TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هلال العيد.. جدل متجدد بين الفقه والعلم وثقافة الاختلاف

هلال العيد.. جدل متجدد بين الفقه والعلم وثقافة الاختلاف

نشر في: 7 إبريل, 2025: 12:17 ص

د. طلال ناظم الزهيري

مع اقتراب نهاية شهر رمضان، يتجدد الجدل حول رؤية هلال شوال، حيث تتصاعد النقاشات بين مؤيدي الحسابات الفلكية، والمتمسكين بالرؤية البصرية التقليدية. هذا الجدل لا يقتصر على الخلاف الفقهي بل يعكس تحديات أعمق تتعلق بثقافة الاختلاف وإدارة التنوع في المجتمعات الإسلامية، فضلاً عن محاولة التوفيق بين العلم والدين.
عند نتأمل قوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (البقرة: 185)، نجد أن الخطاب موجه إلى الفرد، حيث يُترك أمر الصيام لاجتهاد الشخص أو الجهة التي يثق بها، ما يشير إلى أن المسألة ليست محلاً لإجماع ديني أو فقهى حتمي، بل هي قضية مرنة تعتمد على ما يراه الفرد.
الغريب في هذا الجدل هو أنه يتصاعد بشكل خاص مع قدوم رمضان وشوال، بينما يمر مع باقي الأشهر الهجرية دون الاهتمام نفسه، رغم أنها تعتمد على نفس التقويم القمري. وتثير هذه الظاهرة تساؤلاً حول ما إذا كانت الإشكالية تكمن في الهلال نفسه، أم في طريقة تعاطينا مع القضايا الخلافية. فمع تقدم العلم والتكنولوجيا، أصبحت الحسابات الفلكية قادرة على تحديد ولادة الهلال بدقة، ما يجعل البعض يفضلها كمنهجية دقيقة وموثوقة. في المقابل، يتمسك آخرون بالرؤية البصرية التقليدية استنادًا إلى الأحاديث النبوية الشريفة، معتبرين أنها الأصح والأكثر أصالة.
ورغم اختلاف الآراء، يبقى الأمر خيارًا شخصيًا، شريطة احترام كل طرف لرؤية الآخر، وعدم فرض وجهات النظر المتباينة على الجميع. إلا أن هذا الجدل، في بعض الأحيان، يُستغل لأغراض سياسية ضيقة، حيث تسعى بعض الجماعات لتوظيفه لترسيخ نفوذها أو تمييز نفسها عن الآخرين، مما يسهم في تأجيج الانقسامات بدلاً من توحيد الصفوف.
إضافة إلى ذلك، أصبح الجدل حول الهلال قضية تبرز ثقافة الاختلاف في المجتمعات الإسلامية. ففي كثير من الأحيان، يُنظر إلى الاختلاف على أنه تهديد للوحدة، بينما هو في الواقع جزء من التنوع المشروع الذي رسخه الإسلام. الأصل أن يكون لكل فرد أو مجتمع حرية اختيار المرجعية التي يثق بها، سواء كانت دينية أو فلكية، دون أن يتحول ذلك إلى نزاع، أو محاولات فرض رأي واحد.
من الجدير بالذكر أن هذه الدعوات إلى "وحدة الصف" التي تظهر عند حلول العيد لا تتكرر بنفس القوة في القضايا المصيرية، مثل القضية الفلسطينية أو الأزمات العالمية التي تواجه الأمة الإسلامية، مما يطرح تساؤلات حول أولوياتنا. لماذا لا يتم استحضار الوحدة في القضايا الأساسية والمهمة؟
وفي هذا السياق، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام حول هذه القضايا، إلا أنها في كثير من الأحيان تساهم في زيادة حدة الانقسام، حيث تنتشر المعلومات غير الدقيقة ويتصاعد الخطاب الحاد. وسائل التواصل تلك كان من المفترض أن تكون وسيلة لتعزيز التواصل والتقارب، لكن على العكس من ذلك أصبحت ساحة للمناقشات العاطفية التي تفتقر إلى التأمل والتروي، في الوقت الذي تحتاج فيه القضايا الفقهية والعلمية إلى نقاش عقلاني.
في النهاية، لا يكمن الحل في محاولة فرض الرأي، بل في احترام خيارات الآخرين، سواء كانت مرجعية دينية أو فلكية. على كل فرد أن يختار ما يطمئن إليه ويعمل به، لأن المسؤولية في النهاية أمام الله وحده. مع ذلك، يجب أن نتوجه إلى ما هو أكثر نفعًا للأمة بدلاً من الانشغال في سجالات عقيمة تتكرر كل عام، دون إضافة جديدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram