TOP

جريدة المدى > سياسية > قانون العفو العام: هل يساهم في تزايد ظاهرة المخدرات في العراق؟

قانون العفو العام: هل يساهم في تزايد ظاهرة المخدرات في العراق؟

• مافيات متنفذة تدير عمليات التهريب والتوزيع بحماية سياسية!

نشر في: 20 مارس, 2025: 12:32 ص

بغداد – تبارك عبد المجيد

بعد عام 2003، عاش البلد فترة مليئة بالتحديات والصراعات، حيث تعرض لعدة موجات من الإرهاب الدموي، تمثلت في التفجيرات والعبوات الناسفة التي ضربت المدن والقرى. لكن في الآونة الأخيرة، بدأ العراق يواجه نوعًا آخر من الإرهاب، أكثر صمتًا وأكثر خفاءً، لكنه لا يقل خطورة على المجتمع: "إرهاب المخدرات". هذه الآفة بدأت تنخر في جسد المجتمع العراقي بشكل غير مرئي، ولكن بتأثير مدمر على المدى البعيد. مستهدفة بذلك الشباب والمراهقين، بما فيهم طلبة الجامعات والمدارس.
وما يثير القلق بشكل أكبر هو أن هذه الشبكات لم تعد ضعيفة أو متسترة. فقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن هذه العصابات تمتلك موارد كبيرة، من بينها السلاح والمال، ما يجعلها قادرة على التمرد ومواجهة قوات الأمن.

"الإفلات من العقاب"!
أمير الدعمي، الخبير القانوني العراقي، يرى أن هذه الظاهرة أصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا، بل ويتساءل كيف يمكن تجاهل خطورة هذا النوع من الإرهاب في الوقت الذي ينقض فيه على مستقبل الشباب العراقي. يقول الدعمي: "العراق تعرض بعد 2003 لنوعين من الإرهاب؛ الأول كان إرهابًا دمويًا عبر التفجيرات والمفخخات، والآخر هو إرهاب المخدرات، الذي يدخل البيوت ويخترق الحياة اليومية بصمت". المخدرات، حسبما يشرح، أصبحت سمة مدمرة للمجتمع، حيث تخترق كل زاوية وتستهدف الشباب بشكل خاص، كما تحولت إلى مظهر من مظاهر العنف غير المباشر الذي لا يتسبب في الدماء، لكنه يدمر الأرواح والعقول.
وفي ظل هذه التحديات، كانت هناك محاولة لمكافحة هذا الإرهاب الصامت من خلال إصدار قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لعام 2017، الذي عمل على تحديد عقوبات للمروجين والمتعاطين. لكن الدعمي يشير إلى أن القانون رغم وضوحه، إلا أنه يحتاج إلى مراجعة وتعديل ليواكب حجم التحدي الذي يواجه المجتمع العراقي. ويرى أن العقوبات الحالية يجب أن تشدد لمواجهة هذا الخطر المتزايد، مشيرًا إلى أن تعاطي المخدرات يمثل تهديدًا مباشرًا لمستقبل الشباب، بينما يعد الاتجار بها جريمة كبيرة تهدد أمان المجتمع بأسره.
ويؤكد الدعمي لـ(المدى)، على ضرورة أن "تكون العقوبات رادعة"، ويقترح أن تصل إلى حد الإعدام في حالات الاتجار بالمخدرات. فالمخدرات باتت تساهم في إفساد المجتمع وتدمير الأجيال القادمة، مما يستدعي عقوبات قاسية لا رحمة فيها. الوقت ذاته يلفت إلى أن هناك تحديًا آخر يكمن في الإفلات من العقاب، حيث تكون بعض القوانين مثل العفو العام أحيانًا سببًا في إطلاق سراح المدانين، مما يضعف من قوة الردع ويؤدي إلى تكرار الجريمة.
ويحذر من وصول المخدرات إلى المؤسسات التعليمية مثل الجامعات والمدارس. فهذه الأماكن التي يُفترض أن تكون بؤرًا للتعليم والمعرفة، أصبحت مكانًا لتفشي هذه الآفة. مما يجعل المخدرات أكثر خطرًا من أي وقت مضى، إذ أنها تستهدف جيل المستقبل في لحظات مفصلية من تطورهم وتكوين شخصياتهم.
أما فيما يتعلق بالتجارة نفسها، فإن الدعمي يشير إلى أن "تجارة المخدرات في العراق ليست مجرد عمليات فردية، بل هناك مافيات منظمة، يحميها رجال نافذون في المجتمع، بعضهم مرتبط بمؤسسات حكومية أو شخصيات سياسية. هؤلاء الأشخاص لا يقتصر دورهم على تسهيل عمليات التهريب والتوزيع، بل إنهم يستغلون هذه التجارة لتحقيق مكاسب مالية ضخمة على حساب صحة وأمن المجتمع العراقي".
ويعاقب قانون المخدرات العراقي رقم ٦٨ لسنة ١٩٦٥ بالسجن لمدة ١٥ عام لمتعاطي المخدرات، بعدها جاء قانون جديد للمخدرات رقم ٥٠ لسنة ٢٠١٧، الذي خفف عقوبة المتعاطي بين سنة وسنتين وغرامة مالية قدرها 10 مليون دينار عراقي، في المادة ٣٢.

منافذ "غير رسمية"!
يقول النائب زهير الفتلاوي، إن "تجارة المخدرات في العراق باتت تشكل خطرًا كبيرًا"، مشيرًا إلى تصاعد الكميات المضبوطة خلال الأعوام الأخيرة، مع تورط جهات سياسية في هذه التجارة غير المشروعة.
وأوضح الفتلاوي، خلال حديثه لـ(المدى)، أن "آخر إحصائية لوزارة الداخلية حتى نهاية عام 2024، كشفت عن ضبط 62,116 حالة من المخدرات والمؤثرات العقلية في مختلف محافظات العراق، تنوعت بين الكوكايين، الكريستال، الكبتاغون، الحشيش، والأفيون"، مبيناً، أن "المشكلة الأكبر تكمن في المنافذ الحدودية، خاصة في شمال العراق، حيث توجد 33 منفذًا غير رسمي تُستخدم لتهريب المخدرات".
يضيف الفتلاوي، أن "إحصائيات الوزارة لعام 2023 أظهرت ضبط 3 أطنان و984 كيلوغرامًا و829 غرامًا من المواد المخدرة، بينما ارتفعت الكمية إلى 6 أطنان و102 كيلوغرام حتى 22 كانون الأول 2024"، لافتًا إلى أن "بغداد بجهتيها الكرخ والرصافة تصدرت المحافظات في عدد الضبطيات، تلتها المثنى، كربلاء، بابل، النجف، ذي قار، ديالى، البصرة، صلاح الدين، ميسان، واسط، الأنبار، الديوانية، كركوك، ونينوى".
ويستدرك قائلاً: "هناك جهات سياسية وأحزابًا تقف خلف هذه التجارة، باعتبارها أصبحت تجارة رابحة"، مؤكدًا أن "مجلس النواب يتحمل مسؤولية كبيرة في تشريع وتعديل قانون مكافحة المخدرات، حيث يجري العمل على تشديد العقوبات".
ينتقد الفتلاوي قانون العفو العام، الذي بدأ العمل به مؤخرًا، موضحًا أنه "سمح بإطلاق سراح متهمين بالإتجار بـ 50 غرامًا من المخدرات، وهي كمية تعادل أكثر من 850 حبة مخدرة"، محذرًا من أن "مثل هذه التشريعات قد تسهم في زيادة تفشي الظاهرة".
ويؤكد على "ضرورة تشديد العقوبات لمواجهة خطر المخدرات، ودعم الأجهزة الأمنية في جهودها للحد من هذه الظاهرة المدمرة".
في ذات السياق، تحذر النائبة نيسان الزاير من تنامي ظاهرة تهريب المخدرات إلى داخل البلاد. وأكدت لـ(المدى)، أن "الحدود مخترقة"، وهو ما يشكل ثغرة تستغلها شبكات تهريب المخدرات لتمرير سمومها إلى الداخل، مشيرة إلى وجود شبهات تواطؤ من بعض الجهات السياسية في تسهيل هذه العمليات الإجرامية.
وفي وصفها لآثار هذه الظاهرة، شددت الزاير على أن خطر المخدرات يفوق في فتكه أي نوع من أنواع الاحتلال، لأنه يستهدف العقول، ويقوّض ركائز المجتمع، ويتسبب في انحدار القيم، وتدمير مستقبل الأجيال الشابة.
كما أوضحت أن عمليات التهريب لا تتم بشكل عشوائي، بل تحظى بدعم وتوصيات من جهات متنفذة، ما يعقّد جهود المكافحة ويزيد من صعوبة التصدي لهذه الآفة التي تتغلغل في جسد الوطن بصمتٍ قاتل.
تشير التقارير إلى أن بعض شبكات تصنيع وتهريب المخدرات ترتبط بجهات داخل كل من إيران وسوريا، مستغلة الثغرات الحدودية لتمرير المواد المخدرة إلى داخل البلاد. ولم يعد نشاط هذه الشبكات مقتصرًا على بيئات معينة، بل امتد ليطال مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك المؤسسات التعليمية كالجامعات والمدارس، مما يعكس اتساع رقعة الخطر وتعمقه في النسيج الاجتماعي.
في هذا السياق، علّق زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر في وقت سابق على هذه الظاهرة، موضحًا أن "المشكلة تكمن في وجود مستفيدين من تجارة المخدرات وأموالها داخل الحكومة وخارجها، مع شديد الأسف"، مشيرًا إلى أن هذه الاستفادة قد تكون مدفوعة بأهداف سياسية أو اقتصادية. جاء ذلك ضمن إجابته على سؤال وُجّه إليه من أحد أتباعه حول تفشي تجارة المخدرات، وذلك في إطار أجوبة المسائل الشرعية المستندة إلى فتاوى المرجع الشيعي.
يقول عصام كشيش، رئيس منظمة التعافي للحد من خطورة المخدرات، أن "ملف المخدرات أصبح اليوم واحدًا من أخطر الملفات التي تحظى باهتمام الدولة"، مشيرًا إلى أنه بات يحتل المركز الثالث في سلم أولويات السلطات بعد ملفي الإرهاب والفساد، ليتقدم بسرعة نحو الصدارة نظرًا لتأثيره المباشر على الأمن المجتمعي والصحة العامة.
يوضح كشيش لـ(المدى)، أن "هناك إجراءات حكومية صارمة وفعالة يجري تنفيذها للحد من انتشار هذه الآفة، نتيجة لذلك ارتفع سعر غرام المخدرات إلى ستة أضعاف"، ما يشير إلى تضييق الخناق على تجار المخدرات وصعوبة إدخال المواد المخدرة إلى السوق المحلي.
كما يلفت إلى انخفاض عدد المتعاطين الذين يترددون على المستشفيات، مرجحًا أن يكون ذلك نتيجة خوفهم من العودة للتعاطي بعد تلقي العلاج، خاصة مع قلة حالات الانتكاس التي كانت شائعة في السابق. ويرى كشيش أن هذا التطور الإيجابي هو نتاج مباشر لتطبيق برامج العلاج الجاد.
وسلط الضوء أيضًا على الدور الكبير الذي أدّته المصحات الإجبارية التي أنشأتها وزارة الداخلية، موضحًا أنها أصبحت بديلاً فعّالًا عن السجون. حيث يُحكم على المتعاطي بقضاء فترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أشهر داخل هذه المصحات بهدف إعادة تأهيله بدلًا من معاقبته جنائيًا، مما ساعد العديد من المدمنين على التشافي واستعادة حياتهم الطبيعية.
وعن أبعاد الظاهرة، يؤكد كشيش أن "ملف المخدرات لا يقتصر على كونه ملفًا أمنيًا أو اقتصاديًا، بل يتعدى ذلك ليحمل أبعادًا سياسية واضحة، خاصة في ظل واقع العراق الجغرافي، المحاط بدول تنتهج سياسات متباينة"، وبيّن أن بعض هذه الدول قد تستخدم تجارة المخدرات كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو لإضعاف خصومها، مستشهدًا باكتشاف معمل لصناعة حبوب الكبتاجون تابع لماهر الأسد في سوريا، كانت تُصدّر منتجاته إلى العراق ودول الخليج.

لماذا تستمر عمليات التهريب؟
ويشير الخبير الأمني سرمد البياتي إلى أن "استمرار تجارة المخدرات في العراق يعود إلى وجود دعم وحماية لتجار المخدرات من قبل جهات معينة"، ويؤكد لـ(المدى)، أن هذه الظاهرة لا يمكن أن تستمر دون وجود أطراف تُساندها وتوفر لها غطاء أمني. من غير الممكن محاربة هذه التجارة ما دام هناك من يساعدها ويمنحها الحماية، وإلا لكان من السهل كشف تجار المخدرات وإيقافهم".
يوضح البياتي أن "الحدود العراقية الطويلة والمعقدة، لا سيما مع إيران وتركيا، تشكل بيئة خصبة لتهريب المخدرات"، مشيرا الى أن "العراق يمتلك 1450 كيلومترًا من الحدود مع إيران و312 كيلومترًا مع تركيا، بالإضافة إلى امتدادات أخرى مع دول الجوار. ومع أن وزارة الداخلية تبذل جهدًا لمحاربة التهريب، فإن صعوبة السيطرة على هذه الحدود المفتوحة يجعل عمليات التهريب مستمرة".
ورغم أن الحدود مع سوريا كانت في الماضي المصدر الأكبر للمخدرات، يرى البياتي أنها أصبحت اليوم أقل خطورة مقارنة بمصادر أخرى. وفي هذا السياق، يشدد على أن ملف المخدرات يتطلب إجراءات أمنية حاسمة، بعيدًا عن المجاملات السياسية، لاسيما أن هذه التجارة تُهدد الشباب العراقي وتنعكس سلبًا على المجتمع بأسره.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"الانفصال الشيعي" في العراق: خطة طهران لتجنب "سيناريو الأسد"

فصائل "بلا أب".. رسائل باحتمال ضرب طهران بعد "الحوثيين"

«مسدس ترامب» يثور على «الحوثيين».. هل تعود «وحدة الساحات»؟!

ما الذي يؤخر إقرار جداول موازنة 2025؟

"عبادة النواب" في رمضان تكلف الدولة نحو 3 مليارات دينار.. والبرلمانيون الشيعة لا يسافرون!

مقالات ذات صلة

سياسية

"عبادة النواب" في رمضان تكلف الدولة نحو 3 مليارات دينار.. والبرلمانيون الشيعة لا يسافرون!

بغداد / تميم الحسن يقضي "النواب" إجازة رمضان "المخترعة" بالسفر وإجراء زيارات لعوائلهم في دول عربية وغربية، فيما أغلب نواب الشيعة "محاصرون" في الداخل! وقرر "النواب"، في وقت يتوقع فيه أن تهاجم إسرائيل العراق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram