TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ... عن "المشرق العربي" و"العالم" وإسرائيل

... عن "المشرق العربي" و"العالم" وإسرائيل

نشر في: 19 مارس, 2025: 12:02 ص

حازم صاغية

" المشرق العربيّ والعالم" لم تكن علاقتهما، في الزمن الحديث، على ما يرام. بـ" العالم" كان يُقصد الغرب ودوله، أي عالم الأطلسيّ، وبـ "المشرق العربيّ" كانت تُقصد أساساً القضيّة الفلسطينيّة على النحو الذي رسمته الأنظمة العسكريّة والأمنيّة، ومعها لسنوات طويلة بدأت في أواخر الستينات، منظّمة التحرير الفلسطينيّة.
صحيح أنّ تلك الصيغة الثنائيّة انطوت على اختزالين كبيرين، إذ "العالم" ليس الغرب وحده، فيما "المشرق" أكثر وأكبر من القوى العربيّة المذكورة ومن همّها الأوحد المذكور. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ "العالم"، بالنسبة إلى العالم العربيّ، كان الغرب المؤثّر في سياساته، كما في اقتصاده وتعليمه وتقنيّته، وهذا فضلاً عن الماضي الاستعماريّ، وعن النماذج الحياتيّة والصور الثقافيّة المرغوبة. أمّا الصراع مع إسرائيل فكان أكثر ما يحدّد التوجّهات المعلنة في جوانب ليست بالضرورة متّصلة بهذا الصراع. هكذا سادت لعقود، عربيّاً وليس مشرقيّاً فحسب، نظريّة "التعامل مع العالم تبعاً لموقفه من قضيّة فلسطين"، وكان أهمّ ترجمات النظريّة هذه المقاطَعة النفطيّة لداعمي الدولة العبريّة مع نشوب حرب أكتوبر/ تشرين الأوّل 1973. ذاك أنّ خليطاً من التعاطف مع ضحايا المأساة الفلسطينيّة، وما ترسّب من رطانة قوميّة جامعة، ثمّ الخضوع للابتزاز بالعنف والإرهاب كما مارسهما غير طرف مسلّح، أفضى إلى تلك القراءة الإجماعيّة. ودائماً بدا هذا التمركز حول القضيّة الفلسطينيّة، وهي خارجيّة بالنسبة إلى دول عربيّة كثيرة، وإلى قطاعات كثيرة في تلك البلدان، على شيء من الغرابة، أقلّه عند الذين رأوا أنّ سياسات الدول الناشئة لا بدّ أن تتمحور حول داخلها.
والعلاقة، التي لم تكن على ما يرام بين "العالم" و"المشرق"، ذكّرت كثيرين بانتفاض أبناء الكيانات على أبيهم الذي أنشأ تلك الكيانات. فبعد الحرب العالميّة الأولى نفر الأوّلون من فكرة الانتداب ومن "وعد بلفور" واتفاقيّة سايكس بيكو، واستنتجوا أنّ ما جاء في مراسلات ماكماهون والشريف حسين لم يكن سوى خديعة. وبعد الحرب العالميّة الثانية ساءهم ما نزل بالفلسطينيّين فرفضوا تقسيم فلسطين الذي التقت حوله الكتلتان الشرقيّة والغربيّة. ولئن رأى "العالم" في تمرّد العرب القوميّ حدثاً مستهجَناً، إلاّ أنّه أدرجه في خانة التمردّات المشابهة التي عرفتها أفريقيا وجنوب شرق آسيا وبعض أميركا اللاتينيّة، واستوعبها إطار الحرب الباردة. لكنْ بعد ذاك، ومع تفسّخ الناصريّة وانحطاطها إلى أسديّة وصدّاميّة وقذّافيّة، صعد نجم بن لادن وإخوانه الكثيرين، ولم يعد مفهوماً هذا التمرّد الجذريّ الذي قُدّم كما لو أنّه شيء يختصّ به المسلمون وحدهم. ومع الطور هذا، فقد صلاحَه وصف الآباء والأبناء العصاة، إذ ارتدّ المتمردّون الجدد إلى قَدامة الجَدّ الذي يقطع كلّيّاً مع عالم أنشأه الأب الغربيّ وتصدّى له أب مشرقيّ فاشل.
غير أنّه، وفي طوري التمرّد، ظلّت "أزمة الشرق الأوسط" من غير حلّ، كما لم تنجح اتّفاقيّة أوسلو، في 1993، في طيّ صفحة سوداء وفتح أخرى وُصفت بالبياض.
واليوم، على أيّة حال، تغيّر كلّ شيء تقريباً، وهذا فيما التغيّرات التي تتوالى تصيب معاني الأشياء الأصليّة والأوّليّة. فـ"العالم" انضافت إليه الصين، وإن كان حضورها لا يزال جزئيّاً ومحصوراً بقياس الحضور الغربيّ. أهمّ من ذلك، وخصوصاً في ظلّ رئاسة دونالد ترمب، أنّ الكون الأطلسيّ يتمزّق ما بين أميركا الشعبويّة والقوميّة وأوروبا التي تدافع بصعوبة عن ليبراليّتها، فيما تنشأ أعراف وطرق في النظر إلى الأمور، وإلى العلاقات الدوليّة، غريبة وغير معهودة.
و" المشرق العربيّ"، بدوره، يتمزّق على نحو قد لا يكون جديداً، لكنّه بالتأكيد من صنف غير مألوف. فقضيّة فلسطين لم تعد ما كانته من قبل، وأهمّ من ذلك أنّ المغرب والخليج والمشرق ومصر والسودان سلكت كلّ منها طريقها. وإذا كانت الطرق تتقاطع عند بعض المحطّات فإنّها مستقلّة بذاتها، تمضي واحدتها في توكيد تمايزها عن الأخرى.
بيد أنّ تنافر "العالم" و"المشرق لا يلغي اتّفاقاً حول تفوّق القرن التاسع عشر. فمنذ خطاب تنصيب ترمب رئيساً، ظهرت كتابات كثيرة تتناول تأثّره بالرئيس وليام ماكينلي الذي حكم الولايات المتّحدة بين 1897 و1901 حينما اغتيل. وماكينلي، المتحمّس للحمائيّة الضريبيّة، والذي وصفه ترمب بـ"العظيم"، عُرف، بين أمور أخرى، بخوضه الحرب الأميركيّة – الإسبانيّة واعتماده سياسة توسّع تأدّى عنها إلحاق الفيليبين وبورتو ريكّو وغوام وهاواي.
وفي المشرق، مع انفجار قضايا الأقلّيّات، وتشابُكها مع السياسات الإقليميّة والدوليّة، يزدهر التذكير بـ"المسألة الشرقيّة" التي فجّرها تفسّخ السلطنة العثمانيّة والتسابق على وراثتها، وهو ما افتتحته الانتفاضة اليونانيّة في عشرينات ذاك القرن، ليبلغ ذروته مع نزاع القرم (1853-6) وأزمة البلقان (1875-8) وصولاً إلى حروبه (1912-1913).
وإذا كانت أزمنة استلهام الماضي تثير الكآبة عموماً، فثمّة أمر واحد شديد الترجيح ومؤلم، هو أنّ إسرائيل ستكون الأكثر إفادة من تباعد "العالم" و"المشرق" ومن تقاربهما سواء بسواء.
·عن الشرق الاوسط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram