ترجمة: عدوية الهلالي
يجمع الكاتب الأمريكي ريتشارد باورز بين الذكاء الاصطناعي والبيئة والشعر في رواية رائعة بعنوان "لعبة لا نهاية لها"، تحتفي بجمال المحيطات وهشاشة العالم حيث قام الفائز بجائزة بوليتسر عن روايته "شجرة العالم" في عام 2019 بجعل هذه العناصر ركائز لقصة غير عادية من اللعب والصداقة بين شابين من شيكاغو كانا للوهلة الأولى متعاكسين تمامًا إذ أصبح أحدهما مليارديرًا في مجال التكنولوجيا، بينما وجد الآخر، وهو شاعر عبقري، ملجأًه في جزيرة ماكاتي في بولينيزيا الفرنسية. لقد كانت هذه المنطقة مستغلة في السابق من أجل مناجم الفوسفات، وهي منطقة غير دموية وسماوية في الوقت نفسه، وقد أصبحت اليوم حجر الزاوية في حلم الاستيطان البحري، وهذه المدن العائمة التي من شأنها أن تسمح للناس بالهروب من سيطرة الدول.مجلة مدام فيغاروأجرت مقابلة مع الكاتب صاحب الرؤية، ومؤلف السيمفونيات الرومانسية الحقيقية.
هل تقول إنه بعد الأشجار في رواية (شجرة العالم) والنجوم في رواية (صدمات)، أردت هذه المرة أن تكتب عن المحيط؟
- هذه الكتب تشترك بالفعل في عدة موضوعات. لقد أخذ مسار كتابتي منعطفًا جديدًا بعد إقامتي في شمال كاليفورنيا. لقد اكتشفت غابات الخشب الأحمر المذهلة هناك، والتي أعادتني إلى النظرة العالمية الأكثر روحانية ووحدانية التي كنت أؤمن بها عندما كنت أصغر سنا. لقد كتبت "شجرة العالم" وأدركت أنني لن أتمكن أبدًا من العودة إلى الروايات التي كتبتها من قبل، والتي ركزت على العلاقات الإنسانية في البيئات الحضرية. كنت بحاجة إلى توسيع نطاق اللوحة، والعودة إلى الطرق القديمة لسرد القصص، بما في ذلك العالم غير البشري إذ لم أكن أرغب في تفويت جزء كبير من تاريخنا على هذا الكوكب.
أليس لرواية (لعبة التي لا نهاية لها)جذور أكثر حميمية أيضًا؟
-نعم، وهذا له علاقة أيضًا بطفولتي وخاصة كتاب عن قصص المرجان أعطته لي أختي الكبرى في عيد ميلادي العاشر والذي أطلق العنان لخيالي.كنت طفلاً صغيراً من شيكاغو أعيش في حي به منازل من الحجر،وهنا كنت أواجه هذه المخلوقات الخيالية، الخارقة للطبيعة...لم أتمكن من إيجاد صلة بين هذا الكون والكون الذي كنت أتطور فيه. لقد أصبح الأمر هوسًا، لم أعد أرغب في العيش هنا بل هناك، ومن عجيب المفارقات أنه في العام التالي، حصل والدي، الذي كان مدير مدرسة في شيكاغو، على وظيفة في بانكوك، وانتقلنا جميعًا ومنذ عيد ميلادي الحادي عشر، قضيت كل وقتي في بحر الصين أغوص بين هذه المخلوقات...وحتى سن السادسة عشرة، عندما عدت إلى الولايات المتحدة، كنت مقتنعًا بأنني سأصبح عالم محيطات أو عالم أحياء بحرية. لذلك فإن رواية "لعبة لا نهاية لها" هي أيضًا إعادة تمثيل لهذا الصبي الذي كان مقتنعًا بأن حياته ستكون مكرسة للمحيط.
(لعبة التي لا نهاية لها) هي أيضًا صورة للصداقة. فمن هما الرجلان محور الرواية وماذا يمثلان بالنسبة لك؟
-في الرواية لابد من إنشاء شخصية تتضمن مزيجًا غريبًا من الأشخاص الحقيقيين والعناصر الخيالية.فمن الواضح أن تود كين، المتحمس للمحيطات، مستوحى جزئيًا مني. إنه الشخص الذي كان بإمكاني أن أصبحه، الطريق الذي لم أختاره. مثل تود، كان لدي ذوق في العلوم والرياضيات والبرمجة، وربحت المال من هذه المهارات، وترددت في اختيار هذا المسار. البطل الآخر، رافي يونج، مستوحى من صديق عزيز للغاية، رشيد،والذي تختلف رؤيته كثيرًا عن رؤيتي. أنا مثل تود كين، ولدت في إيفانستون ونشأت في منطقة نورث إند في المدينة، وهو حي أبيض ثري يتمتع بالامتيازات. رشيد، مثل رافي، نشأ في الأحياء الفقيرة في الجانب الجنوبي. ولكن المثير للاهتمام هو أن وجود رافي، الذي يتخطى الصفوف، ويتعلم القراءة في وقت مبكر، ويعالج الصدمات العائلية من خلال الشعر، ثم الخيال، يشير أيضًا إلى رحلتي الخاصة. تود ورافي هما أنا وليس أنا، وكتاب (لعبة لا نهاية لها)، الذي يروي علاقة الحب والكراهية بينهما، هو جزء من مشروع التحليل النفسي، ويستكشف جانبي شخصيتي وكيف حاولت إيجاد التوازن في هذا العالم، بين حبي للأنظمة والرياضيات، والبرمجة والعلوم، وحبي للأدب، والعقل والفنون.
هل يمكنك أن تخبرنا ببضع كلمات عن حبكة (لعبة لا نهاية لها)؟
-يواجه القارئ تحديًا مباشرًا فلدينا سرد من منظور الشخص الأول، وهو خطاب من تود إلى محاور غير معروف. ويتكون الخيط الثاني من سرد شخص ثالث تدور أحداثه في جزيرة ماكاتيا في بولينيزيا الفرنسية، حيث يعيش رافي الآن. وهذه الجزيرة، التي كانت بالفعل موضع استغلال استعماري في نهاية القرنين التاسع عشر والعشرين، تواجه اليوم منظورًا جديدًا. ويتعين على سكان الجزيرة أن يقرروا ما إذا كان سيتم تقديم مستقبل لهم، أو مواجهة شكل آخر من أشكال الاستعمار. ويركز الموضوع الثالث على الغواصة الفرنسية الكندية إيفلين بوليو وحياتها ومسيرتها المهنية كعالمة أحياء بحرية. وتتقاطع هذه الخيوط الثلاثة المتميزة في البداية في حركة متناقضة، ونحن نفهم أن الأزمة السياسية التي تمر بها الجزيرة لها علاقة أيضًا بالصراعات النفسية والاجتماعية بين البطلين. لقد كان التناوب بين الأطر السردية وهذا التقارب البطيء، مع هذا التكامل التدريجي للقصص مع بعضها البعض، يثير اهتمامي دائمًا.
انت تلعب مع القارئ في رواية موضوعها الرئيسي هو المقامرة؟
-نعم، ينخرط القارئ في لعبة وهو يحاول متابعة السرد وفهمه. كما يمكنك بناء جسر بين المحيط والذكاء الاصطناعي من خلال هذا الانبهار الذي ينتاب أصحاب الملايين في وادي السيليكون بمشاريع المدن العائمة، والتي سيتم بناؤها على وجه الخصوص في بولينيزيا الفرنسية، وهو الانبهار المرتبط بالأفكار الليبرالية لدى العديد منهم، مثل إيلون ماسك.. ومن خلال إنشاء هذه المدن العائمة، سيكون من الممكن الهروب من لوائح الحكومات الحالية وإنشاء شكل خاص من أشكال الحكومة، مستقل تماما. ولقد وقع بيتر ثيل وتحالف المستثمرين التابع له بالفعل مع بولينيزيا الفرنسية مع وضع هذا في الاعتبار...ونحن نرى أن كل هذه الدوافع، الدوافع الليبرالية، ودوافع الذكاء الاصطناعي، ودوافع الشبكات الاجتماعية، كلها لها علاقة بهذه الرغبة في الحكم الذاتي والفردية المحمومة، والتي من المفترض أن تسمح لنا بتجربة مصير أفضل... وبالتالي فإن اللعبة التي لا نهاية لها تواجه إغراء النظر إلى أنفسنا ككائنات فردية بحتة، والحاجة إلى الاعتراف بأننا في الواقع مترابطون وغير منفصلين عن بقية العالم الحي.