"في الحقيقة لم يكن أوسكار وايلد كاتباً أيرلنديا"، يقول دليلنا الأدبي، "لأنه مثل بيرنارد شو، ذهب وله من العمر 20 عاماً إلى انكلترا"، مبرراً عدم تنظيم متحف الكتاب في دبلن، برامج خاصة ذات مرة تحيي ذكرى الكاتبين اللذين عاشا في الوقت ذاته في دبلن، سواء كانت مناسبة ذكرى ميلادهما أم موتهما، رغم أنه توثيقه حياة وأعمال الكتاب الأيرلنديين، بما فيهم أوسكار وايلد وبرنارد شو.
رغم ذلك، من يزور دبلن يعثر على آثار الكاتبين "اللذين اختارا الجنسية الإنكليزية بحريتهما"، إذا شاء. في البيت، في "سينغ ستريت"، الذي وُلد فيه بيرنارد شو في 26 يونيو في العام 1956، حيث قضى سنوات حياته العشرة الأولى، يمكن مثلاً رؤية المخطوطات اليدوية لصاحب النوبل ورافضها الأول، تلك المخطوطات بالذات التي خضعت للمزاد العلني قبل فترة في بيت المزاد العالمي المشهور "كريستي". أما البيت الذي وُلد فيه أوسكار، في "فيستلاند روو 21"، فإنه يحمل بوستراً واحداً فقط، لكن البيت في ساحة "ماريون سكوير" تحول في النهاية إلى متحف. "الكوليج الأميركي" في دبلن، المؤسسة التي انتقلت هناك في العام 1944، والتي تعود لها ملكية الطابقين الأرضي والأول، أثثت المكان بصورة أنيقة وفنية وجعلته منذ بدايات شهر نوفمبر مركزاً ثقافياً، ومتحفاً لأوسكار زايلد، مفتوحاً أمام الزوار.
عندما كان أوسكار وايلد في العشرين من عمره وقع في حب "فلورينس بالكومب"، امرأة جميلة جداً قادمة من قرية على أطراف المدينة. لكن فلورينس فضلت الرجل الشاب الذي يسكن في شارع "كيلدار ستريت": برام ستوكر، خريج "ترينيتي كوليج" ومؤلف الرواية المشهور "دراكولا" لاحقاً. في ذلك الوقت كان قد انتهى أوسكار للتو من دراسته في الجامعة ذاتها، التي تأسست في العام 1592 من قبل الملكة إليزابيث الأولى كمعقل للتربية ضد الميول البابوية لمواطني مملكتها. كان أوسكار يشعر منذ وقت مبكر في قرارة نفسه، بأن المكان الذي كان عليه أن يتعلم فيه، ليس فيه أحد له القدرة على إضافة شيء له أو لمستواه التعليمي. "لا يفكرون بشيء، أكثر من التفكير باللعب والعبث"، كتب ذلك ساخراً من الزملاء. بعد سنتين في "ترينيتي كوليج" حصل على منحة دراسية في "ماغدالين كوليج"، في أوكسفورد، وهناك عرف أنه الآن بالذات، أصبح بإمكانه التحرك بين صفوف مجتمع راق: كانت تلك بدايات صعود نجمه كأديب وفنان صاحب حكمة.
لم يكن أوسكار وايلد الأيرلندي الوحيد الذي هاجر إلى انكلترا، إنما هناك أيرلنديون لا يحصون عبروا إلى الجزيرة البريطانية مثله، أمر لم يحترمه الذين ظلوا هناك في الوطن. في حالة أوسكار تضاعف الأمر، بسبب الفضيحة الأخلاقية التي تعرض لها، والتي كانت وحيدة زمانها. كانت الفضيحة أكثر إزعاجاً، لأن وايلد لم يشرع بالقيام بأي شيء يساعد بإبعادها عنه ولو قليلاً. فبعد أن سار "مركيز كوينسبيري"، والد عشيق وايلد، "الفريد دوغلاس" ذات ليلة باردة، عند عرض الافتتاح المسرحي لمسرحية "أهمية أن تكون إيرنيست" أمام مسرح "سانت جيمس" في لندن، لكي يسلم وايلد "المكروه" كيساً مليئاً بالخضر الفاسدة تعاقبت الأحداث بعدها بسرعة. تلك الليلة سلمه المركيز ورقة كتب عليها بأنه "لوطي قذر". لم يكن أوسكار ذكياً بعدها عندما رفع دعوى قضائية ضد المركيز بسبب الإهانة: وهذا بالذات ما كان ينتظره المركيز.
عند نقطة التحول هذه تقاطعت طرق الكاتبين الدبلنيين: بيرنارد شو حاول إقناع مواطنه وزميله في المهنة من التنازل عن رفع الدعوى ضد الماركيز والهروب إلى باريس. عبثاً، كان أوسكار مصراً على اللجوء للقضاء، لتأتي الضربة المضادة عاصفة وقوية: رفع الماركيز دعوى قضائية ضده متهماً إياه بـ "الجنسية المثلية".
يتبع