TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ساسة ورواتب وسيارات مصفَّحة

ساسة ورواتب وسيارات مصفَّحة

نشر في: 19 فبراير, 2011: 07:41 م

عامر الواديكانت الحكومة العراقية في العهد الملكي تخصص لكل قائد فرقة في الجيش العراقي سيارة صالون ولكل آمر لواء سيارة ستيشن من ذات النوع ، وبما أن المرحوم عبد الكريم قاسم كان آمراً للواء المشاة التاسع عشر في الفرقة الثالثة فقد خصصت له سيارة ستيشن نوع شوفرليت موديل 958 لون عسكري (خاكي) .
وعقب قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 تولى المرحوم مهام أهم ثلاثة مناصب في الدولة العراقية وهي رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع ( وكالة ) ، ولكنه مع ذلك لم يقتن لنفسه سيارة كلاسيكية فارهة تناسب مناصبه الجديدة المهمة وإنما أبقى على استخدامه سيارته المخصصة أصلا لمنصب آمر لواء طوال أكثـر من أربعة عشر شهرا ولم يستغن عنها إلا بعد تعرضه وهو يستقلها إلى محاولة الاغتيال الفاشلة مساء يوم 7/10/959 عند منطقة رأس القرية في شارع الرشيد ، حيث تحطمت السيارة نتيجة وابل الرصاص الكثيف الذي أطلقه عليها منفذ ومحاولة الاغتيال ولم يعد بالإمكان استخدامها مجددا .rnوبعد نجاة الزعيم (وهو لقب أطلق على المرحوم عبد الكريم قاسم عند قيام الثورة نسبة إلى رتبته العسكرية) من محاولة الاغتيال أهداه الزعيم السوفيتي (نيكيتا خروتشوف ) سيارة مصفحة ضد الرصاص روسية الصنع من النوع الذي يستقله أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ، وفعلا استخدم الزعيم هذه السيارة الهدية المصفحة ولكن ليس لأنها مصفحة تحميه من محاولة اغتيال أخرى محتملة أو لكونها فارهة تناسب مكانته الرسمية والشعبية وإنما لكونها هدية دولة صديقة أولاً ولأنها لم تكلف ميزانية الدولة شيئاً ثانياً. وفي ذات يوم قرر الزعيم الاستغناء عن استخدام السيارة الهدية المصفحة وذلك لمجرد سماعه تعليقاً إذاعياً أدلى به (أحمد سعيد) المذيع في إذاعة صوت العرب بالقاهرة (وهي إذاعة كانت مناوئة للحكومة العراقية آنذاك) جاء فيه أن قاسم العراق( وهي التسمية التي أطلقتها  الإذاعة على الزعيم) يستقل مدرعة في تنقلاته داخل بغداد خوفا على حياته من الشعب العراقي . عندها أمر الزعيم بإحضار السيارة التي كانت مخصصة لرئيس الوزراء السابق (المرحوم نوري باشا السعيد) وهي نوع كاديلاك ليموزين مستعملة موديل 957 سوداء اللون لاستخدامها عوضا عن السيارة المصفحة ، ولكن تبين أن هذه السيارة قد سبق وخصصت لأحد أعضاء مجلس السيادة في العهد الجمهوري ، فأوعز بشراء سيارة مثيلة لها لمنصب رئيس الوزراء ليستخدمها الزعيم خلال الفترة المتبقية من حكمه وحياته التي انتهت في 8/2/963، وقد كانت السيارة الجديدة الأخيرة نوع كاديلاك ليموزين موديل 1960 بيضاء اللون . لم يكن زهد الزعيم عبد الكريم قاسم وحرصه وأمانته على المال العام في المركبة التي يستقلها وبالدار الصغيرة المستأجرة من الدولة التي يسكنها وبملابسه العسكرية التي اكتفى بارتدائها طوال فترة حكمه فقط وإنما كان زاهدا ونزيها وحريصا على المال العام حتى في الرواتب والمخصصات التي يستحقها ، فهو رغم شغله ثلاثة مناصب امتنع عن تسلم راتب ومخصصات القائد العام للقوات المسلحة وراتب ومخصصات وزير الدفاع، واكتفى فقط بتسلم راتب رئيس الوزراء الذي كان مجموعه في حينها (520) دينارا ، يدفع منه (120) ديناراً إلى عائلة شقيقه حامد لتأمين طعام غذائه اليومي و (60) ديناراً إلى بهو ضباط وزارة الدفاع عن قيمة مشروبات ضيافة زواره وضيوفه (قهوة وشاي) و (18) ديناراً تدفع إلى مديرية الأموال المجمدة عن بدل إيجار الدار الصغيرة التي يسكنها، والمتبقي من الراتب بعد دفع رسوم الماء والكهرباء لداره يحفظ في خزانة مكتب سكرتير رئيس الوزراء ( الرائد جاسم العزاوي ) لإنفاقها خلال الشهر على شراء وجبة العشاء اليومي للزعيم وعلى متطلباته الشخصية وعلى الفقراء والمحتاجين الذين كان يلتقيهم أثناء جولاته التفقدية التفتيشية الليلية اليومية المعروفة. لقد دامت فترة حكم الزعيم للعراق مدة أربع سنوات وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما ، ورغم  قصر هذه الفترة ورغم كل ما سادها من تهديد ومؤامرات خارجية ومحاولات انقلابية وإضرابات طلابية وصراعات حزبية دامية تكاد تكون يومية ، ورغم قلة موارد العراق في حينها وسيطرة الشركات الأجنبية على ثرواته وتحكمها في كميات تصدير نفطه ، فإن الذي حققته حكومة الزعيم للعراق وشعبه في تلك الفترة الضنكة والعصيبة والقصيرة من حملات إعمار وإسكان ومن إنجاز مشاريع تنموية زراعية وصناعية وخدمية ومن قوانين وقرارات وطنية جريئة ومن ازدهار اقتصادي ورفاه اجتماعي ومن تقدم علمي وثقافي ما لم تحققه حكومة عراقية أخرى لا قبلها ولا بعدها. ومع ذلك كله لم يشعر الزعيم يوما بأنه متفضّل وصاحب دالة على الشعب العراقي، فهو لم يجعل لنفسه رواتب ومخصصات ومكافآت تقاعدية مهولة تفوق ما تقاضاه سلفه ويتقاضاه نظراؤه في الدول الأخرى بأضعاف مضاعفة وثلث شعبه يعيش تحت مستوى خط الفقر ، ولم يسكن مجانا في قصور مملوكة للدولة وفي شعبه الملايين بين مهجر ومهاجر ومتشرد ومتجاوز مهدد كل يوم بالإزالة والتشريد ، ولم يستملك قطعة أرض سكنية فسيحة على ضفاف دجلة دون وجه حق وكل مدينة في بلده نصفها غارق بالمستنقعات والمياه الآسنة ونصفها الآخر مدفون بين تلال النفاي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram