علي حسين
منذ أن اعترف المرحوم أفلاطون بأنّ العدالة هي حكم الأكثر كفاءة، والناس يبحثون عن أصحاب الكفاءات الذين يملأون الأرض منجزاً وصدقاً، وليس عن أصحاب الخطب والمواعظ والشعارات. وكما أخبرنا صاحب الجمهورية يوماً، أن الدولة وجدت لتوفير حياة مرفّهة وآمنة لمواطنيها، وأن تكون هناك حياة كريمة، يتوفر لها مواطنون شجعان. وتذكر جنابك أنّنا في بلاد الرافدين حرفنا كلمة تنمية إلى كلمة "شطارة" وكنا سنصفق لو ان "الشطارة" تخدم البلاد، ولكنها شطارة زائفة تسامح السارق والانتهازي وتُنزل العقاب بكل من يطالب بإقامة دولة العدالة الاجتماعية، لأنه يريد تخريب المجتمع.
تسقط الدول والانظمة حين يختلّ فيها ميزان العدالة، فالقانون في الأمم المتحضرة هو عنوان التوازن في العلاقة بين الحاكم والناس، فالـمالك الدائم للبلاد هو المواطن، أما المسؤول فهو صاحب وظيفة ذات مسؤولية محددة وواضحة هي: الحماية من الخلل في كل أبواب العمل، في العدل أولًا، وفي معيشة الناس ثانيًا، لأنّ بهذين العدلين وحدهما تستقيم العلاقة بين المسؤول والمواطن.
تنشغل دول العالم التي تحترم العدالة باخبار الحكم على المسؤولين الكبار لانهم استغلوا مناصبهم، وهي تهمة مضحكة في بلاد الرافدين التي كان فيها حمورابي أباً للقانون، فماذا تعني تهمة استغلال النفوذ ونحن نرى ونسمع عن الاستغلال في كل مفاصل الدولة، وأن "حيتان" ما بعد 2003 لم يتركوا مجالاً دون أن يستغلوا نفوذهم فيه، هم وأقاربهم وأحبابهم؟
منذ أن قررت النائبة عالية نصيف استخدام الصوت العالي في الصفقات والمقاولات ، ونوابنا الأفاضل السابقون منهم واللاحقون، مصرون على تحويل قاعة البرلمان إلى سوق تعرض به الصفقات.
في سجل العدالة العراقية أخبرنا السيد هادي العامري انه وقادة البلاد اقاموا نظاما عادلا وشريفا، وقد افهم العدالة على طريقة السيد العامري، لكني لا افهم معنى النظام الشريف الذي لا يزال الملايين فيه يعيشون على حافة العوز .
يعرف السيد هادي العامري ان الازدهار والتنمية والعدالة لا مكان لها في ظل سياسيين ومسؤولين يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الإيمان بأنه لا خيار أمام الناس سواهم.. لأنهم وحدهم يملكون القوة والحزم، يخيفون الناس، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضا في توزيع الفشل على الناس.. أوهام كثيرة يصر البعض على ترويجها من أن العراق لا ينفع معه سوى ساسة يعتقدون أن الاقتراب من قلاعهم جريمة، أدركت الشعوب أن الحل في دولة مؤسسات يديرها حاكم إنسان وليس " قائد ضرورة " .. يكتب روسو عام 1778 وهو يخط الصفحات الأخيرة من الاعترافات: "الحاكم الفاشل لا ينتج سوى الخواء والفوضى والاضطراب، ولا يعطي مواطنيه سوى الفشل والظلم وذل العوز" .