TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

من يونيتاد الى المحكمة الجنائية الدولية

نشر في: 13 إبريل, 2025: 12:03 ص

حسن الجنابي

انتقل القاضي الدولي كريم خان في عام 2021 الى منصب رفيع آخر هو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، وسيستمر في المنصب لمدة تسعة أعوام أي حتى عام 2030. وواضح أن الرجل حقق بذلك طموحاً شخصياً، كان قد وضعه نصب عينه، وكانت تجربته في يونيتاد في العراق قد أهلته للمنصب المخيف هذا، فضلاً عن تأهيله وجنسيته. فهذه المناصب لا "تمنح" بحسن النوايا، بل يجري الإعداد لها بهدوء وصبر، وشبكات ضغط مؤثرة، وتمويل، ودبلوماسية ذكية، وصفقات تمثيل متبادل في الهيئات الأممية، إذ تُسخّر الدول جلّ إمكاناتها لتحقيقها لصالح مواطنيها المرشحين، ولا يذهب المرشح "هو وربّه ليقاتلا" كما يجري في بلد معروف (أرجو قراءة الملاحظة في أسفل المقال)!
أجد من الضروري التذكير بأن محكمة الجنايات الدولية (ICC) تختلف عن محكمة العدل الدولية (ICJ). فهما ذراعان للعدالة الدولية ويقع المقر الرئيسي لكل منهما في العاصمة الهولندية لاهاي، ويمارسان اختصاصين مختلفين. فالأولى هي محكمة دولية مستقلة تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتعتمد ما اصطلح على تسميته بنظام روما الأساسي الذي أقرته الدول الأعضاء في المحكمة لتنظيم عمل المحكمة وولايتها القضائية. أما محكمة العدل الدولية فهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة وتختص بالمنازعات بين الدول وليس الأفراد وتعتمد ميثاق الأمم المتحدة.
تعتبر محكمة الجنايات الدولية وريثة محكمة نورنبيرغ الشهيرة التي اختصت بمحاكمة النازيين في نهاية عام 1945، وأنزلت حكم العدالة بعدد منهم. وقد تبيّن فيما بعد بأن القانون الدولي يعاني نقصاً في التشريعات التي تسمح بملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية ذات التصنيفات الثلاثة، أي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة، بغض النظر عن مسؤوليات أو مناصب المتهمين بتلك الأفعال. ولا يوجد للمحكمة جهاز لتنفيذ مذكرات الاعتقال، بل يتحتم على الدول التي صادقت على نظام روما الأساسي اعتقال من تصدر بحقهم تلك المذكرات من قبل المحكمة في حال وجودهم على أراضيها.
دخل القانون الأساسي لنظام روما حيز التنفيذ في عام 2002 وتضم محكمة الجنايات الدولية حالياً 125 بلداً عضواً، علماً بأن عدد البلدان الموقعة على النظام بلغ 137 بلداً. فمعروف أن المصادقات قد تتأخر أو تتعثر ضمن الأطر التشريعية الوطنية للبلدان الموقعة، وهو أمر مألوف بسبب تغير الحكومات أو القناعات والمواقف السياسية المتحركة.
من الجدير ذكره هو أن الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وعدد آخر من الدول لم توقّع على معاهدة نظام روما الأساسي، بسبب المخاوف من وقوع بعض قادتها تحت طائلة الاتهام أو الاعتقال، نتيجة احتمال انخراطها في حروب قد تحصل فيها انتهاكات للقانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان بخلاف مضامين اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها الملحقة.
وهذه هي الأسباب نفسها التي منعت العراق من دخول هذه الاتفاقية الدولية الهامة. فقد كنا في دائرة حقوق الانسان في الخارجية العراقية نؤيد انضمام العراق الى نظام روما الأساسي، وكان هناك موقف متردد لدى وزارة حقوق الانسان، التي كانت قائمة قبل الغائها. وكذلك كان مكتب حقوق الانسان في بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) يشجع العراق على دخول الاتفاقية. ولكن حكومة السيد المالكي، والحكومات التي أعقبتها، لم تتخذ تلك الخطوة في وقت كان الإرهاب الداعشي على أشده، وصارت الكثير من المناطق العراقية ساحات حرب لتحرير المحافظات والمدن والقرى العراقية وانتزاعها من قبضة داعش.
معلوم كذلك بأن سريان الاتفاقية لا يجري بأثر رجعي، أي أن الاتفاقية لا تلاحق الأفراد عن جرائم ما قبل الدخول في عضويتها بل ما بعده، لتشجيع البلدان التي تشهد حروباً أو انفلاتاً أمنياً على احترام قواعد الحرب من تاريخ دخول البلد في الاتفاقية لحماية المدنيين والأسرى والبنى التحتية المدنية وما شابه ذلك.
أصدرت (الآي سي سي) مذكرات اعتقال عديدة منذ تأسيسها ونجحت في بعض الأحيان من محاكمة بعض المتهمين حضورياً، كما حصل للزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيج، ورئيس ساحل العاج الذي برأته المحكمة وعاد الى بلاده. ولم تتمكن في أحيان أخرى من تنفيذ الاعتقال كما حصل للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، ومعمر القذافي الذي قتل على ايدي الليبيين، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومؤخراً بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه وآخرين.
ملاحظة: في "البلد المعروف" توجد لجنة ترشيحات للمناصب الأممية، وحصل ان رئيس تلك اللجنة طمع بمنصب أممي كبير يتمثل برئاسة وكالة دولية كبرى تابعة للأمم المتحدة، فانتزع الترشيح، بطريقة "ديمقراطية وشفافة". لكن الأخ المرشح استعجل بإرسال ترشيحه مباشرة الى مكتب الأمين العام لتلك المنظمة، وهو المنصب الذي يريده أخونا لنفسه، معلناً بأن مرشح بلاده. فوجئت سفارة بلاده لدى تلك المنظمة بوصول كتاب ترشيحه الى مكتب المنظمة مباشرة دون المرور بالسفارة حسب الأعراف الدبلوماسية. المهم في الموضوع أمران، أولهما: هو أن "البلد المعروف" لم يكن مؤهلاً للترشيح، لأنه (أي البلد) لم يدفع اشتراكه لتلك المنظمة منذ سنوات، وقانوناً فالبلد الذي بذمته اشتراكات متأخرة غير مدفوعة لا يحق له الترشيح ولا التصويت بالأساس. وثانيهما هو أن الأخ المرشح، حتى لو دخل السباق فهو لم يكن ليحصل سوى على صوته المنفرد من أصل 192 دولة عضو، فهذه المناصب ليست تعيينات عشوائية كتلك المعتادة في تلك البلاد الحزينة.

-يتبع-

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إطلاق سراح النائب الاسبق أحمد العلواني

الغبار يخيم على الأجواء العراقية مجدداً

الأمم المتحدة: مليونا منزل مُدمّر كلياً أو جزئياً في سوريا

نائب يرفع دعوى قضائية ضد أحمد الشرع

برلمانية تحذر من شبكات التهريب: يستغلون النساء المطلقات لتهريب الذهب عبر المطار

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

 علي حسين منذ سنوات وأنا أقرأ كلّ ما يقع بين يدي من كتب عن البلاد العجيبة اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا مروراً بكنزابورو أوي وميشيما، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي . شعب يكتب بحروف...
علي حسين

قناديل: مائدة طعامك التي تقرأ مستقبل العالم

 لطفية الدليمي علّمتْنا تجاربُ كثيرة في الحياة أنّ الأمثلة الشاخصة أكثر تأثيراً في مفاعيلها من المقولات المجرّدة. كلّما نظرتُ في مصدر الطعام الموضوع على مائدتي غمرَني إحساسٌ بأنّ هذا الطعام يمكنُ أن يكون...
لطفية الدليمي

قناطر: هل الثقافة مكملات غذائية ؟

طالب عبد العزيز في العودة الى قضية الجوائز الأدبية بالعراق والوطن العربي نجد أنّها لم تتبلور في قيمتها على المستوى الشعبي، فلا يُشار لأصحابها بالأهمية، ولا نجد لها دوراً في صنع الثقافة، على خلاف...
طالب عبد العزيز

العدالة الدولية تحت المطرقة

حسن الجنابي (الجزء- 3) كان الأمريكان والدول الغربية في غاية الرضا عن الدور الذي كانت تؤديه محكمة الجنايات الدولية (ICC). فقد نشطت المحكمة في ملاحقة بعض الجرائم الدولية، ومنها جرائم بعض القادة الصرب في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram