TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين: تحديات القرن الواحد والعشرين

التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين: تحديات القرن الواحد والعشرين

نشر في: 14 إبريل, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

التنافس بين الولايات المتحدة والصين أصبح في السنوات الأخيرة أحد أبرز القضايا التي تحدد ملامح السياسة العالمية، حيث يشتد في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بشكل يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل النظام الدولي. في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى تعزيز نفوذها من خلال مبادرة “الحزام والطريق” التي تهدف إلى ربط آسيا بأوروبا وأفريقيا عبر شبكات التجارة والبنية التحتية، تشعر الولايات المتحدة بتهديد مباشر لنفوذها التجاري التقليدي. هذه المبادرة ليست مجرد مسعى اقتصادي للصين، بل هي في جوهرها استراتيجية تهدف إلى تغيير موازين القوى الاقتصادية، مما دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ تدابير حمائية، مثل فرض رسوم جمركية على العديد من المنتجات الصينية، بهدف حماية صناعتها المحلية.
لكن المنافسة لا تقتصر على الاقتصاد فقط، بل تمتد إلى المجال العسكري، حيث تسعى الصين لتحديث قواتها المسلحة وتوسيع نطاق نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما يمثل تهديدًا للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. هذا التوسع العسكري الصيني يعكس نية الصين لتحدي الهيمنة العسكرية الأمريكية، مما يرفع من مستوى التوترات في منطقة تعد واحدة من أهم نقاط الارتكاز الاستراتيجية في العالم.
في ذات السياق، يعد التنافس التكنولوجي ساحة أخرى يتصارع فيها العملاقان، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات. تسعى الصين لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الغربية، مع التركيز على تطوير شركاتها التكنولوجية مثل “هواوي” و”تيك توك”، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة تهديدًا لأمنها القومي، مما دفعها إلى فرض قيود على وصول الصين إلى بعض التقنيات المتقدمة. هذا السباق التكنولوجي بين البلدين أصبح يمثل ساحة رئيسية للصراع حول مستقبل الابتكار والهيمنة على الصناعات المستقبلية، مثل الذكاء الاصطناعي، وحوسبة الكم، والبيانات الكبيرة.
التحدي الأبرز في هذا التنافس الاستراتيجي هو إمكانية اندلاع صراع عسكري مباشر بين القوتين العظميين، رغم إدراكهما العميق بأن مثل هذا الصراع سيكون كارثيًا على الجميع. ورغم أن كلاً من الولايات المتحدة والصين يعلمان أن الحرب غير المتوقعة قد تؤدي إلى دمار شامل، فإن التنافس على النفوذ العالمي لا يزال يتصاعد. وعلى الرغم من ذلك، يبقى الخيار الأفضل للطرفين هو التنافس المستمر على أرضية دبلوماسية، مع التركيز على التعاون في بعض المجالات الحيوية مثل تغيّر المناخ والتجارة العالمية.
إن ما يميز هذا التنافس هو أنه لا يتم في إطار صراع كلاسيكي، بل في إطار من التحولات الجيوسياسية التي تحدد من سيقود العالم في العقدين القادمين. فمع تزايد دور الصين في الاقتصاد العالمي وازدياد قوتها العسكرية، يصبح السؤال المحوري: هل يمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على هيمنتها العالمية، أم أن العالم سيدخل مرحلة جديدة من التعددية القطبية التي تسهم فيها الصين بشكل أساسي؟ يبدو أن الإجابة تكمن في قدرة الطرفين على إدارة التنافس بشكل دبلوماسي بحيث لا يتحول إلى صراع مفتوح.
وفي الختام، يبدو إن التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين ليس مجرد مواجهة بين قوتين عظميين، بل هو تحول في بنية النظام الدولي الذي قد يكون له تأثيرات بعيدة المدى على العلاقات الدولية. وتظل المفاوضات، والتفاهم المتبادل، والقدرة على التكيف مع المتغيرات هو مفتاح تفادي التصعيد العسكري، وضمان استقرار النظام العالمي في المستقبل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram