TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إنعكاس العقوبات الأمريكية على إيران وإنتاج الكهرباء في العراق

إنعكاس العقوبات الأمريكية على إيران وإنتاج الكهرباء في العراق

نشر في: 19 مارس, 2025: 12:03 ص

د. فالح الحمـراني

فرضت إدارة ترامب عقوبات اضافية على مسؤولين إيرانيين وعلى شركات وسفن مرتبطة بأسطول النفط الإيراني السري، والذي تقول واشنطن إن طهران تستخدمه للتهرب من العقوبات. ويأتي هذا الإجراء بناء على الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كانون الثاني 2020 والذي فرض عقوبات شاملة على قطاعي النفط والبتروكيماويات في إيران، وهو ما يمثل الجولة الثالثة من العقوبات منذ مذكرة الأمن القومي التي أصدرها الرئيس في 4 شباط 2025 والتي فرضت حملة "أقصى قدر من الضغط" على إيران. وفي عملية مماثلة، فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات على ثلاث شركات "لمشاركتها عن علم في معاملة كبيرة تتعلق بشراء، أو اقتناء، أو بيع، أو نقل أو تسويق النفط أو المنتجات النفطية من إيران". وتسعى الولايات المتحدة من خلال فرض المزيد من العقوبات الى الضغط على طهران لتغير سياساتها الإقليمية وتقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي والصاروخي.
لقد بدأت كل هذه العقوبات بالفعل تؤثر بصورة حقيقية على جيران إيران ولا سيما على العراق. فمع اقتراب موسم الصيف وارتفاع مستويات استهلاك الكهرباء، تواجه الحكومة العراقية تحدياً كبيراً بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء إعفاء العراق من استيراد الغاز من إيران، المصدر الرئيسي للوقود للعديد من محطات الطاقة في البلاد. منذ عام 2003، أنفق العراق ما يقرب من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء، لكن النظام الكهربائي لا يزال يعاني من عدم الاستقرار.
وتعتمد البلاد بشكل كبير على واردات الغاز من إيران، حيث تبلغ تكلفة الواردات حوالي 6 مليارات دولار سنويا. وتحول العراق مؤخرا إلى استيراد الغاز من تركمانستان عبر إيران، وهو ما يكلف ما بين 2.3 مليار دولار و2.4 مليار دولار سنويا. رغم أن العراق يملك احتياطيات كبيرة من الغاز، إلا أن الإنتاج المحلي لا يزال غير كاف لتلبية الطلب المحلي. ولمواجهة الأزمة، تستثمر الحكومة في حقول الغاز بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وإنهاء الاستيراد. ويقول الخبراء إن هذه الخطوات، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية لضمان استقرار إمدادات الكهرباء خلال أشهر الصيف، خاصة في ظل التحديات المالية واللوجستية التي يواجها العراق. وأوضح المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى، أن الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني تبذل جهوداً حثيثة لحل أزمة الغاز الإيراني، فضلاً عن معالجة قضية القرار الأميركي برفع الإعفاء الذي يسمح للعراق باستيراد الطاقة من إيران (كهرباء وغاز). وقال موسى في تصريح للصحافة، إن مفاوضات تجري حالياً مع عدد من الدول العربية المنتجة للغاز بهدف استيراد الغاز المسال بعد استكمال مراحل تجهيز البنية التحتية اللازمة. وأضاف موسى أن وزارته تسعى إلى تنويع مصادر الغاز حيث يبلغ 20 مليون متر مكعب وسيتم استيراد مليون متر مكعب من الغاز عبر آليات نقل جديدة سيتم الانتهاء منها قريبا، رغم أن هذه الكمية لا تغطي سوى نصف ما تم استيراده من إيران. وأشار إلى وجود خطط لاستيراد الغاز المسال عبر منصات عائمة ومتحركة، حيث تتولى وزارة النفط توفير هذه الكميات، مما يسهل تشغيل محطات توليد الكهرباء بقدرة 4 آلاف ميغاواط، على أن يتم تنفيذ هذه الخطط بحلول حزيران من العام المقبل، كما سيتم مد أنابيب جديدة لربط المنصات بالمحطات الجنوبية لضمان إيصال الوقود اللازم.
ويرى الباحث الاقتصادي علي العامري أن خطة وزارة الطاقة رغم أنها تتضمن إجراءات لتعزيز مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار وشبكات النقل مع الدول الأخرى، إلا أنها تبقى حلولاً جزئية وغير كافية لضمان استقرار المنظومة الكهربائية خلال الصيف المقبل. علاوة على ذلك، يواجه العراق تحديات مالية معقدة قد تؤثر على سرعة تنفيذ هذه المشاريع، فضلاً عن تدهور البنية التحتية التي تعيق التوزيع الأكثر كفاءة. وترى مجلة الإيكونوميست أن المشكلة الحقيقية لا تتمثل في الأزمة الحالية فحسب، بل في فشل الحكومات العراقية المتعاقبة في السنوات الأخيرة في التوصل إلى حلول جذرية من شأنها تقليل اعتماد العراق على الغاز الإيراني، على الرغم من التحذيرات بشأن أخطار الاعتماد على مصدر واحد للطاقة. وبدلاً من الاستثمار في قطاع الكهرباء المحلي وتطوير القدرة الإنتاجية وتشجيع مشاريع الطاقة المتجددة، واصلت الحكومات سياستها في التبعية لإيران، مما جعل العراق رهينة لأي قرار سياسي أو عقوبات دولية تؤثر على الإمدادات.
وساهم الفساد المستشري في قطاع الطاقة بشكل كبير في استمرار الأزمة، حيث تم إهدار مليارات الدولارات على عقود ومشاريع فاسدة لم يتم تنفيذها أو لم تحقق النتائج المرجوة. ولم تؤد هذه السياسة إلى حرمان العراقيين من الخدمات الأساسية فحسب، بل ساهمت أيضاً في دعم الاقتصاد الإيراني على حساب الاحتياجات العراقية، حيث استمر استيراد الغاز والكهرباء من إيران، على الرغم من أن العراق يتمتع بإمكانات كبيرة لإنشاء نظام طاقة مستقل. وعلى هذه الخلفية، أكدت لجنة الطاقة في مجلس النواب العراقي أن الحكومة العراقية لم تتوصل حتى الآن إلى بدائل للغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، وهو ما يؤكد عدم استعداد البلاد للأزمة التي تلوح في الأفق خلال الصيف المقبل. وقال رئيس اللجنة محمد نوري العبد ربه في تصريح صحفي إن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتخذ أي خطوات جادة لإيجاد بدائل للغاز الإيراني، مشددا على ضرورة التحرك العاجل والسريع لإيجاد البدائل، وخاصة إمكانية إنشاء منصة استقبال للغاز تساعد على استيراد الغاز من دول أخرى. وفي الوقت نفسه، فإن "جميع البدائل المتاحة تتمثل في استيراد الغاز الروسي أو القطري أو التركماني". وأكد أن أزمة قطاع الطاقة الكهربائية في ظل انقطاع إمدادات الغاز الإيراني ستعود مع بداية الصيف، مؤكداً أن "صيفاً ساخناً قادم على العراق بسبب أزمة الغاز، ومصير توليد الكهرباء في العراق مرتبط بشكل أساسي بالغاز الإيراني".
· اعتمدت المادة على دراسة معهد الشرق الأوسط في موسكو؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: البابا فرنسيس وعقدة ساكو

العمود الثامن: حلال وحرام !!

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياة بين قذيفتين

العمود الثامن: حقا إنها مؤامرة!!

جِماح الطّائفية.. إلى نوويّة شيعيَّة وسُنيَّة!

العمود الثامن: محنة السودان

 علي حسين أفضل وأغنى رواية عن السودان، تركها لنا مواطن اسمه الطيب صالح ولد في قرية تسمى دبة الفقراء، وأتعس رواية عن خراب الأمم يتركها لنا كل يوم مواطن يحمل جواز سفر بريطاني...
علي حسين

باليت المدى: ترنيمة راقصة

 ستار كاووش يسألني بعض الأصدقاء حول أفكاري وأنا أكتب بلغتين، حيث لي هذا العمود الذي بين أيديكم، والذي يُنشر في جريدة المدى، وعموداً آخر بالهولندية في مجلة أتيليه. هناك تفاصيل كثيرة تجمع بين...
ستار كاووش

العدالة الدولية تحت المطرقة

حسن الجنابي - 4 - ما إن أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، القاضي كريم خان، طلبه الجريء بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، حتى انهالت الهجمات...
حسن الجنابي

أنوار البابا الطيب

هاشم صالح لماذا ننعته بـ«الطيب»؟ لأنه جعل من الانفتاح على الإسلام والمسلمين أحد المحاور الأساسية لعهدته البابوية. وقد لقيتْ مبادراته أصداء واسعة في كلا العالمَين العربي والإسلامي. وربما كانت أجمل صورة سيحتفظ بها التاريخ...
هاشم صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram