TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

نشر في: 17 إبريل, 2025: 12:11 ص

رشيد الخيُّون

نعيش زَمناً نهمس في دواخلنا: أنحن أبناء القرن الحادي والعشرين، وأدركنا منتجات العقل البشري في اِختراعاته واكتشافاته الهائلة؟ بينما تجدنا ضائعين في الأعجبَ والأغربَ مِن الأوهام! زمن يحلق بنا بأجنحة التَّخلف، حتَّى صرنا كما قال ابن حِلِّزَة اليشكريّ (قبل الإسلام)، في نشوه وصحوه، وهو ما ليس في المعلقة: «إذَا انتشيتُ فَإِنَّنِي/ رَبُّ الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ/ وَإِذَا صَحَوْتُ فَإِنَّنِي/ رَبُّ الشُّوَيْهَةِ وَالْبَعِيرِ»، ومنها البيت الذَّائع: «وأحبها وتحبني/ ويحب ناقتَها بعيري»(المغربيّ، نشوة الطَّرب).

دعا الاِنتشاء بنزاعات الماضي صاحب عِمامة سوداء، يقف محمساً الأتباع بهتاف «البصرة علويَّة»، وهي مجرد إغفاءة، ما أن يستيقظ منها، الخطيب والجمهور، سيجدون أنفسهم بين ركام مِن المآسي. تجده بالوهم ملكَ الخورنق والسّدير، قصري النّعمان بن المنذر بالحِيرة، وإذا البَصرة التي يخاطبها بمجدٍ علويّ، يطلب صبيانها الماء العذب، وكانت أم الماء، ويستورد أهلها التّمر، وكانت أمَّ النّخيل، لكنَّ «كلّ خَاطِبٍ عَلى لِسَانِهِ تَمْرَةٌ» ما يراه لنيل حاجته (الميدانيّ، مجمع الأمثال). سَلخ هتاف «البَصْرة علويّة» البَصْرة عن العِراق، عشية مباراة كرة، على أرض البَصرَة، ويصادف تاريخها طعن عليّ بن أبي طالب، ثم وفاته (21 رمضان 40هج)، وموعد المباراة ليس بيد حكومة البَصْرة ولا العراق كافة، إنما توقيت خاص مِن «الاتحاد الدُّولي لكرة القدم» (الفيفا)، وحسب تقدير صاحب الهتاف أنَّ البَصْرة، إذا سمحت بالمباراة، في عشية المناسبة، ستكون «عثمانيَّة»، نسبةً إلى عثمان بن عفان (قُتل: 35هج)، وتعود إلى أجواء معركة «الجمل» (36هج) حيث البْصَرة! فحسب أصحاب المنابر،
على العِراق ألا يحسب للعالم حساباً، تُحدد أفراحه وأتراحه بالولادات والوفيات، ونزاعات قبل أربعة عشر قرناً. لم يكفِ صاحب العِمامة الجدل، الذي ملأ الكُتب في هذه القضية وغيرها مِن السّابقات، تراه أعادنا إلى الجدل بين معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد، وعليه صُنف معتزلة البَصْرة عُثمانيَّة سُنيَّة، ومعتزلة بغداد علويّة زيديَّة، ويومها كتب الجاحظ (ت: 255هج) رسالة عُرفت بـ «العثمانيَّة»، رابطاً الأفضلية بين الأربعة الرَّاشدين، حسب القِدم في الخلافة، فردها عليه المعتزليّ البغداديّ أبو جعفر الإسّكافيّ (ت: 240ه) في «نقض رسالة العثمانيّة»، ولأنَّ الجاحظ كان أستاذاً في زَمنه تجاهل الإسكافيّ. حصل أنّ «دخل أبو عثمان (الجاحظ) صف الوَّراقين (سوق الكُتب) ببغداد، فقال: مَن هذا السّواديّ (الريفيّ) الذي بلغنا أنه يعرض لنقض كُتبنا! والإسكافيّ جالسٌ، فاختفى حتَّى لم يره» (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة). غير أنّ الجاحظَ إذ جعل التَّفضيل حسب تسلسل الخلافة، مقابل الإسكافي وأصحابه، الذي قالوا بالفاضل والمفضول، كان يكن لعليّ كلّ التقدير، وكَتب في خصومه رسالة «النَّابتة» (رسائل الجاحظ)، والتي سميت أيضاً بـ«رسالة بني اُميَّة»، ومع ذلك، صنّفه الفقيه الشّيعيّ أحمد بن موسى بن طاووس (ت: 673هج) في: «المقال الفاطميَّة في نقض رسالة العثمانيَّة» مِن النَواصب، والنَواصب، الذين يسيئون لآل البيت، هم عند فقهاء السّنّة، مثل الغلاة بهم عند فقهاء الشِّيعة، خارج الإسلام. كيف يُعتبر الجاحظ ناصبيَّاً وهو القائل: «وقال عليّ رحمه الله: قيمة كلِّ امرئ ما يحسن. فلو لم نقف مِن هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة، لوجدناها شافية كافية، ومجزئة مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية، وغير مقصرة عن الغاية» (البيان والتبيين). أقول: ماذا تجني البصرة مِن علويتها أو عثمانيتها، والقوم اختلفوا وتصالحوا،
وماذا يجني العِراق مِن خطاب مأزوم، غير جهلٍ تراكميّ، وربّما لا يهم صاحب الهتاف أمر العِراق، وهو مِمَن سمنت نحورهم بخيره، فمِن حقّه إذا تمثل بما تمثل عبيد الله بن الحر (قُتل: 68هج): «لا كوفة أمّي ولا بَصْرة أبي/ ولا أنا يثنيني عن الرِّحلة الكسل» (الطّبريّ، تاريخ الرُّسل والملوك)، فقلبه لا يعتصر على بلد يهدمه الطّائفيون، مِن أمثاله، «حجراً حجراً»، فليس له مصلحة ببَصرة عراقيّة عامرة، لا عثمانيّة ولا علوية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram