نجاح الجبيلي
تعني ساغرادا فاميليا "العائلة المقدسة" بالإسبانية، ويشيرالاسم إلى كنيسة ساغرادا فاميليا في برشلونة، والتي صممها المعماري الشهير أنطوني غاودي. تُعد الكنيسة من أشهر المعالم المعمارية في العالم، وتكرّس لعبادة العائلة المقدسة، وهي السيدة مريم العذراء والقديس يوسف والطفل يسوع.
تضم كنيسة ساغرادا فاميليا اربع واجهات تمثل مختلف جوانب الحياة المسيحية، وقد صممها أنطوني غاودي بشكل يعكس الموضوعات الدينية العميقة. هذه الواجهات هي:
واجهة الميلاد وتمثل ولادة الطفل يسوع، وهي الواجهة التي أنجزها غاودي جزئياً وتركز على النشأة والنور والتجسد الإلهي. تُظهر الواجهة تفاصيل غنية ونحتاً رائعاً للقديسين والمشاهد المرتبطة بميلاد المسيح.
واجهة الآلام: تمثل آلام المسيح في طريقه إلى الصليب، وهذه الواجهة تم تصميمها لتمثل المعاناة التي مر بها المسيح، وهي أقل زخرفة مقارنةً بواجهة الولادة، وتعكس الألم والتضحية.
واجهة المجد: هي الواجهة الأكبر والأكثر طموحًا، وتهدف إلى تمثيل المجد الإلهي والخلود، حيث ستكون تماثيل الرسل ومشاهد من الحياة المسيحية، مثل الجحيم، المطهر، والفردوس، جزءًا من هذا المشروع. لم يكتمل هذا الجزء بعد.
واجهة المسيح الملك: ستكون جزءاً من واجهة المجد المستقبلية، وقد تم التفكير فيها مع مرور الوقت لتمثل ملكوت الله.
بدأ غاودي في تصميم ساغرادا فاميليا في عام 1883، وكرس حياته لمشروعها حتى وفاته في عام 1926. لكنه لم يتمكن من إكمال الكنيسة بسبب وفاته، حيث كانت الأعمال حينها لا تزال في مراحل متقدمة من التنفيذ، وكان التمويل غير كافٍ للتسريع في العمل.
بعد وفاته، استمرت الأعمال، ولكن تم تعديل بعض التصاميم الأصلية بناءً على التغيرات في التقنيات الهندسية و التفسيرات المعمارية الجديدة. ومنذ ذلك الحين، تم الاستمرار في البناء استنادًا إلى تصاميم غاودي الأولية، رغم وجود بعض النقاشات حول كيفية تنفيذ تفاصيله، وخاصة فيما يتعلق بالواجهات.
ومن المعروف أن تصاميم غاودي للكنيسة موجودة، وقد ترك العديد من الرسوم التخطيطية و النماذج التي توضّح رؤيته. ومع ذلك، بسبب نقص التفاصيل الدقيقة حول واجهة المجد وبقية الواجهات، تم تعديل بعض الخطط على مر السنين بناءً على التفسيرات الحديثة لفريق العمل والمهندسين المعماريين الذين استمروا في البناء بعد وفاة غاودي.
اليوم، يُعتمد على التقنيات الحديثة مثل النمذجة الرقمية للمساعدة في إعادة بناء ما تبقى من الكنيسة وفقًا لتصاميم غاودي، لكن هناك دائمًا نقاشات حول مدى دقة تمثيل تصاميمه الأصلية.
قد كتبت المحررة سارة سانس من صحيفة لابان غوارديا الصادرة في برشلونة تقريراً عن تكليف ثلاثة معماريين لإكمال بناء الواجهة الثالثة للكنيسة المسماة واجهة المجد:
تُعد واجهة المجد هي الأكبر والأكثر طموحًا في كنيسة ساغرادا فاميليا، حيث تصورها غاودي كطريق نحو المجد والسعادة الأبدية، يسبق الدخول إلى المعبد.
قبل عبور إحدى الأبواب السبعة التي صممها سوبيراكيس – وهي العناصر الوحيدة المكتملة من واجهة شارع مايوركا – سيتعين اجتياز رواق ضخم يجسد تاريخ الإنسانية بأكمله، بما في ذلك الجحيم، المطهر، والفردوس، للوصول إلى المجد الأبدي.
يُعد هذا تحديًا فنيًا هائلًا، إذ قرر مجلس إدارة الهيئة المشرفة على بناء ساغرادا فاميليا التصدي له من خلال تكليف ثلاثة فنانين بارزين بتقديم مقترحاتهم لهذا المشروع: ميكيل بارثيلو، كريستينا إخليسياس، وخابير مارين.
المشروع الذي كُلف به المعماريون الثلاثة يشمل الواجهة بأكملها. ويتوقع مجلس الإدارة ثلاثة مقترحات متكاملة لتحويل الكتلة الخرسانية الحالية، التي يبلغ عرضها 45 مترًا (وهو عرض المعبد نفسه) وارتفاعها حوالي 50 مترًا، إلى عالم غاودي، رغم أن المعلومات الأصلية التي تركها غاودي حول هذه الواجهة جد قليلة.
ومنذ سنوات، تعمل اللجنة اللاهوتية التابعة لمجلس إدارة ساغرادا فاميليا على تحديد معالم هذه الواجهة وفقًا لرؤية غاودي. وبالتوازي مع ذلك، جرى إنشاء لجنة فنية منذ أكثر من خمس سنوات، لكي تؤدي دورًا استشاريًا وتقدم اقتراحات للجنة اللاهوتية التي سلمت في يونيو 2023 إلى الفاتيكان المشروع الخاص بواجهة المجد. كان الهدف من هذا التسليم هو التأكد من أن التفسير المعتمد، استنادًا إلى الوثائق المتوفرة في أرشيف ساغرادا فاميليا، كان التفسير الصحيح.
في جميع الأحوال، قرر المجلس الحالي توفير ثلاثة مقترحات فنية مختلفة، من كريستينا إغليسياس، خافيير مارين و ميكيل بارسيلو، الذين كان اسمهم مطروحًا منذ سنوات، وذلك بهدف إيجاد خيار يحظى بأكبر توافق ممكن وتجنب تكرار الانتقادات التي أثارها تكليف سوبيراكيس بواجهة الآلام في عام 1990. وكانت تلك الانتقادات تذكر بالحركة المعارضة لاستكمال أعمال المعبد التي ظهرت في منتصف الستينات.
تركز المقترح الذي تقدمه اللجنة اللاهوتية والذي يجب أن يأخذ به الفنانون الثلاثة المختارون، على العمودية في ساغرادا فاميليا، "التي تلتزم بالإملاء الذي يقتضي رفع نظر الحاج نحو السماء."
أما تمثيل الجحيم، في الجزء السفلي من الواجهة تحت منصة الرواق والساحة التي ستكون على بعد خمسة أمتار فوق شارع مايوركا، فيستند إلى غياب الله و اللامبالاة. يبتعد عن الإلهام المستمد من الجحيم في الكوميديا الإلهية لدانتي، متجنبًا تمثيل الشخصيات التاريخية أو المعاصرة التي يمكن التعرف عليها. ويقول تورالبا: "سيكون خطأ لاهوتيًا ورعويًا"، مقترحًا بدلاً من ذلك تمثيل شخصيات يائسة أو مهجورة، مثل وجه الصرخة لِـ مونك أو تماثيل الجحيم لِـ رودان.
فيما يتعلق بالمطهر، تستحضر اللجنة اللاهوتية محيطًا من التباين بين الضوء والظل، حيث ستتسلل الضوء من خلال النوافذ العلوية للأبراج الأربعة لبرج الجرس و الـ16 التي ستكون في الرواق، حيث يُراد تمثيل الأعمال؛ المكان الذي يُعتَرف فيه بالخطايا ويتم التوفيق والتصالح، بهدف توجيه الناس نحو السماء، التي ستحتل الجزء الأعلى من واجهة المجد، "التي ستستحضر الضوء ووجوه الفرح."
في حين أن الفنانين يعملون على تطوير مقترحاتهم لـ "تزيين" الواجهة، بدأت الهيئة المشرفة على بناء ساغرادا فاميليا بالفعل في الأعمال الإنشائية. إذ تسمح الرخصة الحالية ببناء الأبراج الأربعة لبرج الجرس وأول صف من ثماني أعمدة، وقد بدأ بالفعل تركيب السقالات في شارع مايوركا. تشمل بناء الرواق، و الساحة التي تمتد فوق الطريق، و الدرج المؤدي إلى المدخل، هدم المباني الموجودة في الجهة الأخرى من الشارع، وهي تدخلات تجري الهيئة المشرفة على بناء ساغرادا فاميليا و البلدية مفاوضات بشأن شروطها.