TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: البصرة في جذع النخلة.. الطالقاني على الكورنيش

قناطر: البصرة في جذع النخلة.. الطالقاني على الكورنيش

نشر في: 23 مارس, 2025: 12:13 ص

طالب عبد العزيز

يوعز أحدُ محبي لعبة كرة القدم نتيجة التعادل بين فرقي العراق والكويت الأخيرة بملعب جذع النخلة الى أنَّ أعضاء الفريق العراقي كانوا يلعبون وعيونهم مشبوحة الى أحد مداخل الملعب باحتمال دخول أحد الجماعات المسلحة عليهم! وأنهم لعبوا تحت ارباك وانهيار نفسي وعصبي بسبب تصريحات الخطباء من مثل الطالقاني والصافي، بما جعلهم يعيشون لحظات رعب حقيقية، وأنَّ نتيجة التعادل ما كانت لتحصل لولا التهديدات تلك.
هؤلاء الذين ينظرون الى الحياة من خرم وسخ في عقولهم لماذا لا يدعوننا نعيشها كما أرادها الله لنا؟ ومن نصَّبهم أولياء على عباد الله، ولماذا لا يأخذون بأيدي فقرائنا المساكين، من أتباعهم، الذين يظنون بهم ظنَّ الصلاح للأسف الى جادة الخير والسلام؟ ألا يكفي أنَّ بينهم من فقد أباه في حرب الثمانينات، ومن فقد شقيقه وابنه في حروب الطوائف، ومن فرَّ بجلده الى بلاد الغربة، مرعوبا من البنادق والسكاكين، وهو يئن شوقاً لللقائه اليوم؟ ألا يكفي أننا في الدرك الأخير بسلم الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، ألا يكفي أنَّ بنادقنا تثور يومياً لتقتلنا في حروب القبائل التي كانوا ومازالوا من أقبح أسبابها؟
يسود الخطاب المظلم والمحرّض على الكراهية لأنَّ لا أحد يتصدى له. لم يشهر الطالقاني بندقية في العلن لكنَّ خطابه يمثل صورة الرعب التي تلفُّ الحياة العراقية، في الوسط والجنوب، القنبلة الموقوته التي يريد تفجيرها بين البصريين، وما دعوته واجتماع المُضَللين به في كورنيش شط العرب إلا لشقِّ المجتمع البصري الى فريقين، بحسب توصيف المحافظ أسعد العيداني: فريق جذع النخلة الذي يحبُّ كرة القدم وفريق الكورنيش الذي يحبُّ الامام علي! لتبدو الصورة أن ليس بين من ذهب الى الملعب محبٌّ لعلي بن ابي طالب، أو من كان جندياً، ذهب وقاتل داعش وانتصر للحياة! هل هناك أقبح من هذا المشرط الذي يوغل في الجسد العراقي تقطيعاً، ولماذا لا يجد الطالقاني وأمثاله حياتهم ومجدهم إلا في الخطاب المريض هذا؟ ترى هل سيكون سعيداً لو أنَّ الشيعة الذين تجمعوا حوله في الكورنيش قاتلوا الشيعة الذين ذهبوا الى ملعب جذع النخلة؟
ثم متى وصفت البصرة بالصورة التي يقول فيها بأنّها شيعية علوية؟ ومتى كان البصري متطرفاً في دينه، بل متى كانت البصرة شيعيةً؟ ولماذا يغمط حقَّ سكانها من أهل السنة والمسيحيين والصابئة، ولماذا يغمط حقَّ الشيعة من غير الأصوليين أتباع مرجعيات النجف، أيعرف شيئاً عن عدد أبناء الطائفة الشيخية أو الإخبارية، وكلهم بصريون، ثم وماذا عن القوى المدنية والنخب الثقافية والاقتصادية والعلمية والفكرية والليبرالية ووو التي لا تدين بالولاء لهذا الخطاب الكريه، الذي يلغي التنوع والحق في المواطنة والعيش الكريم الآمن تحت قواعد الحرية لا تحت ظلال البنادق والتهديد والوعيد. ليست البصرة كالنجف وكربلاء والكاظمية وسامراء هي مدينة ككل مدن الموانيء في العالم، منفتحة، مدنية، متسامحة، متعددة الاديان والثقافات والعادات واهلها طيبون، نعم طيبون لكنّْهم يبغضون الخطاب الطائفي. فيا خطباء التطرف: اتركوا البصرة لاهلها وارحمونا من خطاب الكراهية والتخلف والجهل والحزن الدائم. كانت مدينة الفرح والشعر والموسيقى والغناء والعلم والمدنية قبل أنْ تطأها أقدامكم.
لعل أجمل ما قرأت هي كلمة الشيخ مزاحم الكنعان التميمي، زعيم أكبر قبيلة في البصرة، الذي لا يستطيع أحدٌ أن ينكر عليه اسلامه وتشيعه ووطنيته وبصريته وشجاعته وهو يقف مناصراً قوياً شجاعاً لمحافظ المدينة أسعد العيداني في تصديه لما قاله الطالقاني: "أدافع وأدعم أسعد لأنه بصري شجاع، يتقدم الصفوف، ويقتحم بأهله الصعاب من دون توقف. لم يسمح لنفسه أن يكون مقودا لغير البصريين". والاشارة واضحة الى الطالقاني النجفي البريطاني، الذي لا يفهم طبيعة المجتمع البصري.
يكتب مدونون في المواقع بأنهم لم يسمعوا الطالقاني متصدياً لسرقة القرن وعرابها نور زهير، والذين معه، في بغداد والنجف وكربلاء، هو الذي كان يقيم في مجلسه في مسجد بالفاو، ليس بعيداً عن واحدٍ من أشهر أماكن الفساد في العراق! ولم يقل كلمة في نقد قانون العفو الذي أخرج الفاسدين وأبقى المظلومين؟ وليس له كلمة في مواكب وارتال المسؤلين و الفاسدين من رجال الأعمال المضللة؟؟
في الحقيقة نقول: مؤسف اختفاء رجالات البصرة، من مثقفين وكتاب وشعراء ورجال دين وسياسيين وفنانين، ومعيب عليهم مكثهم الطويل في الصفوف الخلفية، هؤلاء الذين يتوجب عليهم الوقوف الى جانب أسعد العيداني والشيخ مزاحم ورهط البصريين الشجعان، أصحاب الرأي والمشورة والفكر المديني، الذين يتوجب عليهم قول كلمة الحق، نصرةً للبصرة، المدنية التي كانت ترفل الدنيا بذكر اسمها..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. فالح ياسين عبود

    منذ 1 شهر

    دعونا نعيش بسلام

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: البابا فرنسيس وعقدة ساكو

العمود الثامن: درس بارزاني

22 عاماً بين "جمهورية الخوف" و"دولة المافيا"

العمود الثامن: حلال وحرام !!

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياة بين قذيفتين

العمود الثامن: حلال وحرام !!

 علي حسين اقرأ في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خطب ثورية تتهم الحكومة "بالانبطاح" لأنها اطلقت سراح احمد العلواني المتهم بقتل أحد افراد القوات المسلحة عام 2013، والغريب ان معظم المعترضين ينتمون الى جهات...
علي حسين

قناديل: ميراثُ (يوسا) أكبر من رواية وسياسة

 لطفية الدليمي لا أحبُّ المراثي والمقالات التأبينية. كلّما سمعتُ بخبر رحيل شخصية ذات مثابة عالية في أيّ نشاط معرفي أو إبداعي كان هذا الرحيل إيذاناً بمعاودة التفكّر المديد في هذه الثنائية الغريبة للحياة:...
لطفية الدليمي

التغيرات المناخية وتداعياتها في العراق.. واقع صارخ ومعالجات متعثرة

د. كاظم المقدادي (1) العراق من البلدان الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية الكبيرة والمتسارعة، التي يشهدها العالم، والتي تحولت الى واحدة من أخطر المشكلات البيئية الساخنة عالمياً. وإودراكاً لخطورتها، إعتبرتها الأمم المتحدة قضية مصيرية، منبهة...
د. كاظم المقدادي

"النظام السياسي" في العراق وإنهيار أسعار النفط؟

دعماد عبد اللطيف سالم هذا المقال يُحاوِلُ (بإيجازٍ شديد) تقديمَ "وجهة نظر شخصيّة" لتحليل " الميكانزمات –الآليات" التي يعمل بها الريع النفطي بشكلٍ خاص، و"الفائض الاقتصادي الفعلي" الذي تهيمن عليهِ "الدولة" الريعية بشكلٍ عام،...
د.عماد عبد اللطيف سالم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram