د. فالح الحمــراني
على خلفية تعميق موسكو علاقاتها متعددة الأوجه مع طهران، يرى مراقبون دوليون أن جهود ترامب لحل النزاع في أوكرانيا قد تعيد روسيا إلى تصورها التاريخي لعلاقتها مع طهران باعتبارها في المقام الأول علاقة مرحلة وليس استراتيجية. وإن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لإيران الأسبوع الماضي لم تفلح في إقناع القادة الإيرانيين بأن موسكو ستساعد إيران على مقاومة الضغوط المتزايدة من إدارة ترامب. ويرى أولئك المراقبون بأنه إذا استمرت العلاقات الأميركية مع روسيا في التحسن، فإن مسؤولي ترامب قد يتجهون إلى نظرائهم الروس طلبا للمساعدة في استعادة فرض القيود الصارمة على البرنامج النووي الإيراني. وإن القلق يساور القادة الإيرانيين من أن التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا قد يؤدي إلى إبطاء، إن لم يكن إيقاف، استعداد موسكو لتزويد إيران بالأسلحة التقليدية المتقدمة. وينبغي الإشارة بهذا الصدد الى أن موسكو تضع علاقات الشراكة/ الاستراتيجية مع ايران في اطار نظريتها للسياسة الخارجية الجديدة التي تشير الى استدارة موسكو ظهرها للغرب وتوجهها نحو الجنوب العالمي الذي تعد طهران جزء منه.
وعلى العكس من ذلك رجح خبراء أمنيون أميركيون، كما افأد معهد الشرق الأوسط، إن الديناميكيات الإيجابية الأخيرة على المسار الروسي الأميركي ستجبر موسكو على العودة إلى موقفها التاريخي تجاه إيران باعتبارها شريك مرحلة أو رفيق طريق، وليس حليفاً استراتيجياً، في إطار سعي موسكو إلى تقويض الهيمنة العالمية للولايات المتحدة. وفي شباط، وبعد شهر من تولي دونالد ترامب منصبه رئيسا للولايات المتحدة لفترة ولاية ثانية، التقى مسؤولين كبار من روسيا والولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية في أول اجتماع من نوعه منذ غزو روسيا لأوكرانيا. وأسفر الاجتماع عن الاتفاق على إيجاد سبل لحل الصراع في أوكرانيا، فضلاً عن استعادة العلاقات الدبلوماسية، وربما الاقتصادية، بين الولايات المتحدة وروسيا.
وعلى وفق راي المراقبين فقد فاجأت التغيرات الجيوسياسية المفاجئة طهران، وسط مخاوفها من عودة ترامب إلى سياسة "الضغط الأقصى" تجاه طهران والتي تعتمد على العقوبات الاقتصادية. وأشاروا أيضا الى أن القادة الإيرانيين راهنوا على التحالف مع روسيا، الذي تم إضفاء الطابع الرسمي عليه بمثابة "شراكة استراتيجية شاملة" مدتها 20 عامًا في اتفاقية أبرمت قبل ثلاثة أيام من تنصيب ترامب للمرة الثانية، لمواجهة الضغوط الاقتصادية الغربية ومنع الولايات المتحدة وإسرائيل من القيام بعمل عسكري ضد البنية التحتية النووية الإيرانية. وثمة معلومات صحفية تشير الى أن طهران طلبت من روسيا أيضًا المساعدة في سد حاجتها الكبيرة للأسلحة التقليدية الحديثة، بما في ذلك من خلال توريد طائرات مقاتلة من طراز سو-35 من الجيل الخامس. وبرأيهم تعتمد قدرة إيران على ردع إسرائيل أو الولايات المتحدة أيضاً على ما إذا كانت روسيا قادرة على استبدال أو إصلاح أنظمة الدفاع الجوي من طراز إس-300 التي قدمتها موسكو في عام 2016 والتي تعطلت بسبب الضربة الانتقامية الإسرائيلية في تشرين الأول.
وتخلص تلك التقارير الى أن سياسة ترامب تجاه أوكرانيا المتمثلة في إعادة التواصل مع موسكو، ألقت بظلال من الشك على الضمانات التي راهنت عليها إيران في السنوات الأخيرة! وإن الاستراتيجيين الإيرانيين يخشون من أن تؤدي محاولة موسكو رفع العقوبات واستئناف المشاريع الاقتصادية المشتركة مع الولايات المتحدة في أفضل الأحوال إلى خفض علاقاتها مع إيران، وفي أسوأ الأحوال التخلي عن إيران بالكامل. إن استعادة ترامب للعلاقات الواسعة مع روسيا، إذا تحققت بالكامل، من شأنها أن تقوض نفوذ طهران على شركائها الروس، مما يؤدي إلى تحويل هيكل الحوافز في موسكو بعيداً عن إيران، وهي لاعب عالمي صغير نسبيا. ونُقل عن خبراء اقتصاد في الكرملين لم تذكر أسماؤهم أن استعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، أمر بالغ الأهمية لإعادة بناء الاقتصاد الروسي الذي مزقته الحرب. بيد أن تلك التقارير تتجاهل الأهمية الجيوسياسية الإيرانية بالنسبة لروسيا، واستراتيجياتها الجديدة، وكون أن إيران انضمت الى التحالفات الإقليمية بدعم من موسكو.
تلك التقارير تشير الى أن الاقتصاد الإيراني لا يزيد عن 2% من حجم الاقتصاد الأميركي وليس لديه ما يقدمه للاقتصاد الروسي. وتنسب لبعض الاستراتيجيين الروس دون ذكر أسمائهم، رأيهم أن إبعاد روسيا عن إيران من شأنه أن يحقق فوائد كبيرة لقطاع الطاقة الرئيسي في روسيا! وقد أدت علاقات روسيا مع إيران بالفعل إلى توتر علاقاتها مع شركائها الرئيسيين في إنتاج النفط العالمي، في إشارة الى دول الخليج العربية. ولكن ليس ثمة دلائل ملموسة على ذلك. وتزعم أيضا أن موسكو تعمل على تقليص اعتمادها على الطائرات المسلحة بدون طيار المتطورة التي توردها إليها إيران، وذلك من خلال إنشاء إنتاجها في روسيا نفسها، وكانت موسكو قد نفت توريدها تلك الطائرات أو تمت بصورة محدودة.
وتوجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعد أسبوع من اللقاء الأميركي الروسي في السعودية في 18 فبراير في زيارة استغرقت يوما واحدا إلى طهران، لإظهار أن موسكو لا تزال تقدر علاقاتها مع إيران. بيد أن التقارير الصحفية العديدة حول زيارة لافروف، لم توضح فيما إذا كان القادة الإيرانيون قد تلقوا التطمينات التي كانوا بحاجة إليها.
وجاء في البيان: "خلال [اجتماعات لافروف في إيران]، تم النظر في مجموعة واسعة من العلاقات الروسية الإيرانية المتعددة الأوجه بعناية، وتم رفعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بعد توقيع اتفاقية إطارية جديدة بين الدولتين في موسكو في 17 كانون الثاني". وكان جوهر التعليقات في وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، استناداً إلى آراء القيادة الإيرانية، هو أن لافروف نقل رسالة مهمة إلى طهران، تطلب عدم تغيير العقيدة النووية الإيرانية (بهدف خلق أسلحة نووية حقيقية) أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وعكس لافروف وجهة النظر الروسية القائلة بأن أي هجوم أميركي أو إسرائيلي على إيران سيكون مزعزعا للاستقرار ويجب تجنبه، ودعا القادة الإيرانيين إلى الدخول في محادثات مع إدارة ترامب لإحياء الاتفاق النووي المتعدد الأطراف مع إيران لعام 2015. وترمي واشنطن الى أن يتضمن تجديد الاتفاق فرض قيودا صارمة على إنتاج إيران وتخزين اليورانيوم المخصب، وقيودا جديدة على القوات الصاروخية الإيرانية ودعمها للجماعات المسلحة الإقليمية، وهو ما ترفضه طهران. ويفسر مراقبون رسائل لافروف إلى نظرائه الإيرانيين بانها تأتي ضمن المساعي الرامية لتفويت إيران الفرصة على الغرب بإيجاد الذرائع لتشديد الضغط عليها. وأشار نظيره الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي إلى أن طهران تتوقع من روسيا أن تستمر في مساعدتها على حماية إيران من الضغوط الغربية بشأن القضية النووية، وقال في ختام زيارة لافروف: "فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية فإننا سوف نتحرك إلى الأمام وننسق مواقفنا بالتعاون مع أصدقائنا في روسيا والصين".