TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الطَّائفيَّة.. " لا تَلد الحَيَّة إلا الحَيَّة "

الطَّائفيَّة.. " لا تَلد الحَيَّة إلا الحَيَّة "

نشر في: 13 مارس, 2025: 12:03 ص

رشيد الخيون

منذ عقود والخلاف السّياسيّ أخذ يتلبد بالنّزعة الطّائفيّة بأقصى درجاتها، بين الأديان والمذاهب والقوميات، لكنَّ أفظعه القائم على أساس دينيّ، ومع أنَّ الله واحد للجميع، لكنَّ كلَّ دين ومذهب يتحدث عن إلههِ، ويظهر في صِدام مع معتقدات الآخرين، وعندما أقول بأقصى درجات الطَّائفية، أقصد سفورها عن سفك الدَّماء، وسّيف الحزب المسلول باسم الدّين، لا يخشى حرمة إنسان ولا تعاليم إله، فلأبي العلاء المعريّ(ت: 449هج): "طَموحُ السّيفِ لا يخْشَى إلهاً/ولا يَرجو القِيامَةَ والمَعادا(سَقْطُ الزَّندِ).
لا يعتقد صاحب الخِطاب الطَّائفيّ، سيبني ويُعمر وطناً، وهنا نأخذ حالة العِراق، ونكتب ذلك لعلَّ هناك مَن يتعظ، ويعرض نفسه على الأطباء للشفاء مِن هذا المرض، فللتاريخ أعينٌ وآذان. بعد حرب 1991، كتبت الصّحافة الرّسميّة سلسلة مقالات ضدّ مواطنيها، وهي سابقة أن يَقذف نظامٌ شعبه في جريدته الرَّسميّة، بما يعاف(جريدة الثورة 5 أبريل 1991)، وهي جريدة حزب يضم أهل المذاهب كافة، فلو حصرها بمن ثاروا ضده، لعفى نفسه، فكم مِن هؤلاء قُتل بسلاح المنتفضين حينها، ووكم منهم بين أركان النِّظام الكبار، وأكثر من نصف البعث كانوا مِنهم؟ كذلك نشرت جريدة "بابل" (تأسست1991) سلسلة مقالات ضدّ مذهب ودين، من مواطنيها (بابل، 10,13 أبريل (نيسان) 2002).
كتبت "الثَّورة" و"بابل" هذا ببغداد، بينما كانت جماعات بالمنافي تناقش الطَّائفيّة بالعراق، فأصدرت ما عرف بإعلان طائفيّ. جاء فيه:"من أجل إلغاء الممارسات الطَّائفيّة، التي مارستها الأنظمة المتعاقبة، لا بدّ أن يعاد النَّظر في التَّركيبة الإداريّة للدولة العراقيّة، ومؤسّساتها العسكريّة والمدنيّة، من خلال إعادة النظر في طريقة التوظيف في هيئات ومؤسّسات الدولة. واعتماد مبدأ الكفاءة المهنيّة"(الإعلان، جريدة الزَّمان 20 يونيو 2002).
فإذا كان خطاب"الثّورة" و"بابل" "حيَّة رقطاء"، فقد أولدت حيَّات، والعبارة لمحمد صالح بحر العلوم(ت: 1992)، قالها(1934) قبل تحول الطَّائفية إلى مقاتلٍ: "وأترك شعور الطائفيةِ جانباً/ فالطَّائفية حيَّة رقطاءُ"(شعراء الغري). أقول أولدت حيَّات، بقانون الفعل ورد الفعل. بعد 2003 صارت الطَّائفية شائعة، حملت المجتمع مآسي الإقصاء والتهجير والقتل والخطف، وصارت مادة "أربعة إرهاب" وحش يجول على مدن وقرى أهل مذهب بعينه دون غيره، وحملت المناهج الدراسية، ودوائر الدّولة طائفيّة على طائفيّة، ولم ينبس الموقّعون على الإعلان المذكور، وهم ما زالوا أحياء -منهم تبوأ منصباً ومكانة في النِّظام الجديد- ببنت شِفة ضدّ الطّغيان الطّائفي، حتَّى صار واقعاً يعيشه العراقيون، لأنهم توهموا الانتصار على المواطنة بالطّائفيَّة، الطائفيّة التي انتقدوها رياءً. إنها دواليب المصائر، تحتاج إلى ضمائر مصلحين كفاةُ، لا ضمائر معبأة بالسّموم.
فإذا كتبت جرائد السابقين، بما يدينهم، فاليوم تحوّل البرلمان إلى ساحة ردحٍ طائفيّ، والتّجاوز الطُّفولي على مقدسات الشُّركاء بالوطن، وإذا كان الموقف مِن الحوادث السّوريّة، جرى بالشُّعور الطّائفيّ، ظناً أن المنتصر بالحشد الطائفيّ لا يُهزم، وإذا رياح الأقدار تهبُ بما ليس في الحسبان، فلو فكر النّظام السَّابق، وهو سلطة الأمس، ومعارضوه، سلطة اليوم، بخطورة ما مارسوا لعتقوا العراقيين مما جرى ويجري عليهم.
فهل يجري التّفكير باِنهاء اللُّعبة، التي يؤرخ لها بالقرون، وإلى متى تبقى هذه الصّفحة الدّامية مفتوحة؟! نعود إلى أبي العلاء، وقصيدته "عاند مَن تُطيق عناده، أو أرى العَنقاء تكبرُ أن تُصادا"، وبيته: "جَهولٌ بالمَناسِكِ ليس يَدري/أغَيّاً باتَ يَفْعَلُ أم رَشادا"(سَقْطُ الزَّندِ)، لا يجب أنّ يتصرف الطّائفيّ بحرية، ممارساً طائفيته بأقصى صورها، مِن موقع السُّلطة، على أنها الحرية والدّيمقراطيّة، يشتم مَن يشاء، ويحرض الجموع ضد الجموع. أقول: لا تأخذه نشوة النّصر، فالدوائر تدور، مثلما تُفاجئنا اليوم، والحليم مِن يعصم نفسه بخطاب المواطنة، لا خطاب"الحيّة لا تلد غير الحيَّة" (الخوارزمي، الأمثال المولّدة).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram