كتب : ياسين غالب
يُعَدُّ مسلسل "لام شمسية" من الأعمال الدرامية التي أثارت الجدل بسبب معالجته لقضية التحرش الجنسي بالقاصرين. ورغم محاولته تسليط الضوء على هذه الظاهرة بأسلوب درامي، فإنه أخفق في تحقيق التوازن بين الواقعية الفنية والالتزام بالحقائق القانونية، مما أضعف مصداقيته وجعله يبدو كاريكاتيريًا في بعض الأحيان.تدخلت الرقابة المصرية وقامت بتعديل الحلقات الأخيرة التي تناولت موضوع زنا المحارم، حيث تم حذف مشهد تحرش الأب بابنته، بالإضافة إلى حذف مشهد التحرش الذي قام به "وسام"، كما تم تعديل مشهد تحرش آخر ظهر في لقطة فلاش باك لشخصية "نيللي".
إشكالية الواقعية القانونية في الحكم على المتحرش
يتمحور المسلسل حول شخصية "وسام الألفي"، التي يجسدها الممثل محمد شاهين، والمتهم بالتحرش بالطفل "يوسف"، الذي يؤدي دوره علي البيلي. ووفقًا لسياق المسلسل، تم الحكم على وسام بالسجن المؤبد بناءً على شهادات الطفل ووالده "طارق" (أحمد السعدني)، إضافة إلى حكم المحكمة الذي نص على أن المتحرش قام بلمس الأعضاء التناسلية للطفل وإغوائه بلمس أعضائه هو الآخر.
إلا أن هذا الحكم لا يتوافق مع القانون المصري، حيث إن القانون يميز بين التحرش الجنسي وهتك العرض والاغتصاب، ولكل جريمة منها عقوبة مختلفة. فوفقًا للمادة 306 مكرر (ب) من قانون العقوبات، فإن التحرش الجنسي بطفل يُعاقب عليه بالسجن لمدة لا تقل عن سبع سنوات إذا لم يتضمن استعمال القوة أو التهديد. أما هتك العرض، كما ورد في المادة 268، فيُعاقب عليه بالسجن المشدد من 7 إلى 15 سنة، ويصل إلى السجن المؤبد إذا كان الطفل أقل من 12 عامًا. في المقابل، فإن الاغتصاب، وهو الجريمة التي تستوجب السجن المؤبد أو الإعدام، يتطلب إثبات المواقعة الجنسية الكاملة.
لذا، فإن الحكم الذي صدر ضد "وسام" في المسلسل غير منطقي، حيث تم وصف الجريمة على أنها تحرش وليس هتك عرض أو اغتصاب، ومع ذلك تم إصدار حكم بالسجن المؤبد، وهو ما يخالف القواعد القانونية المصرية.
هل خضعت الكاتبة مريم نعوم للرقابة المجتمعية؟
السؤال الأبرز هنا: لماذا تجنبت كاتبة المسلسل، مريم نعوم، الإشارة إلى المواقعة الجنسية رغم أنها العقوبة التي تبرر الحكم بالسجن المؤبد؟ هل كان ذلك خوفًا من الرقابة الحكومية أم من الرقابة المجتمعية؟
يبدو أن المسلسل حاول الموازنة بين تقديم قضية حساسة وتجنب الصدام مع المجتمع، لذا اكتفى بالإشارة إلى التحرش دون الخوض في تفاصيل أشد صدمة للجمهور. ولكن هذا التحفظ جعل الحبكة تفقد مصداقيتها القانونية، مما أدى إلى شعور المشاهدين بأن المسلسل يفتقد للواقعية.ومن المشكلات الأخرى التي وقع فيها المسلسل هي نمذجة الشخصيات، حيث تم تقديم شخصية المتحرش "وسام الألفي" بطريقة نمطية جعلته يظهر كشرير خالص دون أي تعقيد نفسي أو بعد إنساني، وهو ما أضعف تأثير العمل. كذلك، فإن نهاية المسلسل كانت متوقعة إلى حد كبير، حيث حصل المتحرش على العقوبة القصوى رغم عدم ملاءمة الأدلة للحكم، مما جعل الأحداث تبدو غير منطقية.
التأثير النفسي على الممثل الطفل علي البيلي
إحدى النقاط الجدلية الأخرى هي التأثير النفسي على الطفل الممثل علي البيلي، الذي أدى دور الضحية. فتقديم طفل في مشاهد مرتبطة بالتحرش قد يعرّضه لآثار نفسية سلبية لاحقًا، حتى وإن تم توفير دعم نفسي أثناء التصوير.
في علم النفس، هناك مفهوم يُعرف باسم "تأثير الفاكهة المحرمة" (Forbidden Fruit Effect)، والذي يشير إلى أن الأطفال يميلون إلى تجربة الأمور التي يتم تسليط الضوء عليها كشيء ممنوع أو خطير. فإذا تم توعية الطفل بمفهوم التحرش قبل أن يكون مؤهلًا لفهمه بشكل كافٍ، قد يؤدي ذلك إلى إثارة فضوله بطريقة غير مرغوبة، مما قد يدفعه إلى تجربة ما سمع عنه.
وبالتالي، فإن تقديم طفل في مثل هذه الأدوار قد يكون له تأثير سلبي عليه، سواء من خلال التجربة المباشرة أو من خلال فهمه المشوه للمواقف الاجتماعية.
رغم أن "لام شمسية" حاول تقديم قضية شديدة الأهمية، إلا أنه فشل في تحقيق التوازن بين الواقعية القانونية والمعالجة الدرامية، مما أضعف تأثيره وجعله عرضة للانتقادات. فقد أخطأ في تقديم الحقائق القانونية، ونمذج الشخصيات بشكل سطحي، ولم يأخذ في الاعتبار التأثير النفسي على الطفل الممثل. وكان من الأفضل أن يعالج المسلسل القضية بجرأة أكبر، أو أن يلتزم بالحقائق القانونية بدقة، لضمان تقديم عمل درامي أكثر تأثيرًا ومصداقية.










