TOP

جريدة المدى > محليات > التدريس الخصوصي يغيب دور المدارس في العراق.. تكاليف مرهقة للعوائل ودور التعليم الحكومي "مفقود"

التدريس الخصوصي يغيب دور المدارس في العراق.. تكاليف مرهقة للعوائل ودور التعليم الحكومي "مفقود"

نشر في: 12 مارس, 2025: 12:03 ص

 بغداد/ جنان السراي

لم تعد الدروس الخصوصية مجرد خيار يلجأ إليه بعض الطلبة لتحسين مستواهم الدراسي، بل تحوّلت إلى ضرورة تفرضها ظروف التعليم الحالي. في وقتٍ يفترض أن تكون المدرسة المؤسسة الأولى التي يتلقى فيها الطالب المعرفة، نجد اليوم أن كثيرًا من العائلات باتت ترى أن الاعتماد على المدرسة وحده لم يعد كافيًا، ما دفعها للبحث عن بدائل، تأتي في مقدمتها الدروس الخصوصية.

المدرسة.. غائبة أم مُغيّبة؟
يعزو البعض انتشار الظاهرة إلى تراجع مستوى التعليم داخل المدارس، سواء بسبب اكتظاظ الصفوف، أو نقص الكادر التدريسي، أو حتى غياب الأساليب التعليمية الحديثة التي تراعي الفروق الفردية بين الطلاب. هذا التراجع جعل الطالب يجد نفسه أمام خيارين: إما أن يعتمد على نفسه في الفهم، أو يلجأ إلى الدروس الخصوصية، حيث يُمنح فيها اهتمامًا فرديًا قد يفتقده في المدرسة.
وفي هذا السياق، يؤكد المختص بالشأن التربوي مالك ثوني أن “الدروس الخصوصية أصبحت جزءًا رئيسيًا من المشهد التعليمي في العراق، مما يعكس تراجع جودة التعليم وضعف البنية التعليمية”. وأشار إلى أن هذا الضعف لا يقتصر على المدارس فحسب، بل يشمل تأهيل المعلمين والمناهج الدراسية التي لا تواكب التطورات العالمية.
وأضاف في حديث لـ(المدى) أن دولًا مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وبعض دول الخليج استثمرت في تطوير أنظمتها التعليمية، بينما لا يزال العراق يعتمد على أساليب تقليدية كالتلقين، دون التركيز على مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
وأوضح ثوني أن المشكلة لا تكمن في كون الدروس الخصوصية بديلة أو غير بديلة للنظام التعليمي، بل في كونها دليلًا على انهيار الثقة بالمنظومة التعليمية الرسمية.
وأكد أن النظام التعليمي في العراق يعاني من تراجع حاد، تتحمل مسؤوليته الدولة ووزارة التربية والأهالي على حد سواء.
وتابع قائلاً: “ما زالت مناهجنا تعتمد على الحفظ والاستظهار بدلًا من تنمية المهارات التحليلية والاستراتيجية، مما يضعف تأهيل الطالب لمتطلبات العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي".
وأشار المختص بالشأن التربوي إلى أن ضعف البنية التحتية للمدارس، خاصة الحكومية، يعمّق الأزمة، حيث أن أكثر من 90% من المدارس لا تتوافق مع معايير التعليم الحديث.
وفيما يتعلق بالحلول المقترحة، شدد ثوني على أن هذه الأزمة تتطلب استراتيجية وطنية واضحة. وتساءل: “هل التعليم هو أولوية للدولة؟ أم أنه مجرد شعار؟".
وأشار إلى أن تجارب دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة أثبتت أن الاستثمار في التعليم والتدريب المهني هو مفتاح النهضة، مؤكدا أن العراق يحتاج إلى تغيير جذري في العقلية الإدارية والتخطيطية، بحيث يكون التعليم في صلب الرؤية التنموية للدولة، وليس مجرد ملف يتغير بتغير الوزراء.
ولفت ثوني الى، أن التعليم ليس مسؤولية وزارة التربية وحدها، بل مسؤولية الدولة بكل مؤسساتها. وأشار إلى أنه لا يمكن بناء نظام تعليمي مستدام إذا بقيت كل وزارة تعمل وفق رؤية قصيرة الأمد تمحو ما سبقها. وأضاف أن العراق وضع استراتيجية 2030، لكن دون مؤشرات أداء واضحة وخطط طويلة الأمد تلتزم بها الحكومات المتعاقبة، سيبقى التعليم يعاني من التخبط والتراجع.
وختم قائلاً: “الحل يكمن في بناء رؤية وطنية شاملة، تستند إلى الاستثمار في جودة التعليم والمعلمين، وتواكب التطورات العالمية بدلًا من الدوران في حلقة مفرغة من الإصلاحات الشكلية".

ضغط المناهج وقلق الامتحانات
من جهة أخرى، يشكو الكثير من الطلبة وأولياء الأمور من صعوبة المناهج الدراسية وكثافتها، خاصة مع اقتراب الامتحانات النهائية، ما يجعل الحاجة إلى دروس إضافية أمرًا لا مفر منه. فالمعلم في المدرسة قد لا يجد الوقت الكافي لشرح كل التفاصيل أو التكرار للطلبة الذين لم يستوعبوا الدرس من المرة الأولى، ما يدفعهم للبحث عن بدائل خارج أسوار المدرسة.
الناشطة والتدريسية غفران طعمة ترى أن “الدروس الخصوصية باتت سمة سلبية تؤثر على تكافؤ الفرص بين الطلبة”، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على العائلات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وأضافت طعمة في حديث لـ(المدى): “في كثير من الأحيان، يتم استغلال حاجة الطلاب بهذه الدروس، حيث يرفع بعض المدرسين أسعار الحصص، مما يخلق تفاوتًا بين من يمكنهم تحمل التكاليف ومن لا يستطيعون ذلك”.

بين التعليم والتجارة
لكن اللافت أن الدروس الخصوصية لم تعد مجرد خدمة تعليمية، بل تحوّلت إلى سوق رائج يستنزف جيوب العائلات، حيث تختلف أسعار الدروس حسب المادة والمُدرس والمكان، وقد تصل تكلفتها إلى مبالغ لا يستطيع الجميع تحملها، مما يزيد الفجوة التعليمية بين الطبقات الاجتماعية.
الى ذلك، يقول الأستاذ خالد حسن، مدرس رياضيات في إحدى المدارس الثانوية، لـ(المدى): “بعض الطلبة بحاجة إلى متابعة فردية لا توفرها المدرسة بسبب كثرة الطلاب في الصف الواحد. لدينا صفوف يصل عدد طلابها إلى 50 أو حتى 60 طالبًا، فكيف يمكن للمدرس أن يمنح كل طالب الاهتمام المطلوب؟”
ومع ذلك، يشدد على أن “بعض الزملاء باتوا يركزون على الدروس الخصوصية أكثر من عملهم في المدرسة، وهذا يضر بالمستوى التعليمي ويجعل الطلاب يشعرون أن المدرسة غير كافية.”

ماذا تقول وزارة التربية؟
في المقابل، تؤكد وزارة التربية أنها اتخذت عدة إجراءات للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، والعمل على تقوية التعليم داخل المدارس الحكومية.
ويوضح المتحدث باسم الوزارة كريم السيد في حديث لـ(المدى) أن الوزارة تعمل على “ترصين التعليم داخل الصفوف المدرسية من خلال إعطاء الوقت الكافي لشرح المواد الدراسية، فضلًا عن متابعة تنفيذ المناهج عبر الإشراف التربوي وفق التوقيتات الزمنية المحددة".
وأضاف: “الوزارة لم تمنح عطلًا إضافية، بناءً على توجيهات رئاسة الوزراء، لضمان إكمال المناهج بالشكل المطلوب، مما يساعد على تقليل حاجة الطلبة للدروس الخصوصية. إضافةً إلى ذلك، هناك تحفيز للدورات التقوية الصيفية المجانية التي يقدمها الأساتذة، حيث يتم مكافأتهم عليها لضمان تقديم الدعم التعليمي للطلبة المحتاجين.”
وأكد السيد أن الوزارة تعمل أيضًا على إعادة النظر في تفاصيل التعليم الأهلي ومنح الإجازات، إلى جانب فتح مدارس جديدة وتحسين البيئة التربوية، مشيرًا إلى أن “كل هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل الإقبال على الدروس الخصوصية والقضاء على هذه الظاهرة التي تؤثر سلبًا على العملية التعليمية".

إصلاح التعليم.. ضرورة ملحة
يرى الخبراء أن معالجة هذه الظاهرة تبدأ بإصلاح جذري للمنظومة التعليمية، من خلال تحسين بيئة التعليم في المدارس، وتقليل أعداد الطلبة في الصفوف، وتطوير المناهج وأساليب التدريس.
وبالعودة لثوني فإنه يؤكد: “إذا استمرت الدروس الخصوصية كضرورة، فإن ذلك يعني أننا أمام مشكلة حقيقية في التعليم الرسمي، وهذا يتطلب تحركًا سريعًا من الجهات المعنية لضمان أن المدرسة تعود لدورها الأساسي كمصدر رئيسي للعلم والمعرفة.”

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الأنواء الجوية: الأمطار مستمرة في الأيام المقبلة
محليات

الأنواء الجوية: الأمطار مستمرة في الأيام المقبلة

بغداد/ المدى أكدت هيئة الأنواء الجوية، أن فرص هطول الأمطار في الأيام المقبلة ما زالت قائمة. وذكرت الهيئة، أن "هناك فرصاً لهطول المزيد من الأمطار في الأيام المقبلة، لكنها تعتمد على حالة عدم الاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram