TOP

جريدة المدى > سياسية > غياب الرقابة المستقلة يٌفقد مفوضية حقوق الإنسان استقلالها في العراق

غياب الرقابة المستقلة يٌفقد مفوضية حقوق الإنسان استقلالها في العراق

تغليب المصالح السياسية على المبادئ الدستورية 

نشر في: 23 مارس, 2025: 12:52 ص

بغداد/ تبارك عبد المجيد

تشهد المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق شللًا وظيفيًا منذ عام 2021 بسبب غياب مجلس المفوضين، ما أفقدها استقلالها، خاصة مع إدارتها حاليًا من قبل جهة تنفيذية. هذا الوضع أثار تحذيرات من احتمال تراجع تصنيفها الدولي، وسط دعوات للإسراع في تشكيل المجلس.
في المقابل، يُنتقد المشهد العام لهيئات الدولة الرقابية بوصفه خاضعًا للمحاصصة السياسية، في ظل تصاعد الانتهاكات وغياب المساءلة.
ويقول عمر العلواني، رئيس مؤسسة "حق" لحقوق الإنسان، إن "تصنيف المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق بات مهددًا بالتراجع من الدرجة (A) إلى الدرجة (B)، وهو ما يمثل مؤشرًا سلبيًا على مكانة العراق الدولية في مجال حقوق الإنسان".
وأوضح العلواني لـ(المدى)، أن "المفوضية، باعتبارها مؤسسة مستقلة وفقًا لقانونها الخاص، كانت مصنفة ضمن أعلى التصنيفات الدولية بفضل امتثالها لمبادئ باريس. لكن هذا الوضع تغيّر بعد أن أصبح مجلس المفوضين شاغرًا منذ أكثر من عام، مما أدى إلى فقدان المفوضية لأحد أهم عناصر استقلالها".
وبيّن أن "الحكومة العراقية كانت قد أصدرت قرارًا بتكليف وزير العدل بإدارة المفوضية، بعد تعذر تشكيل مجلس المفوضين"، وهو ما اعتبره خطوة خطيرة تهدد استقلالية المفوضية، قائلاً: "من غير المنطقي أن تدار مؤسسة رقابية مستقلة من قبل جهة تنفيذية من المفترض أن تخضع لرقابتها، خاصة وأن وزارة العدل معنية بملفات مثل المحاكمات والتعذيب، ما يستدعي وجود جهة رقابية مستقلة تتابع أداءها".
وأشار العلواني إلى أن "تدخل وزير العدل في تفاصيل العمل الإداري اليومي للمفوضية أدى إلى تعقيد الإجراءات، وتعطيل العديد من الأنشطة"، مضيفًا: "حتى دعوات الحضور إلى ندوات أو فعاليات تحتاج موافقة كتابية من الوزير، ما يعني أن المفوضية فقدت قدرتها على التحرك بحرية".
وشدد العلواني على أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى خفض تصنيف المفوضية في المراجعة الدورية المقبلة، مما يضع العراق أمام تحدٍ دولي كبير، ويدعو إلى ضرورة إعادة تشكيل مجلس المفوضين لضمان استعادة استقلال المفوضية، وحماية موقع العراق ضمن منظومة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
من جانبه، قال المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان، سرمد سعيد البدري، إن "غياب مجلس المفوضين أثر بشكل مباشر على عمل المفوضية، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات الإدارية والمالية، والتزاماتها الدولية". وأوضح أن هذا الغياب يعود إلى تأخر مجلس النواب في تسمية أعضاء المجلس، على الرغم من التطمينات السابقة بهذا الخصوص.
وأشار البدري في حديث لـ(المدى)، إلى أن "اللجنة المختصة في مجلس النواب، المكلّفة بترشيح أعضاء مجلس المفوضين، تضم ممثلين عن الكتل السياسية، وجهات حكومية وبرلمانية، ومؤسسات من المجتمع المدني. وقد شهدت هذه اللجنة تصفية كبيرة لعدد المرشحين، حيث تم تقليصهم من آلاف إلى عدد محدود، ما يشير إلى تقدم في العملية، رغم البطء الواضح".
وفي ظل غياب مجلس المفوضين".
وأوضح البدري أن "المفوضية تُدار حاليًا من قبل وزير العدل، بموجب تكليف من مجلس الوزراء، كما سُبق ذلك بتكليف رئيس ديوان الرقابة المالية لإدارة الجوانب المالية والإدارية. وقد تم اتخاذ هذا الإجراء كحل مؤقت لحين تسمية المفوضين الجدد".
وتحدث البدري عن تصنيف المفوضية ضمن الفئة (A) من قبل التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وهو تصنيف يُعد امتيازًا مهمًا، حيث يتيح للمفوضية المشاركة والتصويت في المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وأشار إلى أن العراق عضو في منتدى آسيا والمحيط الهادئ التابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وهذا يعزز من موقعه الدولي في مجال حقوق الإنسان.
وأضاف أن هذا التصنيف يخضع للمراجعة الدورية كل أربع إلى خمس سنوات، وقد عُقدت جلسة تقييم في تشرين الاول الماضي، ناقشت جملة من الملاحظات أبرزها ضرورة الإسراع بتشكيل مجلس المفوضين وإصدار التقارير الرسمية للمفوضية، والتي لم تُصادق حتى الآن لغياب الجهة المختصة بالمصادقة.
وختم البدري بالقول إن "المفوضية مستمرة في العمل والتنسيق مع الجهات المحلية والدولية، لكن استمرار غياب مجلس المفوضين يعرقل المصادقة على التقارير الرسمية الخاصة بوضع حقوق الإنسان في العراق منذ عام 2021، ما قد يؤدي إلى فقدان تصنيف المفوضية خلال جلسة المراجعة المقبلة في تشرين الاول 2025".
ودعا مجلس النواب ولجنة الخبراء إلى الإسراع بتسمية المرشحين لمجلس المفوضين، مؤكدًا أن هذه الخطوة تمثل انطلاقة جديدة للمفوضية، وتعزز من صورة العراق كدولة ديمقراطية تحترم التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
تقول ريزان الشيخ دلير، النائبة السابقة، إن "مفوضية حقوق الإنسان المستقلة قد انتهت مهامها منذ عام 2021 بقرار من مجلس النواب العراقي، وحتى الآن لم يتم اختيار الأعضاء الجدد. وبالتالي، لا توجد مفوضية مستقلة لحقوق الإنسان في العراق في الوقت الحالي".
وأضافت دلير في حديث لـ(المدى)، أن "هناك فقط دائرة تتبع وزارة العدل، ويشرف على هذه الدائرة مديرها الذي يشغل منصب وزير العدل".
وبحسب زيارات وزير العدل الأخيرة، فإن "الوضع في العراق بشكل عام يتطلب إصلاحات عاجلة في هذا المجال".
كما أضافت أن "إقليم كردستان لديه مفوضية مستقلة لحقوق الإنسان التي تقوم بزيارات ميدانية للسجون ومراكز الاحتجاز. أما خارج الإقليم، فالحكومة المركزية تسيطر على هذه الدائرة".
ويذكر المحلل السياسي، محمد زنكنة أن "الحديث عن استقلالية المؤسسات في العراق، بما فيها المفوضية العليا لحقوق الإنسان، لا يعدو كونه شعارات، إذ أن الواقع يعكس خضوع هذه المؤسسات للمحاصصة الحزبية والتوازنات السياسية الضيقة".
وأوضح زنكنة لـ(المدى)، أن "القضاء، الذي يُفترض أن يكون أحد أركان الدولة المستقلة، كثيرًا ما يُستغل لإصدار قرارات تتناقض مع الدستور، خصوصًا في ما يتعلق بإقليم كردستان، ما يعكس تغليب المصالح السياسية على المبادئ الدستورية وروح الدولة الاتحادية".
وأضاف أن المفوضية العليا لحقوق الإنسان، إلى جانب العديد من الهيئات المستقلة الأخرى، تم تسييسها من خلال تقاسم المناصب بين الأحزاب النافذة، حيث يتم توزيع المؤسسات ذات الطابع الرقابي والحقوقي على جهات سياسية غير فاعلة في المشهد العام، بينما تُمنح المؤسسات ذات الطابع المالي أو التنفيذي للأحزاب الكبرى، ضمن صفقات تبادل المنافع.
وأشار زنكنة، إلى أن "هذا التراجع في استقلالية المؤسسات يترافق مع مشهد أوسع من الانتهاكات، كوجود اعتقالات عشوائية، وعمليات تعذيب داخل السجون، وانتشار الرشاوى، وتهديدات بالقتل تطال المعارضين للميليشيات المسلحة، التي قال إنها تمارس دورًا سياسيًا وعسكريًا يفوق سلطة الدولة".
وفي حديثه عن الوضع الحقوقي، أشار إلى استمرار العمل بقانون مكافحة الإرهاب (4 إرهاب)، الذي يُستخدم – بحسبه – كأداة لاعتقال من لا يتوافق مع "مزاج" القوى المهيمنة، مشيرًا إلى حالات تهجير قسري لا تزال قائمة، من بينها سكان الطارمية وجرف الصخر، إضافة إلى المسيحيين وسكان سهل نينوى، حيث اتهم جماعة "ريان الكلداني" بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وحذر زنكنة، من أن استمرار هذا الوضع قد يدفع إلى إجراءات دولية أكثر حدة ضد الحكومة العراقية، في ظل تصاعد الانتهاكات وتراجع تصنيف العراق على مؤشرات حقوق الإنسان عالميًا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

رسمياً بغداد خارج "محور المقاومة".. وأمريكا تريد "صفر إيران" في العراق

اليونسيف: ملايين العراقيين يواجهون صعوبة بالحصول على مياه صالحة للشرب

مجلس ديالى يسحب الثقة من رئيسه مجدداً

تقرير ألماني: العراق يسعى لتنويع مصادر اقتصاده عبر قطاع السياحة

تحت سيطرة الفصائل.. سنجار خارج السيادة العراقية!

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

رسمياً بغداد خارج
سياسية

رسمياً بغداد خارج "محور المقاومة".. وأمريكا تريد "صفر إيران" في العراق

بغداد/ تميم الحسن تعمل بغداد على "ثلاثة خطوط" لتجنب ضربات إسرائيلية محتملة، بحسب وزارة الخارجية العراقية. ويكشف سياسي عراقي عن فحوى رسائل أمريكية "غير قابلة للتفاوض" أُرسلت إلى بغداد، منها قطع التمويل عن "الحوثيين"....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram