TOP

جريدة المدى > سياسية > الوزير والبرلماني يتجولان بحمايات مسلحة في الشوارع.. كيف نثق بقدرة الدولة على حصر السلاح؟

الوزير والبرلماني يتجولان بحمايات مسلحة في الشوارع.. كيف نثق بقدرة الدولة على حصر السلاح؟

الفوضى أسست لثقافة القتل

نشر في: 25 مارس, 2025: 12:08 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة العراقية إعلان حملاتها لحصر السلاح بيد الدولة، يرى مراقبون أن هذه الجهود تصطدم بواقع أمني هش، تعجز فيه مؤسسات الدولة عن مواجهة السلاح المنفلت فعليًا. وكأن الحديث عن سلاح بيد الدولة أصبح أمنية بعيدة عن الواقع، خاصة في ظل استمرار نفوذ الفصائل والجماعات المسلحة التي تمتلك ترسانات تفوق إمكانيات الأجهزة الأمنية.
وتجسد حادثة مقتل صحفي وسط العاصمة بغداد، وفي وضح النهار، نتيجة مشاجرة بسيطة، واحدة من أبرز مظاهر الفوضى التي يسببها غياب الردع الحقيقي وتفشي ثقافة استخدام السلاح لأتفه الأسباب. ويُحذّر خبراء من أن تجاهل جذور الأزمة، المتمثلة في غياب هيبة الدولة وضعف تطبيق القانون على الجميع، يجعل من حملات نزع السلاح مجرد إجراء شكلي، ما لم تقترن بإرادة سياسية شجاعة لكسر سطوة السلاح خارج إطار الدولة.
ويقول اللواء الحقوقي منصور علي سلطان، مساعد وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة وسكرتير ومقرر اللجنة الوطنية لحصر السلاح بيد الدولة، أن عملية شراء الأسلحة عبر المنصة الرسمية لا تزال مفتوحة، إلا أنه لم يقدم أي مواطن بطلب الشراء حتى الآن، رغم التسهيلات المقدّمة من خلال منصة (أور) التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وفي حديثه لـ(المدى)، أوضح اللواء سلطان أن جهود تسجيل الأسلحة داخل المنازل مستمرة، مشيرًا إلى أن عدد من قاموا بتسجيل أسلحتهم بلغ حتى الآن أكثر من 35 ألف رب أسرة، مع استمرار العملية حتى نهاية العام الجاري (31/12/2025).
كما لفت إلى ضبط أكثر من ألف قطعة سلاح غير مرخصة خلال عام 2024، بالإضافة إلى استعادة الأسلحة التي كانت قد سلّمت إلى العشائر في ظروف سابقة، وسحب أكثر من 32 ألف قطعة سلاح متنوعة من وزارات مدنية، ضمن إطار إعادة تنظيم السلاح داخل مؤسسات الدولة. وبيّن سلطان أن الأجهزة الأمنية مستمرة أيضًا في ضبط ملايين من الاعتدة ومئات الصواريخ والقنابل غير المنفلقة، في عمليات نوعية متواصلة.
وفي جانب آخر من الجهود، شدد اللواء سلطان على مواصلة القوات الأمنية مكافحة ظاهرة "الدكة العشائرية" وإطلاق العيارات النارية العشوائية، والتي تشكّل تهديدًا مباشرًا لأمن المواطنين، فضلًا عن إغلاق محال بيع السلاح غير المرخصة، واتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد مروجي العنف عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأكد أن كل هذه الخطوات تأتي ضمن استراتيجية وطنية شاملة تسعى لحصر السلاح بيد الدولة، داعيًا المواطنين إلى التعاون مع القوات الأمنية والمساهمة في إنجاح الحملة، التي وصفها بأنها أساس لضمان أمن المجتمع وبناء دولة القانون.
كما وجّه سلطان دعوة لوسائل الإعلام للاضطلاع بدورها في دعم جهود اللجنة الوطنية لحصر السلاح، من خلال توعية المواطنين، والتأكيد على أهمية اغتنام هذه الفرصة لإعادة ضبط المشهد الأمني بما يضمن أمان المواطن واستقرار البلاد.
بدروه، يقول المحلل السياسي أحمد الحمداني أن "ملف السلاح المنفلت في العراق ما زال واحداً من أخطر التحديات التي تواجه الدولة"، مشيراً إلى أن "جهود حصر السلاح بيد الحكومة لم تحقق نتائج فعلية بسبب ضعف مؤسسات الدولة، وارتباطها العميق بمصالح الأحزاب والفصائل المسلحة".
وأشار الحمداني إلى أن "الحديث عن سلاح بيد الدولة، يبدوا أقرب إلى الأمنية منه إلى الواقع"، موضحاً أن "الدولة تعاني من “هشاشة في العظم، وهشاشة في التفكير، وهشاشة في اتخاذ القرار"، على حد وصفه، وهو ما يجعل مؤسساتها عاجزة عن فرض القانون أو اتخاذ خطوات حاسمة تجاه الميليشيات والجماعات المسلحة.
وأوضح لـ (المدى)، أن المواطن العراقي في كثير من الأحيان لا يمتلك خياراً سوى اقتناء السلاح لحماية نفسه، في ظل الانفلات الأمني، وغياب دولة حقيقية قادرة على حمايته. وقال: حتى المواطن البسيط، الذي يطلب منه أحدهم مبلغاً من المال، يشعر أنه بحاجة إلى سلاح في منزله خوفاً من التعرض لأذى أو تهديد".
ولفت إلى أن الحكومة عندما تحاول جمع السلاح، تبدأ بالمواطن بدلاً من التوجه إلى الجماعات التي تمتلك ترسانات من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، محذراً من أن "الاستمرار بهذه السياسة هو إهدار للمال العام، ومحاولة شكلية لا تمس جذور المشكلة".
كما انتقد الحمداني بشدة الأداء السياسي في العراق، قائلاً إن "رئيس الوزراء لا يستطيع اتخاذ قرار سيادي دون العودة إلى الأحزاب والكتل السياسية". وهذا ما يضعف من هيبة الدولة، ويفتح الباب أمام تغول الجماعات المسلحة. وأردف: "كيف نثق بقدرة الدولة على حصر السلاح، والوزير والنائب في البرلمان يتجول بحمايات مسلحة في الشوارع؟".
وأكد أن غياب تطبيق القانون بعدالة، وعدم وجود ردع حقيقي، يؤدي إلى استفحال الفوضى. وعلّق على حادثة مقتل الصحفي والإعلامي ليث قائلاً: "عندما يُقتل صحفي لمجرد مشادة كلامية، فهذا يُظهر غياب القانون، واستهتار السلاح بغياب الرادع".
واقترح الحمداني الاستعانة بشركات أمنية دولية مختصة، يمكن أن تساهم في تنظيم عمليات جمع السلاح بشكل علمي ومدروس، وبإشراف مهني. هذه الشركات تمتلك خبرات في التعامل مع بيئات مشابهة، ويمكن أن تضغط على الحكومة وتدير الملف بطريقة محترفة.
كما دعا إلى اعتماد أساليب حضارية ومثقفة لتغيير العقل الجمعي للمجتمع العراقي، وتثقيف المواطن حول خطورة انتشار السلاح، مشدداً على أن "المشكلة لا تُحل فقط بالقوة، بل ببناء فكر جديد، وإعادة برمجة ذهنية المجتمع".
واكد، إن "غياب هيبة الدولة جعل العراقيين يعيشون بلا أمن ولا أمان، موضحاً أن احترام القانون يبدأ من الأعلى، وإذا أرادت الحكومة أن تفرض احترامها فعليها أن تبدأ بنفسها، قائلاً: "إذا كان القانون لا يُطبق على الوزير والنائب، فكيف سيُطبق على المواطن البسيط؟".
وأضاف أن المجتمع العراقي بحاجة إلى إعادة بناء شاملة: "نحتاج إلى شوارع محترمة، إلى حكومة تمتلك الإرادة، إلى إعلام يثقف لا يطبل، إلى قانون يكسر ظهر الفاسد والمجرم، لا يحميه". مشيراً إلى أن ما يحدث اليوم هو نتيجة تراكمات طويلة من الإهمال والفساد وغياب الدولة.
ووسط جهود الحكومة العراقية الرامية لحصر السلاح بيد الدولة وتحقيق الاستقرار، يقدّم الخبير الأمني أحمد الشريفي قراءة واقعية وحذرة لمجريات الأمور، معتبرًا أن برنامج نزع السلاح، رغم كونه طموحًا ومطلبًا شعبيًا واسعًا، لا يزال بعيدًا عن ملامسة جوهر الأزمة الأمنية في البلاد.
وفي حديثه لـ (المدى)، يؤكد الشريفي أن "التهديد الحقيقي للأمن لا ينبع من الأسلحة الخفيفة التي يحتفظ بها المواطنون داخل منازلهم، بل من ترسانة الأسلحة الثقيلة والمتطورة التي تمتلكها العشائر والفصائل المسلحة". ويشير إلى أن هذه الأسلحة هي التي تمثل الخطر الأكبر على السلم الأهلي وعلى هيبة الدولة، ومع ذلك، لا تُواجه بالحزم المطلوب.
ويرى الشريفي أن "الإرادة السياسية، ممثلة بوزارة الداخلية، غير قادرة حتى الآن على التصدي لهذا التحدي"، مرجعًا ذلك إلى الضغوط السياسية والحزبية التي تُعيق أي خطوة جادة نحو نزع أسلحة الفصائل والعشائر. ويؤكد أن هذه الجهات تحظى بـ"غطاء سياسي وحزبي"، يمنحها حصانة غير معلنة من المساءلة أو المسّ بمنظومتها التسليحية.
ويذهب الخبير الأمني أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أن تنفيذ أي برنامج فعال لنزع السلاح مرهون بتوفر قرار سياسي شجاع، وإجماع حقيقي بين الأطراف النافذة، وهو ما يفتقر إليه المشهد الحالي. "طالما لا يوجد موقف موحد ودعم واضح من القوى السياسية"، كما يقول الشريفي، فإن المشروع يبقى إجراءً شكليًا لا يرقى إلى مستوى المعالجة الحقيقية.
ويؤكد الشريفي على أن نزع السلاح من الفصائل والعشائر ليس فقط مهمة أمنية، بل هو تحدٍ سيادي من الدرجة الأولى، يتطلب كسر النفوذ السياسي لتلك القوى، واستعادة هيبة الدولة. فطالما بقيت تلك الجهات أقوى من الأجهزة الأمنية نفسها، فإن أي محاولة لتحقيق الأمن المجتمعي ستظل مكبلة بالعقبات والتوازنات السياسية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تاريخ الأسطورة الفاوستية

قناطر: متاحفنا بلا زائرين. . لماذا؟

انتهاء مباحثات الرياض بين ممثلي كييف وواشنطن من دون الإعلان عن هدنة

قضية الناشط التشريني إحسان أبو كوثر تتفاعل: والده تعذب في مراكز الاحتجاز!

الحرب الباردة بنسختها الثانية

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

السوداني لن يلاقي مصير «العبادي».. و«ترامب» قد يفجر مفاجأة
سياسية

السوداني لن يلاقي مصير «العبادي».. و«ترامب» قد يفجر مفاجأة

بغداد/ تميم الحسن من المرجح أن تخوض الأحزاب الانتخابات البرلمانية المقبلة وفق قانون «سانت ليغو»، ما يعني أن «القوائم المذهبية» ستكون نافعة. وفي الأشهر الأخيرة، برز تصاعد في «الخطاب الطائفي»، بلغ ذروته بالحديث عن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram