TOP

جريدة المدى > سياسية > عقود مغشوشة ومنافع حزبية.. الإعمار في العراق "ضحية الصفقات"

عقود مغشوشة ومنافع حزبية.. الإعمار في العراق "ضحية الصفقات"

10 آلاف مشروع متلكئ بعموم المحافظات

نشر في: 17 مارس, 2025: 12:07 ص

 بغداد/ تبارك عبد المجيد

يعاني ملف الإعمار في العراق من تحديات كبيرة أبرزها تفشي الفساد وسوء الإدارة، نتيجة هيمنة المحاصصة الحزبية على المناصب العليا. هذا الواقع أدى إلى تعثر آلاف المشاريع وتأخر إنجازها لسنوات طويلة، إضافة إلى تدني جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. ورغم إعلان الجهات المعنية عن إجراءات لمكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة، إلا أن غياب القوانين الرادعة واستمرار النفوذ السياسي في المؤسسات يعيقان تحقيق أي تقدم فعلي على الأرض.

محاصصة حزبية!
ويقول أحمد الياسري، المختص في الشأن السياسي والاقتصادي العراقي، إن "ملف الإعمار والبناء في العراق يعاني من إهمال كبير، حيث تم تغييب ما يقارب 60 إلى 70% من الجهود المطلوبة في هذا المجال، نتيجةً لسيطرة المحاصصة الحزبية على المناصب الإدارية العليا".
وفي حديثه مع (المدى)، يبين الياسري أن "من يتربع على هرم المسؤولية اليوم يتم اختياره وفقاً لانتمائه الحزبي، وليس لكفاءته أو خبرته، ما أدى إلى تفشي الفساد في المؤسسات بنسبة تتجاوز 80 إلى 90%"، مشيراً إلى أن المديرين التنفيذيين غالباً ما يتعرضون للابتزاز المالي من قبل الجهات الحزبية التي عينتهم، وهو ما ينعكس سلباً على جودة تنفيذ المشاريع وسرعة إنجازها.
ويضيف، أن "العديد من العقود المبرمة مع الشركات المنفذة للمشاريع، خاصة تلك المتعلقة بالبنى التحتية، تشوبها مخالفات مالية وعمليات فساد واضحة، إذ تطلب الجهات الحزبية نسباً من الأرباح، ما يثقل كاهل المشاريع ويؤدي إلى تأخيرها أو تنفيذها بشكل سيئ". وأكد أن الشركات العاملة حالياً تفتقر إلى الاحترافية، باستثناء شركة صينية تعمل في مشروع ساحة النسور، واصفاً عملها بأنه "محترم وفعّال".
الياسري ينتقد قائلاً، إن "وزارة الاعمار تخضع لنفس الضغوط السياسية والحزبية، ما يجعلها جزءاً من منظومة الابتزاز السياسي والمالي، خاصة فيما يتعلق بالعقود السكنية".
ويتابع: "نحن نعلم جيداً من هم أصحاب القرار الحقيقيون في الدولة، وهم ليسوا المسؤولين الظاهرين، بل الأحزاب التي تتقاسم النفوذ والمنافع على حساب المواطن العراقي. هذا ما جعل البنية التحتية تنهار، والكهرباء تتكرر أزمتها في كل صيف، في ظل غياب الحلول الجذرية".
ويشير إلى أن "المشاريع المتعلقة بالجسور والممرات المرورية لم تحقق سوى 20% من أهدافها، رغم الكلفة العالية".
كما أكد أن معظم الشركات الاستثمارية العاملة في العراق تهدف إلى الربح فقط، دون مراعاة الجودة أو خدمة المواطن، لافتاً إلى أن الشركات الأجنبية القوية والعربية المتخصصة شبه غائبة عن الساحة، ما أدى إلى تراجع كبير في الأداء العام.
ويستدرك الياسري قائلاً: "ما يحدث اليوم هو شلل تام في قدرة الدولة على تحقيق تطلعات الشعب، لأن الأموال تُسرق قبل أن تصل إلى المشاريع. والجهات الحزبية تفرض نفسها على كل مفصل من مفاصل الدولة، لتضمن منافعها، ولو كان ذلك على حساب معاناة المواطن العراقي".
وحذّر وزير الإعمار والإسكان والبلديات العامة، بنكين ريكاني، من خطر الفساد وتأثيره المباشر على المشاريع الخدمية في البلاد، مؤكداً أنه يمثل عائقاً أساسياً يتسبب في تدنّي جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين.
وأفادت الوزارة في بيان، تلقته (المدى)، بأن الوزير استعرض خلال زيارته إلى مقر هيئة النزاهة ورقة علمية أمام طلبة الدبلوم العالي في الاختصاصات المتعلقة بمكافحة الفساد، بحضور نائب رئيس الهيئة مظهر الجبوري وعدد من الطلبة، حيث قدّم عرضاً لتجربة الوزارة في الوقاية من الفساد ومكافحته.
من جانبه، أوضح المتحدث باسم الوزارة، نبيل الصفار، أن الوزارة تضع تطبيق مبادئ الحوكمة الإلكترونية على رأس أولوياتها، لما لها من دور في تعزيز الكفاءة وضمان تنفيذ المشاريع وفق الجداول الزمنية المعتمدة.
وأشار الصفار في حديث لـ(المدى) إلى أن ورقة العمل ركزت على أهمية المضي بالتوازي بين الحوكمة الإلكترونية وتطوير آليات تنفيذ المشاريع، مؤكداً أن الوزارة تسعى حالياً لاستقطاب شركات تتمتع بكفاءة مالية وخبرة عملية لضمان عدم التلكؤ أو الإهمال في تنفيذ المشاريع.
ويلفت الى، أن الوزارة فعّلت جملة من الإجراءات الإدارية والمالية للحد من الفساد، من بينها تخصيص خط ساخن لتلقي البلاغات حول أية شبهات، ونشره عبر الموقع الرسمي، إضافة إلى تشكيل لجنة خاصة لمكافحة الفساد الإداري، تتولى متابعة سير العمليات الإدارية بما يضمن النزاهة والشفافية.
كما يشير الصفار إلى أن الوزارة تعمل على تعزيز وعي الموظفين من خلال برامج توعوية وتوجيهات مباشرة من الوزير، تلزم العاملين بالاطلاع على قوانين الخدمة المدنية والانضباط الوظيفي، في مسعى لترسيخ ثقافة الالتزام والمسؤولية داخل مؤسسات الوزارة. يؤكد الصفار أن الوزارة تبذل جهوداً كبيرة لإكمال المشاريع المتأخرة رغم التحديات التي فرضتها الظروف السابقة، مشيراً إلى وجود فرق ميدانية تتابع التنفيذ ضمن البرنامج الحكومي، وكل ذلك يأتي في إطار ستراتيجية شاملة تهدف للحد من الفساد وضمان إنجاز المشاريع بجودة عالية وفي الوقت المحدد.

غياب القوانين!
الى ذلك، يقول مدير مركز الرفد للإعلام والدراسات الستراتيجية عباس الجبوري، إن الفساد في العراق أصبح منظومة مترسخة في جسد الدولة، لا يمكن تفكيكها بسهولة، مؤكداً أن هذا الفساد المستشري أثّر سلباً على أغلب المشاريع الخدمية في البلاد.
ويضيف الجبوري في حديث لـ(المدى)، أن "الفساد لم يعد مجرد ممارسات فردية، بل تحوّل إلى ثقافة تسود أغلب مؤسسات الدولة، حتى أن الموظف النزيه يُعتبر حالة شاذة، ويُحارب من قبل محيطه، في حين يُكرم من يتعاطى الرشوة ويُعدّ مميزاً".
ويشير إلى أن "تصريحات بعض المسؤولين بشأن خلو فترة توليهم من الفساد غير دقيقة"، مؤكداً أن "الكثير من المشاريع التي أُحيلت خلال الفترة الحالية شابها الفساد أيضاً".
ويلفت إلى أن هذا الأمر أدى إلى تردّي الخدمات، وتأخر إنجاز المشاريع، خصوصاً في المحافظات، حيث تُرصد لها أموال كبيرة لا يُنفّذ منها سوى نسب محدودة، وتُعاد البقية إلى الموازنة العامة، مما يُسبب خللاً كبيراً في البنى التحتية.
ويؤكد الجبوري أن "سبب الفساد يعود إلى أن معظم المناصب الحكومية ناتجة عن المحاصصة الحزبية"، مشدداً على أن "الوزراء، والوكلاء، والمديرين العامين، هم من مخرجات الأحزاب والكتل السياسية، التي تمسكت بالسلطة بعد فوزها في الانتخابات".
ويوضح، أن "الفساد في الدولة لا ينبع من الشارع، بل من داخل مؤسساتها"، مشيراً إلى أن حجم الأموال المسروقة ضخم جداً، وغالباً ما تُجرى تسويات مالية مع المتهمين، تتيح لهم الإفلات من العقاب.
واختتم بالقول: "نحن نفتقر إلى قوانين صارمة تُحاسب الفاسدين بشكل واضح، ولذلك يستمر العبث بالمال العام دون رادع حقيقي".
وفي ذات السياق، يقول الخبير الاقتصادي دريد العنزي إن "الفساد وسوء الإدارة والتلكؤ في تنفيذ المشاريع أصبحت ظواهر واضحة في جميع قطاعات الدولة"، مشيراً إلى أن وزارة التخطيط أعلنت عن وجود 10,000 مشروع متلكئ، أي مشاريع لم تُنفذ أو تم تنفيذها جزئياً، مما يُعدّ خسائر كبيرة للاقتصاد الوطني.
يؤكد العنزي في لـ(المدى)، أن "هذه المشاريع المتلكئة تمثل صوراً حية للفساد وسوء الإدارة"، لافتاً إلى أن "الوزارة والوزير أنفسهم مشغولون في متابعة الأمور دون تقديم حلول حقيقية لتلكؤ المشاريع.
يضيف، أن "الموازنة العراقية تعاني من تأخير لمدة ثلاث سنوات متتالية، مما ينعكس سلباً على تنفيذ المشاريع وتحقيق التنمية".
مشيراً إلى أن "غياب المتابعة الفعالة وتنفيذ المشاريع يؤدي إلى تراكم الأزمات، حيث طالب بضرورة تخصيص ميزانيات للمشاريع في كل محافظة بشكل عادل، بحيث يتم تنفيذ 10 مشاريع لكل محافظة على الأقل، وإعادة تخصيص الأموال من بنود الموازنة إلى المشاريع التي لم تنفذ بعد".
كما يبين، أن "الوضع الحالي يعكس "سوء إدارة خطير"، حيث أصبحت الأمور تقتصر على الوعود والتخطيط بدون تنفيذ حقيقي، مما يتسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية في البلاد".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

الحلبوسي صديق
سياسية

الحلبوسي صديق "الإطار" يستعد لرئاسة البرلمان القادم

بغداد/ تميم الحسن تتوقع أطراف سُنية حصول محمد الحلبوسي على ولاية جديدة لرئاسة البرلمان القادم، فيما لم تُحسم عودته إلى المجلس حتى الآن. وقرر القضاء، بحسب وثائق نشرها حزبه "تقدم"، براءة الحلبوسي، رئيس البرلمان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram