TOP

جريدة المدى > سياسية > احتكار وفساد يلاحقان سوق الأدوية.. صحة العراقيين تتحول إلى تجارة رابحة دون رقابة رادعة!

احتكار وفساد يلاحقان سوق الأدوية.. صحة العراقيين تتحول إلى تجارة رابحة دون رقابة رادعة!

نشر في: 11 مارس, 2025: 12:16 ص

 بغداد/ تبارك عبد المجيد

يعاني القطاع الصحي في العراق من ضعف في البنية التحتية، ونقص بالأدوية والتجهيزات، وهجرة الكوادر، إلى جانب تفشي الفساد واحتكار سوق الأدوية، وهذه التحديات أدت إلى تراجع جودة الخدمات وتصنيف العراق عالميًا.
بالمقابل، كشف موقع "نومبيو" المتخصص بالإحصاءات العالمية المتعلقة بجودة الحياة ومستوى المعيشة، عن تذيل العاصمة العراقية بغداد قائمة مؤشر الرعاية الصحية لعام 2025، حيث جاءت في المرتبة الأخيرة (309) عالميًا.

ورغم وجود أكثر من ألف مستشفى حكومي وخاص موزعة في مختلف المحافظات العراقية، إلى جانب عدد كبير من مراكز الرعاية الصحية المنتشرة في المدن والأرياف، إلا أن هذا الانتشار الكمي لم ينعكس بشكل فعّال على جودة الخدمات المقدمة، ما يُفسّر الترتيب المتدني للعاصمة في المؤشرات العالمية للرعاية الصحية.
وتحدث الناشط في القطاع الصحي، زياد عبد الأمير عن الوضع الصحي في العراق، مؤكدًا أن القطاع الصحي يواجه تحديات كبيرة تؤثر بشكل مباشر على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين، هذه التحديات تساهم في تصنيف العراق بمستوى متدنٍ في التقييمات العالمية للرعاية الصحية مقارنةً بالدول الأخرى.
وأوضح عبد الأمير في حديث لـ(المدى)، أن هذه التحديات ليست جديدة، لكن تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في السنوات الأخيرة جعل من الصعب تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال.
وأكد أن "العراق يعاني من نقص حاد في البنية التحتية الصحية، حيث لا تتماشى معظم المستشفيات مع المعايير العالمية، وتفتقر إلى التجهيزات الطبية الحديثة. في العاصمة والمحافظات، تعاني العديد من المستشفيات من قدم المباني، بالإضافة إلى نقص الأجهزة الطبية الحيوية مثل أجهزة التنفس الاصطناعي وأجهزة غسيل الكلى، ما يشكل عائقًا أمام تقديم رعاية صحية كافية".
وأضاف أن "هذا الوضع يتفاقم بشكل خاص خلال أوقات الأزمات، مثل موسم الأوبئة والأمراض الموسمية، حيث تصبح المستشفيات غير قادرة على استيعاب العدد الكبير من المرضى بسبب النقص الحاد في الأسرّة الطبية".
وأشار عبد الأمير إلى أن مستوى تدريب الكوادر الطبية في العراق لا يواكب التطورات العالمية في المجال الصحي، حيث يعاني الأطباء والممرضون من قلة البرامج التدريبية المستمرة وعدم توفر فرص كافية لتطوير مهاراتهم الطبية.
كما لفت إلى أن "العديد من الأطباء والممرضين يهاجرون إلى دول أخرى بحثًا عن فرص أفضل، مما يزيد من أزمة نقص الكوادر الطبية المؤهلة. ويواجه الأطباء في العراق أيضًا ظروفًا صعبة، مثل نقص الأدوية والمواد الطبية الأساسية، مما يؤثر بشكل كبير على قدرتهم في تقديم رعاية صحية جيد".
وأضاف أن "نظام الرعاية الصحية في العراق يعاني من ضعف التنسيق بين القطاعين العام والخاص، مما يخلق فجوات كبيرة في تقديم الخدمات الصحية. حيث تكون الرعاية في المستشفيات الحكومية بطيئة وغير كافية في بعض الأحيان، مما يضطر المواطنين للجوء إلى المستشفيات الخاصة التي تتسم غالبًا بارتفاع تكاليفها. كما يواجه النظام الصحي تحديات كبيرة بسبب الفساد الإداري الذي يؤثر على تخصيص الموارد الصحية، مما يؤدي إلى هدر الأموال المخصصة لتحسين الخدمات الصحية".
وأكد عبد الأمير على أن العراق بحاجة إلى خطة إصلاح شاملة للقطاع الصحي. تشمل هذه الخطة زيادة ميزانية الصحة وتوجيهها نحو تطوير البنية التحتية للمستشفيات، وتوفير المعدات الطبية الحديثة، بالإضافة إلى تحسين التدريب المستمر للأطباء والممرضين.
وشدد على أهمية توفير الأدوية الأساسية بشكل مستمر والحد من الفساد في المؤسسات الصحية. وفي رأيه، فإن الحل يكمن في تضافر جهود الحكومة، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص من أجل تحسين الرعاية الصحية في العراق، ورفع مستوى التصنيف الدولي للقطاع الصحي.
يشير عدد من المراقبين إلى أن واقع القطاع الصحي في العراق يواجه عراقيل متعددة، تتصدرها مظاهر الفساد واستحواذ جهات متنفذة على سوق الأدوية والمناقصات الصحية، إلى جانب تداعيات الحروب والصراعات السياسية التي ألقت بظلالها الثقيلة على جهود الإصلاح الصحي.
وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي محمد زنكنة أن سوق الأدوية في العراق بات رهينة لهيمنة شبكات تحاول فرض سيطرتها المطلقة، الأمر الذي أسهم في تفاقم أزمة شح الأدوية وارتفاع أسعارها بشكل غير مبرر. ويضيف زنكنة في حديث لـ(المدى)، أن هذه الشبكات لا تعمل بمعزل عن فوضى المشهد العام، بل تستثمرها لصالح شركات وهمية تسعى لتحقيق أرباح طائلة عبر مسارات غير قانونية، ما يعمّق اختلال التوازن داخل المنظومة الصحية ويزيد من صعوبة ضبطها وتنظيمها.
ويشير الى، أن "الأزمات لا تتوقف هنا، حيث تفاقمت ظاهرة بيع الأدوية على الأرصفة في العديد من المدن العراقية، خاصة في وسط وجنوب البلاد، إضافة إلى العاصمة بغداد. ورغم أن إقليم كردستان قد نجح في القضاء على هذه الظاهرة منذ عام 2003، فإن تأثيرها السلبي لا يزال قائمًا في بقية أنحاء العراق".
ويتابع زنكنة، أن "المخاطر لا تقتصر على الأدوية فقط، بل تشمل أيضًا التهريب المنظم للمخدرات عبر العطاءات والمناقصات الصحية، حيث يتم إدخال مواد مخدرة مثل حبوب الكبتاغون والكرستال داخل علب الأدوية، وهو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة المجتمع".
ويلفت زنكنة إلى الدور الذي تلعبه بعض الفصائل المسلحة في هذه التجارة غير الشرعية، حيث تستغل الثغرات الحدودية لتهريب الأدوية والمخدرات، فضلاً عن توريد الأدوية منتهية الصلاحية، ما يؤدي إلى تسمم المئات وربما الآلاف من المواطنين نتيجة لغياب الرقابة الصحية الفاعلة.
أما الواقع في المستشفيات العراقية، فيعكس حالة من الإهمال الكبير، حيث يعاني العديد منها من تدني مستوى الخدمات الصحية بشكل غير مسبوق. تتفاقم المشكلة بسبب عدم توافر معايير النظافة والتعقيم في كثير من هذه المستشفيات، مما يسهم في انتشار الأمراض المعدية. وفي بعض الحالات، أصبحت المستشفيات ملاذًا للحيوانات السائبة، مما يسلط الضوء على حجم الإهمال واللامبالاة في القطاع الصحي.
إضافة إلى هذه التحديات، يعاني العراق من مستويات عالية من التلوث البيئي، مما يسهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية. وتزداد معاناة المرضى في المستشفيات بسبب نقص الرعاية الصحية، ما يجعل الوضع الصحي أكثر صعوبة.
ويتطرق زنكنة أيضًا إلى التهديدات التي يتعرض لها الأطباء في العراق، خصوصًا في ظل الضغوط العشائرية والفصائلية التي يواجهونها بعد وفاة بعض المرضى. هذا الواقع يجعل ممارسة مهنة الطب محفوفة بالمخاطر. وبالإضافة إلى هذه الصعوبات، يعاني التعليم الطبي في العراق من تراجع ملحوظ، حيث أن بعض الجامعات الأهلية التي تقبل الطلاب بأدنى المعدلات الدراسية تشترط أن يكون هؤلاء الطلاب من أبناء المتنفذين والمليارديرات، ما يؤدي إلى تدهور جودة الكوادر الطبية في المستقبل، ويزيد من تعقيد الأزمة الصحية التي يعاني منها العراق.
بدوره، يقول حسنين صفاء، نقيب الأطباء في العراق، إن وزارة الصحة تعمل على تعزيز شبكة مراكز الخدمات الصحية الأولية في البلاد، مشيرًا إلى أن هذه المراكز أصبحت تشكل جزءًا أساسيًا من استراتيجية الوزارة لتوسيع نطاق الخدمات الطبية التي تقدمها لجميع فئات المجتمع.
وأوضح صفاء، في حديثه لـ(المدى)، أن هناك جهودًا مستمرة من الوزارة لتحسين مستوى الأداء لهذه المراكز وتوسيع انتشارها في مختلف المناطق.
إلا أن نقيب الأطباء أشار إلى أن القطاع الصحي في العراق يواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في جودة إدارة المعلومات الصحية، مشدداً على ضرورة تطوير أنظمة المعلومات الصحية بشكل مستمر.
وقال إن "هذه الأنظمة تعد من الركائز الأساسية التي تضمن تقديم الخدمات الصحية بشكل فعال ومستدام".
ولفت إلى أن تحسين الأداء في القطاع الصحي لا يقتصر على تعزيز الأنظمة التقنية فقط، بل يشمل أيضًا "تأهيل الكوادر الطبية والإدارية لمواكبة التطور في هذا المجال".
وأضاف صفاء أن "الموارد المالية تمثل عنصرًا حاسمًا في تحسين الخدمات الصحية، حيث إن زيادة الدعم المالي للقطاع سيكون لها تأثير مباشر في رفع مستوى الخدمات الصحية وكفاءتها.
وشدد نقيب الأطباء على ضرورة العمل المستمر والمكثف لتحسين مستوى الخدمات الصحية في العراق، مؤكدًا أن التحديات الموجودة لا تمنع من تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال. وأوضح أن النجاح يتطلب تخطيطًا محكمًا وتوفير الموارد اللازمة بشكل مستمر، مشيرًا إلى أن هذا هو السبيل لضمان تقديم خدمات صحية مستدامة وعالية الجودة للمواطنين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مشروع انتخابي جديد لـ «الفصائل» قد يوقفه «ترامب»

موبايلات زعامات «الإطار» مغلقة.. خلافات بسبب «عقوبات ترامب»

شهر من الخلافات على المناصب.. كواليس التفاوض مع "الفصائل"

(المدى) تكشف عن مراجعات "الحنانة".. كيف سيعود "الصدر" إلى الحكم؟!

العراق بلا غاز إيران.. و"سيناريوهات متشائمة" عن الأشهر الثلاثة المقبلة

مقالات ذات صلة

موبايلات زعامات «الإطار» مغلقة.. خلافات بسبب «عقوبات ترامب»
سياسية

موبايلات زعامات «الإطار» مغلقة.. خلافات بسبب «عقوبات ترامب»

بغداد/ تميم الحسن انتقل الحديث في الدوائر الحزبية الشيعية بشأن "عقوبات ترامب" من "الإنكار" إلى اتهامات لجهات عراقية بـ"التحريض». وتنقل مصادر سياسية لـ(المدى) جزءًا من الحوارات التي تدور الآن داخل منظومة الحكم، بعد الموقف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram