طالب عبد العزيز
ما حدث في الساحل السوري من جرائم وحشية ضد أبناء الطائفة العلوية لا يستفزُّ الضمير العربي الإسلامي، الذي نعرفه في كتب الفقه!! فهو قتل طائفي، بتصريح فاعليه، وما هو بجديد في أثرنا التاريخي، ثم متى كانت الطوائف الإسلامية لا تقتل للسبب هذا؟ نحن نجزم بأنَّ أول إعلان للطائفية كان في سقيفة بني ساعدة، يوم خطب أبو بكر بالناس بدفع من عمر بن الخطاب عقيب وفاة النبي مباشرة وقال:"وما تعرف العربُ هذا الأمر إلا لهذا الحيِّ من قريش" بل، ويوم زادها صاحبُ الأنصار (الحُباب بن المنذر) قائلاً: "أنا جُذَيلُها المُحَكَّك، وعُذيقُها المُرَجَّب. منا أمير، ومنكم أمير" وليس أبلغ من التصريح بالطائفية من قولته:" تريدون أن تختزلونا من أصلنا، وتحصنونا من الأمر ".
وعبر القرون الطويلة ظلت سيوف وبنادق العرب المسلمين توغلُ برقاب بعضهم، فما استلَّ منها ضد العدو لا يقارن بالذي استل في رقابهم. نريد أن نتجنب الحقيقة هذه في كثير مما نكتب، ونقول، حفظاً على سلامة قلوبنا، لكنَّ وجودها المضرب في القدم بالقلوب والالسن لا يمنع من ظهورها على شكل دمٍ في دمشق مرة، وفي بغداد أخرى، وفي القاهرة والحجاز والبصرة والكوفة من قبل ومن بعد وهكذا. لا يسع الحاكم العربي المسلم الى نشر دين الله في بلاده أو خارجها إلا عبر قتل أخيه العربي المسلم المختلف معه أولاً، وهذه متوالية ابتدأت بـ(حروب الردّة) إنْ صحّتْ الردّة! ومرت في الجمل، وعبرت الى صفين، والنهروان، حتى كربلاء... . والى ما حدث في بغداد أيام القاعدة والزرقاوي، والموصل والغربية على ايدي داعش والبغدادي، والساحل السوري على ايدي جماعة الجولاني وجنود هيئة تحرير الشام.
في تأريخنا هناك من ينقضّ، وهناك من هو على الخطأ أيضاً، وهناك المغتصب، الذي لا بدَّ من إقصائه، وفي الحالات كلها لا نجدُ لغةً للعقل والحوار، فالحلُّ عند العربي المسلم لا يتجاوز السيف إلى غيره، ربما لنفاد صبر فيه، فالحوار العربي المسلم يطول، والسيف يختصر الوقت، أمّا عن الدم فلا أسهل منه، فهو يسيل منذ آلاف القرون، ولا يعتقدنَّ أحدٌ بأنَّ الطائفة هذه أقلَّ سفكاً له، أو تلك أرحم وألطف أبداً، ومن يقرأ تأريخنا بعناية سيقف على ما هو أشنع وأقبح، مما فعله هؤلاء. ما يورده في مقاتله ابوالفرج الاصفهاني من أساليب خلفاء بني العباس بحق أبناء عمّهم من بني هاشم لا يصدقه العقل، كانوا يتفنون بالقتل، ولم تصمت كتب التأريخ عما فعله صلاح الدين الايوبي في قاهرة المعز الفاطمي عن السبب الطائفي، على الرغم من تغاضي الكثير منها، وذهابها الى وصفه بالقائد الذي انتصر على الفرنجة.
هذا التاريخ الموغل في الدم، وهذه السيوف(البنادق) لا سبيل الى ايقافها إلا بحجب السلطة عن العرب المسلمين، ومن مختلف طوائفهم، إذ كلُّ عربيٍّ مسلم هو طائفيٌّ بالولادة! وكل جماعة وحزب وفرقة إسلامية هي طائفية وإنْ قالَ أصحابها بخلاف ذلك. نحن نصف الدول العربية التي قامت في دمشق وبغداد والقاهرة وباقي المدن العربية من عهد الامويين بالدول السنية، إذن، هناك جماعة غير سنية مغيبة، محرومة، مضطهدة، مقتولة، وستصحُّ العبارة لو أنَّ الدول في العواصم تلك كانت شيعية أو علوية أو فاطمية أو غيرها. الحاكم العربي المسلم مصاب بداء القتل، فهو يبحث دائماً عن مختلف يقتله، ولا شفاء له من ذلك، هو مرض مزمن، لا حلَّ معه إلا بالحجب والمنع، إذْ لا سلطة دائمة له ببقاء الأخر المختلف، وهكذا شوهت صورة الدين عبر هؤلاء وأولئك، هي صورة للذبح، لا علاقة لها بالهداية. الغريب أنَّ المتطرف الطائفي مسكون بالبشاعة الأولى للقتل، صورة السيف وهو يحزُّ النحر هي الأقرب لروحه من البندقية، هو بهيئته الرثة وذقنه وشعر رأسه الطويل لا يريد أن يخرج من التاريخ، وما شاهدناه من ذبح على ايدي جماعة الزرقاوي يحيلنا الى ما قام به جماعة هيئة تحرير الشام في مدن الساحل السوري. ستظل هذه الامّة تتبادل القتل بينها حتى يأتي من يقيّد أيدي حكّامها العرب المسلمين.