بغداد/ تميم الحسن
من المرجح أن تخوض الأحزاب الانتخابات البرلمانية المقبلة وفق قانون «سانت ليغو»، ما يعني أن «القوائم المذهبية» ستكون نافعة.
وفي الأشهر الأخيرة، برز تصاعد في «الخطاب الطائفي»، بلغ ذروته بالحديث عن «انفصال شيعي».
المتغير «الوحيد» المتوقع سيكون عبر محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، إذا ما فاز بأصوات كبيرة. لكن كيف سيحدث ذلك؟
تقول اللجنة القانونية في مجلس النواب إنها لم تتلقَ – حتى اللحظة – أية وثيقة حول تعديلات في «قانون الانتخابات».
وعلى هذا الأساس، فإن الانتخابات المقبلة، والمتوقعة في نهاية العام الحالي، ستكون على غرار انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023.
مراجعة تجربة الانتخابات السابقة
جرت انتخابات مجالس المحافظات بعد مراجعة من الإطار التنسيقي الشيعي، للخسارة التي لحقت به في انتخابات البرلمان عام 2021.
ويقول سياسي قريب من «الإطار»، لـ(المدى)، إن التحالف الشيعي «لا ينوي إعادة تجربة الخسارة في الانتخابات السابقة، لذا سيصر على (سانت ليغو) باعتباره أهون الشرين».
ظهر نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، قبل أشهر، مدافعًا عن «قانون هجين» للانتخابات يجمع بين «سانت ليغو» والدوائر المتعددة.
وبحسب السياسي ذاته، فإن «المالكي كان يحاول (وما زال) مغازلة الصدريين بتبنيه قانونًا مختلطًا».
أيّد محمود المشهداني، رئيس البرلمان، مقترح المالكي، وتوقع في لقاء متلفز أن يتم تمريره.
وحتى الآن، لم يحسم مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، موقفه بشأن المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وكان «الصدر» قد تحمس لقانون «الدوائر المتعددة»، وحصل التيار في 2021 على 73 مقعدًا، قبل أن يستقيل نوابه من البرلمان في صيف 2022.
ويرى السياسي، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن «قيادات شيعية ترى أن أصواتًا كثيرة ستذهب إلى القوائم المذهبية، لكن الطموح الشخصي يعطل بقاء المجموعة (الإطار) متماسكة».
خاض «الإطار» الانتخابات المحلية منفصلًا في المدن المختلطة والسنية، ومجتمعًا في الجنوب ذي الأغلبية الشيعية.
وكانت النتيجة «غير سارة»، بحسب وصف سياسيين شيعة، حيث برزت «3 زعامات محلية» تهدد اليوم «الزعامات الشيعية التقليدية».
في تلك الانتخابات، استطاع ما باتوا يُسمون بـ»الثلاثة الأقوياء»، وهم: أسعد العيداني، محافظ البصرة. نصيف الخطابي، محافظ كربلاء. محمد المياحي، محافظ واسط.
هؤلاء الثلاثة حصلوا على أعلى الأصوات، مما أجبر «الإطار التنسيقي» على تفكيك خطته السابقة التي كانت تهدف إلى «منع الولاية الثانية للمحافظين».
كذلك، اتُهِم فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، بـ»مخالفة الاتفاق»، حيث ذهب إلى التحالف «بمفرده» مع زعامات سنية في صلاح الدين والموصل.
ومن نتائج أخطاء خطة التحالف الشيعي في انتخابات 2023، كانت عودة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، بقوة الى المشهد السياسي، رغم إقصائه من المنصب قبل شهر من الاقتراع.
لمح عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، إلى أن مقاطعة «الصدر» للانتخابات أحدثت «خللًا مكوناتيًا»، ملأه السنة بعد ذلك في المدن المختلطة، مما أدى إلى صعود الحلبوسي.
كان «الصدر» قد قرر مقاطعة الانتخابات قبل وقت قصير من إجرائها في نهاية 2023، وطلب من أنصاره عدم التصويت.
الخطة الجديدة
تقول معلومات حصلت عليها (المدى) من مصادر سياسية، إن «الإطار التنسيقي» سيتحرك هذه المرة باتجاهين: إقناع الصدر بالمشاركة. تقليل شعبية السوداني.
الأخطاء التي كشفها التحالف الشيعي في انتخابات 2023 تهدد اليوم بـ»تمدد السوداني»، وفق ما نقلته المصادر عن كواليس المشهد السياسي.
المحافظون الثلاثة، الذين تربطهم علاقة جيدة برئيس الحكومة، قد يشكلون تحالفًا مع السوداني، لن يوقفه سوى «الصدر» إذا وافق على المشاركة وفق معادلة «سانت ليغو».
طوال فترة انعزاله عن السياسة منذ صيف 2022، لم يوجه الصدر أي كلام مباشر للسوداني، رغم وصفه الحكومة – أكثر من مرة – بـ»حكومة بني العباس».
بناءً على ذلك، تعتقد القوى الشيعية التقليدية أن الصدر لن يدعم «المالكي»، لكنه بالمقابل «لن يدعم السوداني»، وهذا يبدو كافيًا حتى الآن.
وترى هذه القوى، وفق المعلومات المتاحة، أن حصول السوداني على «نتائج متواضعة» في الانتخابات المقبلة «سيعيده إلى حضن الإطار»، بعد حصد المقاعد وتأسيس معادلة حكم شيعية «هادئة بلا منغصات».
العقبات
على عكس هذه الفرضيات، فإن «السوداني» قد يشكل حكومة تكون بعيدة – إلى حد ما – عن الزعامات الشيعية التقليدية، وقد يتحالف مع المدنيين.
وتُطرح في الأوساط السياسية فرضيات جديدة عن «تغيرات جذرية» في المرحلة المقبلة، وفقًا للنائب حسين عرب.
«عرب»، الذي انشق عن محسن المندلاوي، نائب رئيس البرلمان والقيادي في الإطار، يتوقع أن يحصل «السوداني على ولاية ثانية».
وقال في تصريحات تلفزيونية، إن محمد الحلبوسي أنشأ أربع قوائم، وقد يكون هو رئيس الجمهورية القادم، فيما قد تصبح رئاسة الجمهورية سنية ورئاسة البرلمان كردية في الدورة القادمة.
كما كشف أن كتلة بدر وفالح الفياض وأحمد الأسدي ستكون مع قائمة السوداني، إلى جانب بعض المستقلين، وأن السوداني سيحصل على 25 مقعدًا دون أي تحالف، ومع التحالف قد يرتفع العدد أكثر.
صعود الخطاب الطائفي
تجري هذه الانتخابات وسط تصاعد في الخطاب الطائفي، مدفوعًا بالتغيرات الإقليمية الأخيرة.
وفُهِم أن الحديث عن «انفصال شيعي» في تسع محافظات، جزء من الدعاية الانتخابية الجديدة.
ويقول محمد نعناع، الأكاديمي والباحث السياسي، لـ(المدى)، إن «الاستقطاب الجماهيري لا يزال من نفس النوع: طائفي، مكوناتي، مناطقي».
وأضاف أن الحالة المناطقية تعززت مع تركيز الأحزاب والنواب على محافظاتهم، فـ»للبصرة مشروعها الخاص، وكذلك بغداد، والأنبار، وصلاح الدين»، على حد تعبيره.
وتابع نعناع: «حتى الآن، لم تُفكَّك المحاصصة والطائفية، وأتوقع أن يبقى كل شيء على حاله في الانتخابات المقبلة وفقًا للمؤشرات الحالية».
وأشار إلى احتمال وحيد قد يغير المعادلة السياسية، وهو «قدرة السوداني على الفوز بمقاعد كبيرة، أما إذا كان مصيره مثل العبادي (رئيس الوزراء الأسبق)، فلن يتغير شيء».
كما لفت الباحث إلى احتمال آخر قد يبدّل المشهد السياسي، وهو «تصعيد أمريكي أو ضرب وكلاء وحلفاء إيران»، مما قد يضعف النفوذ الإيراني في العراق، وهو ما لم يحدث حتى الآن.