ترجمة: عدوية الهلالي
هذه ليست مجرد سيرة ذاتية أخرى، ولا صورة شخصية بالمعنى الدقيق للكلمة. فبعد أطروحة دكتوراه في الأدب حول الجانب السياسي في كتابات رومان غاري، تأثر كيروين سباير بهذا العملاق لدرجة أنه قرر استخدام الأرشيفات التي لا تعد ولا تحصى التي جمعها والمقابلات التي أجراها، في ثلاثة أجزاء، من خلال الحياة والفعل،لاستعادة رجل أكبر بكثير من الحياة لدرجة أنه تجاوز نفسه. يركز المجلد الأول من هذه الثلاثية، الذي يحمل عنوان (السيد رومان غاري، القنصل العام لفرنسا)، والمنشورعام 2021، على رفيق التحرير، الذي دخل الدبلوماسية من الباب الخلفي وتم الاحتفاظ به، على الرغم من أنه غير قابل للتصنيف - فقد ولد في أوروبا الشرقية، وهو فرنسي الجنسية - بحكم ألقابه الحربية في القوات الجوية، وشهادة القانون، وفوق كل ذلك حقيقة أنه يتحدث أربع أو خمس لغات. ثم تزوج من ليزلي بلانش، وهي صحفية إنجليزية، لكنه وقع في حب الممثلة الشابة الصاعدة جين سيبيرج. كان رومان غاري قريبًا جدًا من ديغول، الذي يمثل بالنسبة له شخصية الأب، الذي نشأ منذ ولادته على يد أم عزباء حلمت بأن تكون فنانة عظيمة، ونقلت تطلعاتها إليه كما كتب في روايته "وعد الفجر" حيث تقول له والدته "ستكون بطلاً، ستكون جنرالًا، غابرييل دانونزيو، سفير فرنسا"، "ستكون فيكتور هوغو، الحائز على جائزة نوبل"، "نيجينسكي! ستكون نيجينسكي!"، ثم قرر العودة إلى باريس ليسمح للفنان الشامل الذي لم ينجح حقًا في الازدهار خلال 15 عامًا من حياته الدبلوماسية، على الرغم من نجاح روايته "جذور السماء"، التي توجت بجائزة غونكور في عام 1956، بالتعبير عن نفسه.
ويبدأ الجزء الثاني من ثلاثية كيرفين سباير والذي يحمل عنوان (السيد رومان غاري، الكاتب والمخرج، باريس الجادة السابعة 1960-1970) بالتحديد مع هذه العودة إذ تبدأ الصفحات الأولى برؤية رومان غاري وهو يتجه إلى قصر الإليزيه ليعلن للجنرال ديغول عن نيته الانسحاب وتكريس نفسه للكتابة. ولم يكن ذلك العصر يرحب بالأزواج غير الشرعيين، وكانت جان سيبرغ، التي رافقته في هذه المغامرة الباريسية الجديدة، محط فضول الصحافة الفضائحية. وعلى خلفية طلاق عاصف من ليزلي بلانش، وهي عملية ستستمر لمدة ثلاث سنوات، نرى رومان غاري يعيش مع جان سيبرغ في شقة مزدوجة في شارع دو باك، ويشارك في السينما، ولكن أيضًا في المسرح والرسم، وكل ما يفعله، يفعله بشغف، وإفراط، وعبقرية بلا شك، بما يتسق مع علامته التجارية الخاصة، وفهمه العميق للمجتمع والمجتمع، فضلاً عن روح العصر. وبعد أن أمضى ساعات طويلة في مشاهدة أوتو بريمينغر وهو يصور مع جان سيبيرج، أراد أن يقدم للمرأة التي ستصبح زوجته دور البطولة، في وقت كانت فيه نجوميتها تتلاشى بعد نجاحها في أفلام الموجة الجديدة. لقد تذكر كل ما شاهده، وسجل كل شيء، ويشعر بأنه مستعد للانطلاق في المغامرة السينمائية. وهو، الذي تتسم كتاباته بالطابع البصري، يفكر في اقتباس قصة قصيرة شهيرة بعنوان "الطيور ستموت في بيرو" نشرها في مجلة بلاي بوي قبل بضع سنوات.
ولالتقاط الإثارة التي تحرك رومان غاري طوال هذا المشروع، أجرى كيروين سباير مقابلات مع ميشيل وين وجان بيير كالفون حيث لعب الأخير دور سائق بيير براسور، زوج جان سيبرغ، في الفيلم، بينما كان ميشيل وين، في المجموعة، المدير الفني ومساعد المخرج.ولكن كان الاستقبال النقدي فاترًا. وفي هذه الأثناء، عاد رومان غاري، الذي كان قد وعد لويس جوفيه بمسرحية مصممة خصيصًا له وعمل معه لمدة خمس سنوات لإكمالها، دون جدوى، إلى هذا المشروع بعد وفاة الممثل، والذي أثمر مع (جوني كور)، وهي المسرحية التي استقبلتها الصحافة ببرود مماثل. كما كرّس نفسه للرسم، حيث كان معجبًا بنيكولاس دي ستايل. وبفضل هذا الشغف الأخير، تحولت الشقة الواقعة في شارع دو باك إلى "حظيرة خنازير". كان رومان غاري، الذي يسافر إلى المعارض الفنية لاكتشاف فنانين جدد، يحضر معه صاحب معرض إلى منزله ليعرض عليه أحد أعماله الفنية دون الكشف عن الفنان فيقول له صاحب المعرض "العمل متوسط". وأخيرًا يقرر غاري الاستسلام.
وينتهي هذا الجزء، وتنتهي القصة بموت الجنرال ديغول، لتغلق بذلك حقبة كاملة حيث انفصل رومان غاري بالفعل عن جين سيبرغ، التي انتقلت إلى كلينت إيستوود. وكانت الكلمات الأخيرة، "الولادة من عالم يحتضر..أو الموت معه"، تعلن عن ظهور روايته (إميل أجار) التي يعلن فيها رومان غاري عن شخصيته الحقيقية في الجزء الأخير الذي يحمل نفس عنوان الرواية من الثلاثية النابضة بالحياة والصادرة مؤخرا عن دار غاليمار للنشرحول هذا القط ذو الأرواح المتعددة، إذ يقوم رومان غاري في الرواية بخلق شخصية إميل أجار من الصفر دون الكشف عن هويته الحقيقية طوال حياته. وكان ذلك قبل انتحاره مباشرة في عام 1980 في هذا الكتاب الذي كشف فيه الخداع كله،وقد أكمل غاري هذه المخطوطة في 21 آذار عام 1979 وأرسلها إلى ناشره في يوم وفاته2كانون الأول عام 1980.