ثائر صالح
كتب المؤلف الفرنسي سيزار فرانك (1822 - 1890) سوناتا للكمان والبيانو في لا الكبير وأهداها إلى عازف الكمان الشاب البلجيكي الموهوب اُجين إزاي (1858 - 1931) بمناسبة زواجه سنة 1886. وقد عزفها إزاي مع العازفة ليونتين بورد- كين التي صاحبته على البيانو في المتحف الذي أقيم فيه حفل العرس دون إنارة صناعية بعد المغرب، فقدما الحركات الثلاث الأخيرة من الذاكرة في القاعة المظلمة.
يصف أحد مؤرخي الموسيقى أزاي بأنه أحد أعظم عازفي الكمان في كل العصور، إن لم يكن أعظمهم، فقد اجتمع فيه تكنيكه العالي وحذق يده وتكامل ذلك بالذوق الموسيقي الراقي الذي تميز به.
درس إزاي في كونسرفاتوار لييج (بلجيكا)، بعدها تتلمذ على يد عازفي الكمان البولوني هنريك فينيافسكي (1835 - 1880) والبلجيكي أونري فيوتمب (1820 - 1881). أبتدأ نجمه بالصعود في باريس بعد تقديمه عملين من أهم الأعمال الفرنسية المكتوبة للكمان في أواخر القرن التاسع عشر وأكثرها استعراضية: سيمفونية إدفارد لالو الاسبانية ومقدمة وروندو كابريتشيوزو التي ألفها سينسانص.
أثار انتباه أهم الموسيقيين في عصره وحصل على دعمهم، مثل عازف الكمان المجري البارع يوزف يواخيم (1831 - 1907) وعازف البيانو الروسي الشهير أنتون روبنشتاين (1829 - 1894)، وحتى كلارا شومان وفرانس ليست واشترك مع البعض منهم في جولاتهم الفنية لتقديم الأعمال سوية. فقد بهر الجمهور والمتخصصين بروعة عزفه على السواء. وهو في ذلك ينتمي إلى المدرسة الفرنسية - البلجيكية التي تتميز بالأقواس الطويلة ودقة اليد اليسرى في أداء النغمات والتركيز على حركة الساعد بدلاً من كل اليد، في اختلاف عن المدرستين الألمانية والروسية. وكان قادراً على إصدار كل مايستطيع كمان كارنييري دل جيزو (صنع في 1740) أن يصدر من ألوان في الصوت بأرقى نوعية. ويجمع من استمع إلى عزفه على كونه أفضل عازف كمان سمعوه في حياتهم، فيقول عنه سير هنري وود الذي أسس مهرجان البرومز اللندني الشهير "تعلمت من هذا الرجل العظيم في أيامي الأولى أكثر من كل العازفين [المنفردين] لو جمعناهم".
ولم يتوقف الأمر عند مشاركته أفضل العازفين المنفردين في جولاتهم، بل كتب له الكثير من المؤلفين المرموقين أعمالاً ليقدمها، مثل سوناتا الكمان التي كتبها له فرانك (وهي بالمناسبة واحدة من أشهر أعماله). من الأعمال المهمة الرباعية في صول الصغير التي كتبها ديبوسي له (قدمت في 1893)، وكتب له كابرييل فوريه سوناتا الكمان الأولى له، وكتب كذلك ماكس بروخ وإدڤارد كريك أعمالا له.
أسس إزاي رباعي وتري أطلق عليه اسمه، وفرقة أوركسترا قادها بنفسه. فقد برع كذلك بقيادة الأوركسترا. كما ألف العديد من الأعمال الموسيقية للكمان (بينها ست سوناتات منفردة أهدى كل واحدة منها إلى عازف كمان معاصر بارع هي أشهر أعماله) واخرى للبيانو والكمان وبعض الأعمال الأوركسترالية. لم يكن إزاي مقتنعاً بمستواها، لكنها أفضل بكثير مما كان يعتقد بحسب رأي النقاد.