقفت على أول جثة بشرية هامدة، اشاهدها في حياتي، وكانت جثة فتاة مقتولة لنفس السبب، كنت يافعاً يومها، ولأن المشهد أرعبني فقد هربت إلى مدرستي، ومنها إلى أمي التي لم تستطع ان تجيب على سيل أسئلتي إلا بمجموعة من المفردات التي لم أفهم منها أي شيء. حدثتني عن أهمية الشرف ومعنى العار وقسوة الرجولة. لكن تبريراتها تلك لم تنقذني من ضجيج مجموعة الأسئلة التي بقيت تزدحم بذهني: ما معنى؛ الغيرة والشرف والعار؟ لماذا تكون المرأة شرفاً للرجل ولا يكون الرجل شرفاً للمرأة؟ لماذا نتعامل مع "زنى" المرأة باعتباره طعناً لشرف زوجها أو أبوها أو أخوها، ولا نتعامل مع "زنى" الرجل باعتباره طعناً لشرف أمه أو زوجته أو أخته؟ لماذا لا تُسجن المرأة بدل قتلها، خاصة وأنها لن تعيش حياة سهلة في مجتمع لن يتعامل معها باعتبارها كائناً طبيعياً؟ لماذا يعيش بيننا الخونة مترفون وسعداء بل وحتى أسياداً ولا نحتقر ونواجه إلا ما يتعلق بالجنس مما نعتبره "خيانة" ومن قبل المرأة فقط؟

عندما كبرت، فهمت كيف أن القوانين والتقاليد والشرائع عبارة عن نظم جائرة وليست عادلة ولا بريئة، لأنها موضوعة من قبل الذكور، ولذلك هي تكيل بمكيالين لصالحهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

 علي حسين منذ سنوات وأنا أقرأ كلّ ما يقع بين يدي من كتب عن البلاد العجيبة اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا مروراً بكنزابورو أوي وميشيما، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي . شعب يكتب بحروف...
علي حسين

قناديل: مائدة طعامك التي تقرأ مستقبل العالم

 لطفية الدليمي علّمتْنا تجاربُ كثيرة في الحياة أنّ الأمثلة الشاخصة أكثر تأثيراً في مفاعيلها من المقولات المجرّدة. كلّما نظرتُ في مصدر الطعام الموضوع على مائدتي غمرَني إحساسٌ بأنّ هذا الطعام يمكنُ أن يكون...
لطفية الدليمي

قناطر: هل الثقافة مكملات غذائية ؟

طالب عبد العزيز في العودة الى قضية الجوائز الأدبية بالعراق والوطن العربي نجد أنّها لم تتبلور في قيمتها على المستوى الشعبي، فلا يُشار لأصحابها بالأهمية، ولا نجد لها دوراً في صنع الثقافة، على خلاف...
طالب عبد العزيز

العدالة الدولية تحت المطرقة

حسن الجنابي (الجزء- 3) كان الأمريكان والدول الغربية في غاية الرضا عن الدور الذي كانت تؤديه محكمة الجنايات الدولية (ICC). فقد نشطت المحكمة في ملاحقة بعض الجرائم الدولية، ومنها جرائم بعض القادة الصرب في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram