TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الفروق الحاسمة بين الجهل والغباء

الفروق الحاسمة بين الجهل والغباء

نشر في: 20 إبريل, 2025: 12:02 ص

د. محمد الربيعي

في الحكم والامثلة والاقوال والشعر غالباً ما يتم طمس تمييز حاسم بشكل مأساوي: الفرق بين الجهل والغباء. لذا، لأولئك الذين يعانون من هذه المعضلة الفلسفية المعقدة، اسمحوا لي ان انير الطريق الى التنوير (أو على الأقل لفهم معتدل).
الجهل ببساطة هو نقص في المعرفة. انت لا تعرف شيئاً ما. ربما لم تتح لك الفرصة لتعلمه ابداً. ربما كانت المعلومات مخفية في مجلد مغبر في مكتبة منسية (او غير متاحة بسهولة على الويكيبيديا). الأمر يشبه عدم معرفة كيفية التحدث باللغة السنسكريتية. هذا لا يجعلك سيئاً، فقط… لديك تحدي في اللغة السنسكريتية. الجهل قابل للشفاء. يمكن علاجه بالكتب او الأفلام الوثائقية او بحث جيد على غوغل، او حتى محادثة مع شخص يعرف بالفعل عما يتحدث.
والجهل هو عكس الذكاء، بصورة عامة. فالذكاء يرتبط بالقدرة على التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتعلم من التجارب. بينما الجهل هو غياب هذه القدرات، مما يجعل الشخص غير قادر على فهم العالم من حوله او التفاعل معه بشكل فعال. فالشخص الجاهل يفتقر الى الأدوات المعرفية التي تمكنه من تحليل المعلومات وتقييمها واتخاذ قرارات مستنيرة.
اما الغباء فلا يتعلق بنقص المعلومات وانما يتعلق بالحصول على المعلومات، حتى بعد أن يتم دفعها مباشرة الى مقل عينيك، ثم الشروع في "اتخاذ قرارات غير صحيحة". الأمر يشبه ان تكون متحدثاً بطلاقة للغة السنسكريتية ثم تستخدمها للخطابة كما يفعل بعض قادة العراق الميامين. بالتأكيد، يمكنك فعل ذلك، ولكن… لماذا؟ الغباء وحش عنيد. انه مقاوم للحقائق والمنطق وحتى الحس السليم. انه يزدهر بالمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة والايمان الراسخ بأن رأي المرء المعيب بشدة يعادل بطريقة ما الحقيقة القابلة للتحقق.
هل الغباء عكس الذكاء؟ يمكن القول ان الذكاء هو العكس الأكثر شمولاً للغباء، حيث يشمل مجموعة واسعة من القدرات المعرفية والعقلية التي تمكن الشخص من فهم العالم والتفاعل معه بفعالية. ولكن، من المهم ايضا ان نأخذ في الاعتبار المفاهيم الأخرى مثل الفطنة والحكمة والوعي والتعقل، حيث انها تمثل جوانب مختلفة من القدرات العقلية التي تتناقض مع جوانب مختلفة من الغباء.
بأختصار، الذكاء هو القدرة على الفهم السريع والتفكير المنطقي وحل المشكلات والتكيف مع المواقف الجديدة. اما الجهل فهو نقص المعرفة او عدم الالمام بالحقائق. بينما الغباء هو نقص في الفهم والإدراك مع احتمال وجود معرفة ولكن عدم القدرة على تطبيقها بشكل صحيح او اتخاذ قرارات منطقية.
هذه بعض الأمثلة البسيطة للفرق بين الجهل والغباء، وأرحب بمشاركتكم بأمثلة أخرى:
الجهل:
عدم معرفة عدد الأحزاب السياسية المتنافسة في الانتخابات (لأن العدد كبير جدا لدرجة النسيان).
الاعتقاد بأن "القضاء على الفساد" هي خطة حكومية.
عدم التمييز بين تصريح مسؤول حكومي وبين نكتة سمجة.
السؤال عن مكان الاختناقات المرورية في يوم العطلة الرسمية (وكأنها اختفت تماما).
عدم فهم أسباب انقطاء الكهرباء وارتفاع اسعار المواد الغذائية بشكل مستمر.
الاعتقاد بأن المسؤولين الحكوميين جادون في "مكافحة الفساد".
الظن بأن بناء مجّسر آخر سيحل مشكلة الازدحام.
عدم فهم ان الشعب ينتظر حلولا جذرية وليس مجرد "مسكنات مؤقتة" للأزمات.
عدم فهم ان الأمن الحقيقي لا يتحقق بالمليشيات وقوات الامن، بل ببناء دولة قانون عادلة.
عدم معرفة ان ثروات البلاد يجب ان تستغل لخدمة الشعب وليس لتمويل النخب الفاسدة.
الغباء:
انتظار تحسن خدمات الكهرباء دون وجود أي مؤشرات حقيقية لذلك منذ عقود.
التصويت لنفس الوجوه السياسية التي وعدت بالاصلاح في الانتخابات السابقة وفشلت.
تصديق الوعود الانتخابية.
الاحتفال بوضع حجر الأساس لمشروع ستنهب الاموال المخصصة له.
القاء اللوم على "الأصابع الخارجية" في كل مشكلة داخلية، وكأن القوى السياسية الداخلية لا دور لها فيه.
تجاهل التقارير الدولية التي تشير الى مستويات الفساد القياسية، والادعاء بأن "الأوضاع تتحسن".
الاستمرار في اطلاق نفس الوعود والتصريحات في كل مناسبة وكأن الذاكرة العراقية قصيرة جدا.
محاولة تبرير القرارات الخاطئة بمنطق أعوج لا يقنع حتى الأطفال.
تبني سياسات طائفية وعرقية تزيد من الانقسام والكراهية بين مكونات الشعب.
لذا، في المرة القادمة التي تصادف فيها شخصاً يبدو… أقل من مستنير، توقف لحظة للتفكير في التمييز. هل هو ببساطة يفتقر الى المعلومات؟ ام انه يرفضها بنشاط لصالح وهمه المصمم بدقة؟ لأنه في حين يمكن اصلاح الجهل بالتعليم، فأن للغباء قصة مختلفة تماماً. غالباً ما يتطلب بدلة واقية وجرعة كبيرة جداً من الصبر. أو، كما تعلم، مجرد الابتعاد. هذا ينفع ايضاً. ربما أفضل، في الواقع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram