بغداد / محمد العبيدي
على وقع الضغوط الأمريكية المتزايدة بشأن استيراد الغاز من إيران، تجد بغداد نفسها أمام تحدٍ كبير لتأمين احتياجاتها من الطاقة، فيما برزت الجزائر كوجهة محتملة، وسط تباين في الآراء حول الجدوى الاقتصادية والتحديات الفنية.
وبعد إلغاء إدارة ترامب للإعفاء الخاص باستيراد الكهرباء، تصاعدت المخاوف من أن يكون إعفاء استيراد الغاز هو التالي، ما يضع بغداد أمام أزمة طاقة محتملة في ظل اعتمادها الكبير على الواردات الإيرانية.
عقبة البنى التحتية
وبينما تبحث بغداد عن بدائل مثل استيراد الغاز المسال من الجزائر، تواجه هذه الخطوة عقبات تتعلق بالبنية التحتية، في المقابل، تلوح في الأفق خيارات أخرى مثل الاتفاق مع تركمانستان أو البحث عن آليات دفع مختلفة مع إيران، لكن جميعها تواجه تحديات قانونية وفنية.
ومؤخرًا ذكر وكيل وزارة النفط لشؤون الغاز، عزت صابر، الحكومة الاتحادية تدرس إمكانية استيراد الغاز من دولتي قطر والجزائر، مشيرًا إلى ان "الوزارة عازمة على إيقاف حرق الغاز المصاحب بحلول عام 2030".
بدورها، نقلت منصة "طاقة" عن مصادر مطلعة أن العراق يجري مفاوضات متقدمة مع الجزائر لإبرام صفقة للغاز المسال، مع مساعي لإنجازها قبل الصيف المقبل.
وأوضحت المصادر أن من المتوقع الإعلان عن الصفقة خلال شهرين بحد أقصى، على أن يبدأ التصدير بمجرد استكمال العراق تجهيز البنية التحتية اللازمة للاستيراد.
ووفقًا للمعلومات، فإن العقد سيكون متوسط الأجل، مع تقديرات بأن تبلغ الكميات نحو مليون طن سنويًا، رغم أن المفاوضات لم تحسم هذه النقطة بشكل نهائي حتى الآن.
ويعمل العراق حاليًا على تجهيز البنية التحتية في ميناء خور الزبير بمحافظة البصرة، من أجل استيراد الغاز المسال، والذي قد يستغرق من 3 إلى 5 أشهر مقبلة، إذ من المقرر التعاقد على منصة عائمة للتفريغ والتخزين، وربطها بأنبوب بطول 40 كيلومترًا، ينقل الغاز من خلال ربطه بالأنبوب الوطني القريب من شط البصرة.
جس نبض ودراسة
بدوره، قال مصدر في وزارة الكهرباء العراقية، إن "الحديث عن مفاوضات متقدمة بين العراق والجزائر بشأن استيراد الغاز المسال ليس دقيقًا بالمعنى الحرفي، بل لا يزال الأمر في مرحلة جس النبض واستطلاع الإمكانيات، أكثر منه مفاوضات رسمية".
وأوضح المصدر الذي طلب حجب اسمه لـ(المدى) أن "العراق يبحث عن خيارات بديلة بعد وقف الإعفاء الأمريكي لاستيراد الكهرباء من إيران، لكن لم يتم الدخول في التزامات رسمية حتى الآن، خاصة وأن هناك عقبات لوجستية وفنية تتعلق بالبنية التحتية لاستيراد الغاز المسال، ما يجعل أي اتفاق مرهونًا بإمكانية تجاوز هذه التحديات خلال الأشهر المقبلة".
وبينما يسعى العراق للحد من اعتماده على الواردات الإيرانية، أبرم في تشرين الأول/أكتوبر 2024 اتفاقًا مع تركمانستان لاستيراد 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا عبر خطوط الأنابيب الإيرانية، لكن تنفيذ الاتفاق تأخر بسبب مشكلات فنية.
مسار معقد
ويُتوقع أن تسلك ناقلات الغاز المسال، في حال إبرام الاتفاق، مسارًا يمر عبر البحر الأبيض المتوسط، ثم قناة السويس، فالبحر الأحمر، ومنه عبر مضيق باب المندب إلى الخليج العربي وصولًا إلى موانئ العراق، ورغم أن هذا المسار يعد الأقصر والأكثر كفاءة، إلا أن تكلفة الشحن قد تكون مرتفعة نظرًا لطول المسافة ومتطلبات النقل والتخزين الخاصة بالغاز المسال.
بدوره، قال الخبير في مجال الطاقة، كوفند شيرواني، إن "الحديث عن استيراد الغاز الجزائري ليكون بديلاً عن الغاز الإيراني ليس خيارًا سهلاً، لجملة أسباب، أهمها التزامات الجزائر مع عدة دول أوروبية".
وأضاف شيرواني لـ(المدى) أن "القرب الجغرافي بين الجزائر والأسواق الأوروبية، إلى جانب ارتفاع أسعار الغاز هناك، جعل من السوق الأوروبية وجهة أكثر ربحية للجزائر، خصوصًا بعد تراجع الإمدادات الروسية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022".
وأكد أن "البعد الجغرافي يلعب دورًا إضافيًا في تعقيد استيراد العراق للغاز الجزائري، حيث أن المسافة الطويلة تجعل كلفة النقل مرتفعة، ما يقلل من جدوى هذا الخيار مقارنة بالأسواق القريبة".
وتتجه غالبية صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا، حيث استحوذت الدول الأوروبية على نحو 97% من إجمالي صادرات الغاز المسال الجزائري في عام 2024، والتي بلغت 11.62 مليون طن.
رحلة شاقة وكلفة باهظة.. هل يصل الغاز الجزائري إلى بغداد؟

نشر في: 20 مارس, 2025: 12:30 ص