اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الاحتجاج:حركة ديمقراطية للتصحيح

الاحتجاج:حركة ديمقراطية للتصحيح

نشر في: 19 فبراير, 2011: 10:37 م

فخري كريم

تتسع وتتصاعد الحركة الاحتجاجية في مختلف المحافظات على ازدياد الأحوال سوءا برغم الوعود المتكررة منذ سنوات والدعوات بالصبر على تردي الخدمات،

واتساع دائرة الفقر والعوز بين أوسع الشرائح الاجتماعية في مقابل تضخم ثروات النهابين للمال العام، وكذلك تزايد وقائع الفساد والتجاوز على حقوق المواطنين ومظاهر تسلط مجالس المحافظات وتحكمها بشؤون الناس الخاصة وحرياتهم . ويبدو جليا أن هذه الحركة تأخذ مع مرور الوقت طابعا منظما، وان بصيغ أولية، وبلا ملامح سياسية واضحة أو برنامج محدد،

سوى المطالبة بانتشال البلاد من الأزمة المتفاقمة، المتمثلة بانعدام الخدمات الضرورية لحياة إنسانية كريمة واستفحال الفساد المالي والإداري والتعدي على الحريات العامة والخاصة، وتحويل بنى الدولة  من وزارات ومؤسسات ومنشآت وأجهزة إلى إقطاعيات تتوزعها المحاصصة السياسية بلا رحمة وبلا مبالاة من الأغلبية المطحونة .

إن انتباهة المواطنين الى حقهم المشروع بالاحتجاج كمظهر للرقابة وتصويب الحكم، صحوة سياسية في غاية الأهمية، يمكنها أن تتحول إلى قاعدة متينة للنظام الديمقراطي التداولي ، تنعش الحركة الديمقراطية، وتعزز قوى متوثبة منزّهة عن النتائج المشوهة للخراب الذي حل بالبلاد طوال عقود من الاستبداد والتهميش ومصادرة الإرادة.

لقد كان للهبّة الجماهيرية في تونس ومصر التي أطاحت بالنظامين الشموليين فيهما وتداعياتها على الجزائر واليمن وليبيا وبلدان أخرى تأثير ايجابي على إيقاظ حس الاحتجاج لدى العراقيين، لكن اعتبار ذلك هو السبب المباشر في تحريكهم لإظهار مظلمتهم والمطالبة بحقوقهم ليس من باب الصواب وحسن التقويم، وكذلك فأن تشبيه ما يجري بالعراق بما حل بتونس ومصر هو الآخر مجاف للصواب.

فانتفاضتا البنفسج واللوتس  أسقطتا النظامين الشموليين واقامتا نظامين ديمقراطيين، يتطلعان لسن دستور يجسد تطلعاتهما بالحرية  وتصفية اسس الاستبداد والتسلط، في حين تنطلق الحركات الاحتجاجية العراقية في اطار نظام ديمقراطي تعددي يستند الى دستور مقر شعبيا وتدير الدولة حكومة منتخبة.

ولا يغير من هذا الواقع الا من باب الاستدراك والتصحيح، ان الدولة بأسسها الديمقراطية لم تكتمل بعد، بل هي في طور التكوين، وان الديمقراطية "توافقية" مشوهة ، ضعيفة الحيلة، حينما يتعلق الامر بارادة المواطنين، يتصيد الفاسدون فيها "فرصة العمر" نهبا وسلبا وتعديا، وان الدستور "حمال اوجه" يقتنص منها المهيمنون ما يسهّل لهم الاستحواذ والتعدي.

وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على ان المحتجين، خلافا لأقرانهم في تونس ومصر، يريدون انتشال نظامهم الديمقراطي من مظاهر الفساد العام، ومن تغييب إرادتهم ، وتجريدهم من حقوقهم بالهيمنة على الحياة العامة.

"إن حركة احتجاج" العراقيين مطلبية بامتياز كوجهة أساسية، لكن هذه الحركة تدرك أيضا بصواب أن مطالبها شديدة الارتباط بالسياسة والسياسيين، فما لم يجر تعديل جذري في مسار الحكم وتطبيقاته، يستحيل أن تستقيم الأمور وتتحقق المطالب المشروعة، وتهدأ الخواطر الملتاعة من الفساد.

واذا لم تع، القوى المقررة في الحكومة، ومختلف أوساطها، هذه الحقيقة بوضوح، وتستدرك بانعطافة حاسمة في إصلاح نهجها، وأساليب وأدوات الحكم وإعادة الاعتبار للمواطنة، بوصفها قيمة عليا، فأن الاحتمال مفتوح على خطر استدراج المحتجين والتسلط على حركتهم ودفعها بالاتجاه الذي يحقق غير أغراضها، بل أهداف القوى المعنية بالإجهاز على النظام الديمقراطي، كما لا ينبغي "قدر تعلق الأمر بالمحتجين" أن تعي خطر الصراع الدائر بين أطراف السلطة الحاكمة نفسها، بقواها وتياراتها المختلفة التي يسعى بعضها ركوب الموجة الاحتجاجية المتصاعدة لتحسين شروط مشاركتها وتسلطها عبر ذلك.

إن المحتجين معنيون بإدراك هذه الحقيقة وكشف الدوافع الكامنة لتلك القوى التي لا تسفر عن حقيقتها، بل تكتفي بإظهار التعاطف والانحياز، وهي بذلك كمن ينطبق عليه القول "كلمة حق يراد بها باطل"!

ولابد لهم،  للمحتجين، إدراك حقيقة أن الحكومة بكل إطرافها، منخرطة، ولو بدرجات متفاوتة فيما حل بالبلاد ويعاني منه الناس، وبإمكان كل منها أن تلعب دورا مشهودا سواء في البرلمان أو الحكومة أو في سائر مرافق الدولة لتصويب السلوك العام لها، والدفع باتجاه الاستجابة لإرادة المواطنين وتخفيف العبء والمعاناة عنهم، وهو ما لا يفعلونه.

ومن الضروري بمكان الانتباه واليقظة إزاء تحرك المتربصين بشعبنا، من بقايا النظام السابق، والبعثيين الصداميين وفلول القاعدة، الذين يسعون لاقتناص أية فرصة مواتية للوثوب إلى السلطة، للحيلولة دون تسلل هؤلاء إلى صفوف الحركات الاحتجاجية وحرف مسارها وإجهاضها. إن هؤلاء كامنون في كل ركن من أركان دولتنا الهشة، وفي مختلف أجهزتها المسلحة، مما يتطلب أقصى يقظة من قبل المحتجين وهو ما يدعو إلى تنظيم صفوفهم وصياغة شعاراتهم، وضبط أفعالهم بما لا يسمح لأي تحرك مشبوه أن يخترقه.

إن مواطنينا المحتجين ينطلقون من رهافة حسهم الوطني، ومن إدراكهم أنهم أصحاب العراق الجديد، وهم بناؤوه المخلصون والأوفياء لنظامهم الديمقراطي، الذي يشوبه التشوه بسبب الفاسدين والمفسدين والطارئين عليه، وهم بذلك ينأون بأنفسهم عن أي عمل يستهدف تخريب أملاك الدولة ومؤسساتها، لأنهم أصحابها الشرعيون وكذا الأمر بالنسبة للممتلكات الخاصة لمواطنيهم.

والحكومة في هذا السياق، إذ تعلن احترامها للحق العام في التظاهر والاحتجاج، مطالبة هي وليس غيرها بحماية المحتجين ومراقبة أداء وتصرف المنتسبين إلى القوات الحكومية التي قيل عنها علنا وعلى لسان المسؤولين إن بينهم من هو مغرض ومندس!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الستراتيجيّةُ العمياءُ وراءَ فاجعةِ الكرّادة..

في حُمّى "الهَلْوَسةِ السياسيّةِ" استرخى وزراءُ "الغَمْغَمَةِ" واللَّك..!

بينَ اليأسِ والإحباط مساحةٌ مضيئةٌ للصمت ..!

الموت حين يُصبح طقساً عابراً بلا مراسيم تشييع للفقراء .!

"بــيــروت مـــديـنـتــي".. وعـيـــنٌ عـلـــى بــغــداد ...

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram