علاء المفرجي
شهدت السّنوات الأخيرة تطوّرًا كبيرًا في مجالات الذّكاء الاصطناعي، الأمر الذي جعلها تؤثّر بشكل متزايد على مجموعة واسعة من المهن، بما في ذلك الأدب. ومع بروز تقنيات تعلّم الآلة ومعالجة اللّغة الطّبيعية، أصبح للذّكاء الاصطناعي دور واضح في التّأثير على عملية الكتابة والإبداع الأدبي.
أحد أكثر الجوانب المدهشة لتأثير الذّكاء الاصطناعي على الأدب هو قدرته على توليد نصوص أدبية. بفضل تقنيات مثل GPT (التي تطوّرت منها أدوات مثل ChatGPT)، يمكن للذّكاء الاصطناعي إنشاء نصوص قصيرة، قصائد، وحتّى مقاطع روايات بناءً على مجموعة من المعطيات الأوّلية. ولكن، هل يمكن اعتبار هذه النّصوص إبداعًا حقيقيًّا؟
تقول فيكتوريا غريفيث، أستاذة الأدب المقارن في جامعة كامبريدج: "إن الذّكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا جديدة للإبداع، لكنّه يبقى مجرّد أداة. الإبداع الحقيقي يأتي من البشر، الذين يمنحون الكلمات معنى وروحًا تتجاوز التّركيبات اللّغوية الصّارمة". وتضيف: "حتّى الآن، ما يفعله الذّكاء الاصطناعي هو تقليد الأنماط، وليس خلق أفكار جديدة".
بالتّالي، فإنّ الذّكاء الاصطناعي لا يمكنه "استبدال الكتّاب"، إلّا أنّه يمكن أن يكون أداة قويّة في تحسين العملية الإبداعية. يُستخدم الذّكاء الاصطناعي الآن في مراحل الكتابة المختلفة، بدءًا من التّخطيط إلى تحرير النّصوص، وحتّى تحليل ردود فعل الجمهور. يمكن لهذه الأدوات مساعدة الكتّاب في تحسين أسلوبهم، وتجنّب الأخطاء الشّائعة، وحتّى اقتراح أفكار جديدة.
السؤال فهل يستطيع الكاتب الحقيقي أن ينافس الذكاء الاصطناعي، بما يمتلكه امكانيات هائلة في انتاج النصوص بسرعة وبدقة عالية؟ وهل يمكن استبدال الذّكاء الاصطناعي بالكتّاب ؟أو يمكن يمكن أستخدامه في أن يكون يكون أداة قويّة في تحسين العملية الإبداعية.
الروائية ميسلون هادي: سيبقى الإرباك موجوداً في عمله، والنقص واضحا فيه، واللوحات خالية من الروح تماما.
الذكاء الصناعي يجمع المعلومات ويحاكي الصور بجولة خاطفة على ملايين المواقع الالكترونية، التي زودها (الإنسان) بالمصادر والمعلومات والخبرات والتجارب الحياتية، لكن لو افترضنا أن الانترنت ينفتح على فراغ مديد، أي لا توجد فيه أية معلومات أو صور أو رسومات يحاكيها الذكاء الصناعي، فماذا يفعل؟ ومن أين تأتي حصيلته في الرد على أي سؤال؟ وكيف سيكتب قصيدة أو يؤلف قصة؟ لن يستطيع ذلك طبعاً.. وبما أنه يفعل هذا كله الآن بالتلفيق والمحاكاة، فسيبقى الإرباك موجوداً في عمله، والنقص واضحا فيه، بل أن اللوحات التي يرسمها كئيبة وخالية من الروح تماما.
إذا تطور الذكاء الصناعي إلى درجة تلافي هذه الأخطاء، وأصبح مكان الكتب البشرية في المتاحف فقط، فسيكون هذا التدخل كفيلا بقتل الروح الإبداعية لديه، ثم تمزيق طبيعته الاجتماعية وإصابته بحالة من التشاؤم والاكتئاب
الكاتب جمال العتّابي: المخاوف الجدية والرئيسة بشأن تأثيره على الفكر الإبداعي قائمة
قد يكون مستقبل الإبداع البشري صعباً للغاية، إذا أخذنا بالنظرة التي تقول أن الذكاء الاصطناعي قادر على خلق الإبداع، وهو (السيناريو) الأكثر ترجيحاً في المستقبل. هذه الفرضية تدعونا الى التفكير بنوع العلاقة بين طرفي المعادلة (الإنسان -الذكاء الاصطناعي) وفرص التعاون بينهما. البعض يعتقد أن هذا التعاون، بالإمكان أن يرتقي بالعمل الفني أو الأدبي إلى مستوى يثير الدهشة، وهؤلاء الى جانب الرأي الذي يرى في الذكاء الاصطناعي، قدرته على توليد خيارات لا حصر لها، لا تحدّ من خيالات المبدع، مما يفتح آفاقاً جديدة أمامه لاستكشاف قدراته الابداعية.
إلا ان المخاوف الجدية والرئيسة بشأن تأثيره على الفكر الإبداعي قائمة، تشكل قلقاً مشروعاً على الدور الانساني في العملية الابداعية. الدور المتمثل بالمشاعر والأحاسيس وأنماط التفكير، وأهم من ذلك (الروح) التي تسم العمل الابداعي هويته وأسراره، وطابعها الانساني. تمنح النص أوالعمل الفني الحضور الزماني وإلهامه السحري أو موسيقاه الداخلية.
إني لأتساءل أيضاً: كيف للذكاء الاصطناعي أن يتخيل الرمز، واستدعاء التاريخ أو الأساطير؟ كيف له التعبير عن التحولات الوجدانية والعاطفية ليمتدّ في المجهول؟ باعتقادي أن ثمة شيء يظل مفقوداً في النص أو العمل الإبداعي الذي تنتجه الآلة الجامدة. انها الألفة الحميمية التي يخلقها المبدع من أعماقه، هي السر في خلود أعماله وأصالتها، وتواصلها مع الزمن.
ومع أننا ندرك الإمكانات اللامحدودة التي سيوفرها الذكاء الاصطناعي في المجالات كافة، وما أثاره من عصف ذهني، بما أتاح لأي شخص أن يكون فناناً أو كاتباً دون أي تدريب أو موهبة، حينذاك تختلط المعايير والمقاييس، وترتبك الأسس النقدية والجمالية في صعوبة التمييز بين الأصيل و (الملّفق)
الروائي سعد سعيد: لا أستطيع البت في نتيجة هذا التنافس الذي بدأ مع ولادة هذا الذكاء الاصطناعي
أما عن اعتبار هذه النصوص ابداعا حقيقيا، فالاجابة عنه سهلة، لأن الابداع بالاساس هو الاتيان بشيء من لا شيء وهذا ما ستعجز عنه الآلات، في الوقت الحاضر على الأقل، ما دامت تعتمد على تدخل البشر لتزويدها بالتعليمات اللازمة لتأدية المطلوب منها، ولكن الاجابة عن الباقيات لن يكون سهلا، فهل يستطيع الكاتب الحقيقي أن ينافس الذكاء الاصطناعي؟ طبعا لا، ولكن الأمر سيكون مقارنة بين الدقة والسرعة، وامكانية انتاج نص مبدع حقيقي، فملايين النصوص المتقنة التي ستنتجها الالات لن تستطيع ان تصمد امام نص مبدع حقيقي واحد وهذا ما لا تستطيع الالات فعله لأنها تفتقد الى الروح البشرية وارهاصاتها وحدود الخيال القصوى التي يتمتع بها البشر.
أنا لا أستطيع البت في نتيجة هذا التنافس الذي بدأ مع ولادة هذا الذكاء الاصطناعي لأنني لا أستطيع تخيل الحدود التي سيصلها مع هذا التطور العلمي الهائل الذي يزداد تسارعا بشكل يومي، ولكن اذا تمكن هذا الذكاء من التفكير لنفسه، عندها لن تكون مشكلتنا معه تساؤلات أدبية او ثقافية او فكرية، بل سيكون الأمر مصيري حين يبدأ هذا الوحش الذي صنعته البشرية بالتفكير في كيفية بسط سيطرته علينا!
الناقد عمار الياسري: هل تعد نصوص الذكاء الاصطناعي نصوصًا مكتفية بذاتها؟ الجواب بالتأكيد لا
منذ الصيّرورة الأولى لنظريّة الأجناس الأدبيّة التي حاولت وضع تقعيدات فنيّة تضبط بنية النصوص الإبداعيّة، شغل التجريب الذات المنتجة حتى أضحت التحولات البنيويّة للشكل من متبنيات الذات الأدبيّة والفنيّة.
ومع التطورات العلمية والتقنية التي شهدتها العقود القليلة الماضية لم تكتف المغايرة النصيّة بما تنتجه الذات الشاعرة أو الساردة، إذ قوضت الرقمية والتفاعليّة مركزية النص بوصفها نصًا جماليًّا محايثًا للنص الإنساني يتفاعل ويتأزر معه، لذا عد الأدب الرقمي والتفاعلي من الأجناس الأدبيّة التي حققت المغايرة النصيّة.
ومع ثورة الذكاء الاصطناعي شاعت مفاهيم منها بؤس البنيويّة وموت الإنسان وموت السينما وما إلى ذلك، الهدف منها بروز الآلية وسقوط الذاتية لكنها طروحات عقيمة تعاملت مع سطحية الشكل من دون ملامحه الجماليّة، فالعوالم السحرية أو المتخيلة أو المعاد تشكيلها المستدعاة في بنية السرد الروائي لم يستطع الذكاء الاصطناعي صياغتها على الرغم من الخوارزميات الوافرة التي يحاول المطورون وضعها في ذاكرة الذكاء، والتحولات البصريّة والفكرية للدلالات النصيّة المبثوثة في بنية القصيدة سابقة لما يجوس في ذاكرة الذكاء، ليس هذا فحسب بل الجماليّة السحرية التي تعيد تشكيل الواقع يعجز عن ملاحقتها الذكاء، لكن السؤال الذي يطرح هل تعد نصوص الذكاء الاصطناعي نصوصًا مكتفية بذاتها؟ الجواب بالتأكيد لا، لأنها لا تستوعب مفاهيم المغايرة والفردة والتجريب لأنها تلاحق المدون وتحاول محاكاة بطريقة بدائية، إذن هي صورة لمحاكاة جديدة، محاكاة رقمية مازالت في صيروتها الأولى ليس إلا.
قبالة هذا المشهد ساهم الذكاء الاصطناعي في صياغة مشغلًا إبداعيًا مساندًا لما تقوم به الذات الإبداعيّة، عبر قدرته الفائقة في المسك بمواقع الرواة في بنية الرواية وضبط الأنساق السرديّة على وفق تدفقها السرديّ والمساهمة في ضبط نسيج الحبكة السرديّة وما إلى ذلك، فيما ما زالت أسهماته الشعريّة دون المستوى المقبول.
ثنائية الإنسان والآلة أسطورة الأدبيّة الجديدة في رحلة تآزر وتنافر ووجود وعدم وصيّرورة وسيّرورة سينتصر أحدهما ذات يوم.
الروائي حميد المختار: لن تكون نصرصا إبداعية حقيقية لأنها نصوص مفبركة ومعلبة كعلب السردين
يمكن للذكاء الاصطناعي ان يدخل في تحسين وتطوير مهن وصناعات كثيرة ويمكنه ان يجترح المعجزات الصناعية وان يمنح الكثير من البلدان تطورا مذهلا وكبيرا، وها نحن نرى مايحدث في العالم المتقدم وربما يكون المستقبل مرعبا بسبب دخوله في كل الصناعات الحيوية،، ولكن السؤال هنا هل يستطيع هذا الذكاء الاصطناعي ان يدخل في مجال الأدب وان ينافسنا في كتابة الشعر والقصة والرواية؟؟ نعم قد يستطيع أن ينتج نصرصا سردية وقصائد قصيرة وبعض المقاطع من الروايات والنوفيلا،، لكنها ستكون نصرصا ميتة وخالية من الروح ومقفلة الاحاسيس، بل وخالية من الخطأ البشري الجميل الذي ميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية على سطح المعمورة، جربت أكثر من مرة محاورته عبر اسئلة في مجال تخصصنا الإبداعي وتبين لي غباءه وجعله في العديد من المصطلحات والمفاهيم والأسماء المعروفة في مجال الشعر والسرد، نعم قد يكون النص المصنوع الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي نصا موزونا وخاليا من الأخطاء العروضية والبنيوية ومستوفيا لبعض شروط اللغة لكنها قطعا لن تكون نصرصا إبداعية حقيقية لأنها نصوص مفبركة ومعلبة كعلب السردين والشكولاته لهذا ستولد النصوص باردة وغائبة عن الوعي الإنساني،، لايمكن للاله ان تكون بديلة عن الإنسان في مجال الإبداع، ولايمكن لها ان تصنع مايجترحه الإنسان من أعماق الذات البشرية الهائلة، وهذا سر غيبي ورؤيوي لعبت فيه السماء دورا غامضا وخطير،، سيبقى الإنسان سيدا على أرضه وسمائه في سره علانيته في صمته وصراخه ونتاجه الإبداعي والعقلي وفلسفاته التي ستكون الآلة وذكاؤها الاصطناعي بلهاء وبلا مقدرة، وعاجزة عن تقديم مايبدعه الإنسان مهما تطور العلم وتفوقت التكنولوجيا.
الروائية رغد السهيل: أعتقد أن النقد هو من سيكون في مأزق حقيقي، فكيف سيتم الكشف عن هكذا نصوص
الأمر بالفعل محبط للكاتب، لكن أعتقد ان السؤال الأصح هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن ينافس الكاتب الحقيقي؟ وليس العكس، لأن التجربة والانفعالات الانسانية لا يمكن أن تحددها أو تتوقعها الخوارزميات الرقمية، الانسان رغم العلم الهائل الذي وصلنا اليه ما زال عالما مجهولا خصوصا في انفعالاته ونوازعه والابداع يهتم بتلك الانفعالات التي لا تسير على خط منهجي محدد مسبقا، قد يقدم الذكاء الاصطناعي أفكارا او مقترحات أو بعض الاضاءات للنصوص تخدمها لكنني أعتقد من الصعب أن يأخذ دور المبدع الذي يتعامل مع الواقع الحي بكل تناقضاته والذي تحدث فيه دائما أحداثا مباغته غير متوقعة قد تكون خارج المنطق وقد تكون بعيدة عن كل التفسيرات العلمية على العكس من الذكاء الاصطناعي الذي يقيس الأحداث بالخوارزميات والتوقعات بناء على معطيات معينة لكن العوالم النفسية للانسان خارج تلك الحدود، من الجانب الآخر أعتقد أن النقد هو من سيكون في مأزق حقيقي، فكيف سيتم الكشف عن هكذا نصوص وكيف سيتم التعامل معها وهل سيكون لدينا نقدا خاصا بالذكاء الاصطناعي أم يتداخل ويتنافس مع النقد الحالي؟ ربما هذا الأمر مخيف لأنه قد يهدد النقد أكثر من النص لأن النقد هو من يعتمد النظريات والمعطيات المتفق عليها وليس النص بحد ذاته، أعتقد كل هذه الأسئلة لن تحسمها الا التجربة والنتائج، وعلى حد علمي ما زال استخدامه الأدبي محدودا أو لم يجد الرواج الكبير بعد على الأقل في عالمنا العربي، رغم انني قرأت عن انجاز قصة يابانية باستخدام الذكاء الاصطناعي ولست أعرف مدى تفاعل وتقبل القراء لها، فالقارئ هو الحكم والفيصل، وبكل الاحوال أصر أن الانفعالات والنوازع البشرية أكبر من جميع الخوارزميات..
الناقد خالد خضير الصالحي: لسنا الجيل الاقدر على تلمس أهمية الذكاء الاصطناعي
لا تشكل السرعة في كتابة النصوص هاجسا لدى الكاتب الذي همومه ابداعية خالصة، كما لا يوجد مفهوم يدعى (الدقة) في الكتابة الإبداعية، ولكن ربما يوجد مفهوم (الاشتغال المتأني) في الكتابة، كمقابل لما اسماه السؤال (الدقة).
قبل 50 عاما شهد شهدنا بداية الذكاء الاصطناعي في لعبة الشطرنج، وسخرنا في إمكانية ملامسة الالة للجوانب الانسانية الخبيئة في لعبة الشطرنج، فقوة البشر تمثلت في تقليص الخيارات الممكنة، بينما تتفوق الالة بحساباتها السريعة، وبالغة الضخامة، ولكن الالة استطاعت خلال عقود ان تهزم بطلين للعالم هما، كاسباروف وكرامنيك، عندها اعلن البشر هزيمتهم امام الكمبيوتر، وصارت البرمجيات متيسرة لأضعف لاعبي ومدربي الشطرنج في العالم، ولكن الالة لم تزح البشر عن ممارسة الشطرنج، وكانت عاملا مساعدا شديد الأهمية في الارتقاء بالمستوى البشري فيها، والامر مماثل للذكاء الاصطناعي الذي باعتقادي سيشكل عامل ارتقاء بمستوى الكتابة البشرية؛ كما هو عامل ارتقاء في كل المجالات التي دخلها الكمبيوترضمن حياة البشر.
لا اعتقد اننا الجيل الاقدر على الحكم على تجربة الكتابة عبر الذكاء الاصطناعي؛ فنحن جيل لم نتمكن، ولن نتمكن من التغلغل في هذا العالم، لانه لم يدخل نسيج حياتنا بالكامل، على عكس الاجيال اللاحقة التي ستنشأ في ظل الذكاء الاصطناعي وتعيشه يوميا فهي الاقدر على تلمس اهميته وهي التي ستطبقه وهي التي ستختبره عمليا..
المترجمة رغد قاسم: فهناكَ مَخاوفٌ مِن ديستوبيا أَدبيّة، تُذكّرنا برواية (عالَم جَديد شُجاع لهسكلي)
لا شَكّ أَنَّ الذَكاءَ الاصطِناعيّ هو قَفزةٌ هائِلةٌ للمُستَقبل، وتَحوَّلٌ عَميقٌ في التاريخ البَشريّ، يقارنُ اليَوم -وهو لمْ يبلغْ بَعد أَقصى إمكانيّاته- باكتِشاف النار، واختِراع الكِتابة!
فيما يَخصُّ الأَدَب، فهناكَ مَخاوفٌ مِن ديستوبيا أَدبيّة، تُذكّرنا برواية (عالَم جَديد شُجاع لهسكلي)، حيثُ يُقصى الفنان قَسريّاً لصالح الآلة التي تتولّى إنتاج ثَقافة الإِلهاء، وهذه مخاوِفٌ مَشْروعة؛ لضَمان وَلاء المُستخدمين، وظَّفتْ مَواقِع التَواصل تعلُّم الآلة -ذَكاء اصطِناعيّ- لإنتاج حالة شَبيهة بالإدمان، تَسبَّبتْ بتَغيَّر الدِماغ حَرفيّاً؛ خَملَ الفَصّ الجَبهيّ المَسؤول عَن التَفكير النقديّ، وتقلَّصتْ مُدّة الانتِباه!
الذَكاء الاصطِناعيّ -حالياً- أَداة لمْ تستقلّ بذاتِها، ومثلَ أَيّ أَداة فالفَيصل هو طَريقة استِخدامها، فبوسعه إنتاج نُصوص أَدبيّة قَصيرة عِند الطَلَب -يهلوس في النُصوص الطويلة- وهذا ليس أَدَباً حقيقيّاً بل مُحاكاة للأَدب، تحليل لأَنماط النُصوص البَشريّة، وتوليف لمَحاسِنها التَقنيّة واللغويّة في نَصٍّ سَريع ومُتقن شكلياً، لكنَّه بلا روح ولا عاطِفة. ليسَ لدى الآلة هَدف واعٍ، أَو مَشروع فنيّ، أو فردانيّة من أَيّ شكل. لمْ يمتلكْ الذَكاء الاصطِناعي اللُغويّ خُصوصية التجربة الأَدبيّة، فالمشاعِر والخطأ والتجربة في عملية الأبداع، تتناقضُ مع أَساسيات مَنطقِه.
أخيراً لنتذكَّر أَنّ الخوف لنْ يمنعَ التقدُّم بل سيَضمن ُحدوثه بدوننا، كما يُقال، وبدلاً عن تَكرار نَكسة مَنع المطابِع، لنفد مِن إمكانات الآلة، في تَعزيز الانتاج، وتقليص الهوة الشاسعة بينَ الشَرق والغَرب، بدلاً عن تَعميقها حَدّ الانفِصال!
السيناريست مصطفى حسن: أعتقد بأن الإبداع الإنساني في مجال الكتابة سيظل محافظ على أهميته
استطاعت التكنلوجيا القضاء على عدد من المهن، واحالت الكثير من العاملين في عدد من المجالات إلى "تقاعد قسري"!
لكني أعتقد بأن المواجهة بين الإنسان، والآلة، ستكون مختلفة نوعا ما في مجال الكتابة الإبداعية، فالالة التي تتفوق على الإنسان في بعض القدرات والامكانيات، لا تمتلك المشاعر، ولا الأحاسيس، التي يتميز بهذا الإنسان الكاتب المُبدع كثيراً، والتي هي أحدى أبرز أدواته الكتابية.
أعتقد بأن الإبداع الإنساني في مجال الكتابة سيظل محافظ على أهميته. مثلما لم تلغي الكاميرا عمل الرسام، لن تغلي قدرات الذكاء الاصطناعي، عمل الكاتب. وأتوقع بأنه في المستقبل ستكون هناك تصنيفات مُتعددة للكتابة، مثلا؛ نصوص لكتابها المُبدعين(بشرية)، ونصوص من صناعة الذكاء الاصطناعي(صناعية)، ونوع ثالث من النصوص(هجين)، يتعاون الأثنان(الإنسان مع الذكاء الاصطناعي) بالتساوي على إنتاجه، وتطويره.
الناقد علي فواز: تظل صناعة النصوص الذكية، جزءا من لعبة الانسان في صراعه الانثربولوجي مع الطبيعة،
لا يجوز وضع الانسان في منافسة مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لأن الانسان هو صانع البيانات والمعلومات، لكن الطبيعة الوظائفية الفائقة لهذا الذكاء هي ما تمنحه قوة التجديد، والتجاوز، وصياغة لغة سريعة التداول للنصوص، لا تنفصل عن استعمالات الانسان، لأن المخفي والسري والحميم في هذه النصوص هو ما يجعل الانسان خارج المنافسة، وداخل لعبة النظام التكنولوجي، القائم على التوظيف وتهيئة الاستعدادات والاليات والبرامج التي تجعل من الذكاء الاصطناعي مجالا لمواجهة محدودية الانسان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لأن سر الانسان يكمن في محدوديته، وفي بحثه الدائب عن الجدة، وعن القوة وحتى عن الخلود، في الوقت الذي يكون فيه الذكاء الاصطناعي مجالا مفتوحا، يرتهن عمله بديمومة البيانات والمعلومات، وبطاقة الإنتاج غير المحدودة التي يمارسها، عبر الأجهزة التي يطور تقاناتها الانسان..
ما يصنعه الذكاء الاصطناعي عبر Chat GPT GDS من اشكال، ومن نصوص ليست دليلا على قدرة تجاوز الانسان، لأن تلك النصوص والاشكال تظل جزءا من شغف الانسان بالتقدم، وهذا ما يرتبط بأهمية البيئة الثقافية والعلمية التي تعطي لهذا الذكاء افاق واسعة، وحيوية تتطلب من الانسان استعدادات وتكيفات تجعله اكثر تفاعلا مع عالم هذا الذكاء، ومع الحاجة اليه في الاختصار، وفي تمثيل حاجات تعبيرية لا تلغي الانسان من السياق، لكنها ستحفزه على تطوير أنماط تفكيره وتحسين بيئته العلمية والثقافية، وحتى وسائل تعبيره واستخدامه للادوات والأجهزة الفائقة..
تظل صناعة النصوص الذكية، جزءا من لعبة الانسان في صراعه الانثربولوجي مع الطبيعة، ومع الحاجة الى السيطرة عليها، والكتابة البديلة لن توفر اشباعا وجوديا، وتعويضا عن الشغف الوجودي، لأن ستكون شبيهة بالأم البديلة التي تدخل في يوميات الاسرة والنظام الاجتماعي، لكنها تفتقد الى شرعية المعنى العميق، ولذة الاحتواء، وما يحمله من شفرات ومعان...
الناقد حيدر عودة: هو شبح يسبح بين الخوارزميات التي يصنعها عقل الإنسان
التطور التكنولوجي يقدم لنا الذكاء الاصطناعي ويصيبنا بالرعب والهلع.. فهو من ناحية اختصر عمليات كثيرة في الطب والصناعة وقراءة الآثار والبحث وغيرها. وأخيراً وصل لأن ينتج ابداعات في الأدب والبحوث والدراسات والإعلام وغيرها من الأجناس الأدبية. لكن السؤال هنا: إذا كان الأدب نتاج تجربة بشرية وعمل يعكس الفكر والتجربة الحياتية والثقافية للإنسان، فماذا يعكس لنا الذكاء الاصطناعي الذي يوجهه الإنسان؟ فهو شبح يسبح بين الخوارزميات التي يصنعها عقل الإنسان ويجمع ما يغذيه الإنسان من معلومات، فصارت تتشكل بعناوين يطلبها الباحث عن نص ما أو بحث معين! أليست الكتابة الإبداعية نتاج بشري؟ فكيف نفهم نتاج برامج مصنعة او تقبلها كأنها مخرجات بشرية؟ اين التجربة الإنسانية الكامنة خلفها؟ وهل يمكن فصل النص الإبداعي عن منتجه ـ الكائن البشري-؟ وكيف يمكن اعتبار أن النتاج الالكتروني بشري الروح وهو ليس كذلك؟ نعم يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في اقتراح نتاجات أدبية أو بحثية معينة تفيد الكاتب الهاوي أو الباحث، لكن في حدود معينة، لا تزيد عن 5 - 8٪ في أحسن الأحوال. لا أظن ، على الأقل الآن، أن غياب الإنسان صاحب النتاج الإبداعي عن نتاجه يمكن أن يتفاعل كما يتفاعل النص البشري مع القارئ. ولذلك لا أظن أن شيئاً - مهما بدا متقنا- أن يعوض النتاج الإبداعي البشري.