نجاح الجبيلي
تعد جائزة بريتسكر للهندسة المعمارية إحدى أرقى الجوائز العالمية وبمثابة نوبل للعمارة. وهي جائزة عالمية تمنح سنوياً تقديراً "لمعماري أو مجموعة من المعماريين الأحياء الذين تُظهر أعمالهم المُنجزة مزيجاً من الموهبة والرؤية والالتزام، مما يؤدي إلى تقديم مساهمات ثابتة وهامة للإنسانية والبيئة من خلال فن العمارة." تأسست الجائزة عام 1979 على يد جاي أ. بريتسكر وزوجته سيندي، وهي ممولة من عائلة بريتسكر وبرعاية مؤسسة "حياة". وسبق أن فاز بها معماريون معروفون مثل البريطاني نورمان فوستر 1999 والعراقية زها حديد 2004 والأميركي روبرت فنتوري 1991 والياباني كينزو تانغه 1987 والبرازيلي أوسكار نيماير 1988 وغيرهم.
في هذه السنة 2025 كانت الجائزة من نصيب المهندس المعماري الصيني جياكونجياكون البالغ من العمر 69 عاماً، إذ تتميز تصاميمه بالتفكير العميق والتأمل، كما أن طريقته في استخدام المواد المعاد تدويرها والتعاون مع البنّائين والحرفيين جعلته يتميز عن أقرانه في مشهد البناء التجاري الواسع في الصين.
يُعد مشروعه الأشهر هو "القرية الغربية"- 2015 في مسقط رأسه، تشنغدو. وهو مجمع سكني ضخم يشبه إلى حد كبير ملعباً حضرياً أكثر من كونه سكناً تقليدياً مطوّراً. يهدف تصميمه إلى خلق بيئة داخلية شبه خيالية، إذ تحيط به شرفات عميقة حول فناء مزروع بالأشجار والمناظر الطبيعية، يضم ملاعب رياضية وحدائق. كما تسمح منحدرات متدرجة للسكان والزوار بالصعود ببطء إلى أعلى المبنى، حيث يمكنهم استخدام السطح العلوي كمساحة عامة تطل على المدينة. وقد أصبح المشروع ناجحاً كمزار يجذب الناس، إلى الحد الذي دفع السلطات (التي تتوجس من التجمعات الكبيرة) إلى إغلاق الوصول العام إليه.
يقول توم بريتسكر، رئيس مؤسسة "حياة" التي ترعى الجائزة المرموقة في مجال الهندسة المعمارية بقيمة 100,000 دولار: "هناك حكمة في تصاميمه المعمارية، حيث ينظر فلسفياً إلى ما وراء السطح ليكشف عن الترابط بين التاريخ والمواد والطبيعة".
و خلال زيارته لموقع زلزال سيتشوان عام 2008، التقى بأسرة فقدت ابنتها البالغة من العمر 15 عاماً وعرض عليهم بناء نصب تذكاري لها. كان المبنى البسيط ذو اللون الرمادي، ببابه المفتوح وداخله الوردي، عملاً شخصيًا وعاطفيًا بامتياز، لم يُخلّد فقط ذكرى تلك الفتاة، بل أيضاً جميع الضحايا الذين بلغ عددهم 90,000. ويتسم العمل بما يسميه "العادية"، وهو سمة مميزة لأسلوبه. فرغم ضخامة بعض مشاريعه، فإن أعمال جياكون تتلاعب بفكرة العادي وغير الكامل والمألوف. في أفضل حالاتها، حتى أكثر أعماله ضخامة تبدو متواضعة، ساعيةً لأن تكون جزءاً من الخلفية بدلاً من أن تكون نصباً تذكارياً.
لا يتبع جياكون نهجاً معمارياً واحداً. على سبيل المثال، يُعد متحف "لوييوان" لفن النحت الحجري (2002)، الذي يضم مجموعة من الآثار البوذية، تدخلًا أنيقاً في منطقة نائية، متأثراً بالأساليب الأوروبية. ويتم الدخول إليه عبر جسر فوق نهر، وهو عمل معماري متنوع التأثيرات، حيث تم تصميم محيطه بأسلوب الحدائق الصينية التقليدية التي تتميز بعناصر رمزية وأيقونية معقدة.
أما متحف سوتشو لطابوق أفران الإمبراطورية (2016)، فهو مبني في الغالب من المادة التي يحتفي بها، ويقع بين كونه معبداً ومستودعاً واسعاً، مع إعادة تفسير حديثة لحديقة صينية على أحد جوانبه، تتضمن بركاً مائية وجسراً مزخرفاً بغاية الدقة. في المقابل، فإن متحف الساعات لحقبة الثورة الثقافية (2007) هو عمل مفاهيمي غريب. فحتى مقارنة بمتحف الطوب، يتميز هذا المتحف بواجهته الطابوق المكثفة، حيث تُكوّن العديد من التجاويف فيه ما يشبه "مستودعًا" للساعات، وكأنها لحظة متجمدة في الزمن. أما مظهره الخارجي الضخم، فيبدو وكأنه يستحضر العمارة الواقعية الاشتراكية من حقبة ماو، مما يجعله مشروعاً شخصياً.
وُلد جياكون عام 1956 ونشأ وسط فوضى القفزة الكبرى للأمام والثورة الثقافية. نُفي إلى الريف ليعمل في الحقول لمدة ثلاث سنوات كجزء من برنامج "الشباب المتعلم"، ولم يبدأ دراسته إلا بعد إعادة فتح الجامعات في السبعينيات. يبدو أن إحساساً بعدم اليقين يتغلغل في أعماله، التي غالباً ما تُبنى باستخدام ما يسميه "طابوق الولادة الجديدة". هذا الطابوق ليس مجرد مواد معاد استخدامها، كما هو الحال في أعمال مواطنه وانغ شو، الفائز الآخر بجائزة بريتسكر، لكنه مادة مُعاد تصنيعها، حيث يُعاد تشكيل الأنقاض (سواء من الزلازل أو الهدم) مع إضافات رخيصة مثل سيقان القمح والإسمنت الخام. هذا الابتعاد عن كمال المنتجات الحديثة المصنعة يمنح مبانيه ملمساً وخامة تضفي عليها طابعاً خاصاً له علاقة بالماضي. كما أنه يشكل تبايناً واضحاً مع النزعة المستمرة للتجديد في المشهد الحضري الصيني المعاصر.
فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

نشر في: 10 مارس, 2025: 12:03 ص