بغداد/ محمد العبيدي
يرصد مختصون تصاعدَ نشاط الجيوش الإلكترونية في العراق مع حلول الموسم الانتخابي، حيث بدأت حملات ممنهجة تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، مستهدفة شخصيات سياسية ومرشحين مستقلين، إذ لم يعد الأمر يقتصر على الترويج للمرشحين أو الدفاع عنهم، بل تحوّل إلى ساحة قتال رقمية تستخدم فيها الإشاعة والتسقيط والتضليل كسلاح أول.
وتنشط حسابات وهمية بأسماء وصور مزيفة لتوجيه الرأي العام بحسب أجندة الجهة التي تقف خلفها، وتُدار هذه الحسابات – وفق مختصين - من غرف عمليات سرية ترتبط مباشرة بأحزاب أو جهات سياسية متنفذة، بعضها يموَّل بميزانيات كبيرة لتشغيل فرق كاملة تعمل على مدار الساعة.
وتستهدف الحملات الإلكترونية المرشحين الذين يبدون تهديدًا حقيقيًا لخصومهم، خاصة المستقلين الذين لا يملكون أجهزة إعلامية أو دفاع إلكتروني، حيث تنهال عليهم حملات التشكيك والطعن في نزاهتهم أو حياتهم الشخصية.
تحرك نيابي
وتلجأ بعض الكيانات السياسية إلى التلاعب بالمعلومات عبر تقارير مفبركة أو تسريبات غير دقيقة، يتم تضخيمها إلكترونيًا ثم تدويرها في وسائل إعلام مقربة، لتبدو كأنها وقائع مؤكدة، وهو ما يجعل الناخب ضحية لآلة ترويج لا يمكن التحقق من مصادرها بسهولة.
بدوره، قال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي البنداوي، إن "هذه الظاهرة باتت مقلقة، إذ إن بعض الشخصيات السياسية أو الأحزاب تحشد أنصارها وتدفعهم إلى إدارة عشرات الحسابات المزيفة، بهدف التأثير على الناخبين من خلال الترويج لأفكار معيّنة أو إثارة الشكوك حول مرشحين منافسين، لافتًا إلى أن "ما يُنشر قد يبدو صائبًا أو مقنعًا، لكنه في جوهره مزيف ولا يمثل الرأي العام الحقيقي، بل يعكس فقط توجه الجهة التي تدير تلك الحملة".
وأضاف البنداوي لـ(المدى) أن "لجنة الأمن والدفاع تتابع هذا الملف عن كثب، خاصة وأن قانون الجرائم المعلوماتية يتضمّن بنودًا تتعلق بهذا النوع من الأنشطة، كما أن لدينا معلومات مؤكدة تفيد بأن بعض الأفراد يمتلكون أكثر من مئة حساب وهمي يستخدمونها في شن حملات منسقة".
وحذّر البنداوي من أن "استمرار هذه الفوضى الرقمية قد يؤدي إلى تضليل الناخبين وتشويه العملية الانتخابية، ما يوجب ضبط هذا النشاط ومراقبته بشكل صارم لضمان بيئة انتخابية نزيهة تعبّر عن الإرادة الشعبية الحقيقية".
سخرية وهجوم
وتتخذ بعض الصفحات المموّلة طابعًا ساخرًا أو هجوميًا لتقليل كلفة التشويه من جهة، وتوسيع انتشار المحتوى من جهة أخرى، حيث يتداول المستخدمون هذه المنشورات ظنًا منهم أنها فكاهية، بينما تكون جزءًا من حملة ممنهجة مدفوعة الثمن.
وتُستخدم تقنيات متقدمة في تحليل تفاعل الجمهور وتوجيه الحملات، حيث تعتمد الجيوش الإلكترونية على الذكاء الاصطناعي لتحديد أكثر المواضيع تداولًا، ثم تضخ فيها المحتوى السياسي الموجّه بشكل يخدم مصالحها، ما يمنحها قدرة على التأثير بأضعاف ما تملكه الحملات الانتخابية التقليدية.
ويؤكد خبراء عن تورط شخصيات وشركات في تأجير صفحات، أو بيع بيانات لمستفيدين سياسيين، مستغلين غياب الرقابة التشريعية، وعدم وجود قانون صارم يحدد آلية إدارة الدعاية الانتخابية الرقمية أو يعاقب على الإساءة أو التضليل.
بدوره، أكد المختص في الشأن الانتخابي أحمد العبيدي أن "تصاعد نشاط الجيوش الإلكترونية مع اقتراب موعد الاقتراع يمثل تهديدًا مباشرًا لعدالة المنافسة الانتخابية"، مشيرًا إلى أن "بعض الجهات السياسية بدأت تعتمد بشكل متزايد على الحملات الرقمية المضللة بدلاً من البرامج الانتخابية الواقعية".
وأضاف العبيدي لـ(المدى)، أن "مفوضية الانتخابات مدعوة للتحرك العاجل من خلال رصد ومتابعة السلوك الانتخابي على المنصات الرقمية، بالتعاون مع الجهات المعنية في الأمن السيبراني، لضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين ومنع انحراف المسار الانتخابي نحو الفوضى".
ويشكو غالبًا مرشحون من تعرّضهم لهجمات إلكترونية شرسة، مؤكدين أن الخصوم يديرون منصات تضليل تشتري الإعلانات من منصات خارجية، وتروّج معلومات كاذبة يصعب إيقافها، في ظل ضعف البنية القانونية التي تحكم هذا المجال.
وتنذر هذه المعطيات بانتخابات غير متكافئة، حيث تسود فيها فوضى إعلامية إلكترونية، ويختلط فيها الصوت الحقيقي للمرشح بالضجيج المفتعل.
المعركة تبدأ مبكراً.. "جيوش إلكترونية" تدخل السباق الانتخابي وحملات تغزو مواقع التواصل

نشر في: 25 مارس, 2025: 12:05 ص