طالب عبد العزيز
في العودة الى قضية الجوائز الأدبية بالعراق والوطن العربي نجد أنّها لم تتبلور في قيمتها على المستوى الشعبي، فلا يُشار لأصحابها بالأهمية، ولا نجد لها دوراً في صنع الثقافة، على خلاف ما يشار الى الادباء والفنانين الحاصلين على الجوائز الأدبية العالمية بأوربا، والأمريكتين مثل نوبل وبوليتزر، وبوكر، وبوكر الدولية، وجوائز PEN الأمريكية الأدبية، والجائزة الوطنية للكتاب.. وغيرها، إذْ سرعان ما تطوى صفحة الاحتفال، ليتحلل خبرُها، مع ما تحلل، وذاب، وماع من قرارات، وتنتهي الإشارة اليها، في غضون أسابيع، أو اشهر، في ابعد الأحوال.
يمكننا القول بأنَّ آلية منح الجوائز العربية اعتمدت آلية نظيراتها العالمية، وهو أمرٌ حسن، مستحدث في ثقافتنا، كما نعرف، إذ أنَّ تأريخنا العربي يشير الى أنَّ الخليفة أو الوالي هو من يمنح الشاعرَ الجائزة، التي تأخذ بنظر الاعتبار موهبة وقدرة الشاعر، على استمالة الخليفة، أو الوالي ومن ثم طريقته في التقرب منه، وتأثير الحاشية في ذلك، معلوم واضح أيضاً، لكنَّ الدولة العربية الحديثة وبعد سنوات؛ اعتمدت الآلية الاوربية- الامريكية في تحديد من يستحق الجائزة هذه وتلك، وربما كانت حكومة جمهورية مصر العربية في طليعة من أسس لها، ونظمت فعالياتها، وعلى أعلى المستويات، فصرنا نرى الرئيس عبد الناصر، وهو يعلق القلائد، والاوسمة، على أعناق الكبار من الشعراء، والكتاب، والفنانين، الامر الذي أكسب الجوائز تلك الأهمية والاعتبار.
تمنح الأنظمة السياسية المستقرة الجوائز الممنوحة فيها قيمة عليا، أما الأنظمة غير المستقرة، الدينية، الطائفية، أو الدكتاتورية المستبدة، أو القبلية المتخلفة فلا يمكنها منح الجوائز التي تمنحها قيمة عليا، هذا إن لم تكن تسيئ الى أصحابها، وهذا ما وجدناه في الجوائز التي كانت النظام السابق يمنحها الى (الادباء والمفكرين) العرب، والذين لم يجعلوها ضمن لوائح سيرهم الذاتية. كنتُ أقرأ في كتاب سيري كتبه روائي مصري معروف، عاش في العراق سنوات طوال، وكتب عن الحرب مع ايران، ومُنح جائزة صدام للآداب، وهي الجائزة الرفيعة، في حينها، لكنني فوجئت بأنه لم يذكرها في نسيج تجربته، كذلك وجدنا سعدي يوسف وقد تخلى عن جائزة كبيرة منحت له في احدى دول الخليج، ومعلوم أنَّ الأوساط الثقافية والسياسية العربية كانت قد طالبت الكاتب المصري يوسف إدريس بردِّ جائزة صدام، بعد غزوه للكويت، لكنه رفض قائلاً: لو رفضتها هل سيرجع صدام عن قراره؟
هناك فجوة في فهم الثقافة وأهميتها في الحياة العربية، وهناك تسويق رديئ لقضية الثقافة والجوائز معاً، عبر الممارسات السياسية والصحافة، ولا تخرج الجوائز الأدبية والثقافية في العراق عن ذلك، إذْ لم تحدث أن اكتسبت إحدى الجوائز أهمية تذكر، ولم يشر الى أصحابها بوصفهم كبارا، ولم تتغير سبل حياتهم، وكتاباتهم أيضاً، ذلك لأنَّ مؤسساتنا بعامة لم تعمل على وفق منهج ما، يقضي بأهمية الثقافة في الحياة العراقية. هناك بون واسع بين منتج الثقافة ومتلقيها، بمعنى ما؛ يمكننا أنْ نقول: هل أستطاعت الكتب التي مُنح أصحابُها بموجبها الجائزة الرفيعة من إحداث شيءٍ في الحياة العراقية؟ أم أنها مجرد كتبٍ، أُتّفِقَ على تقديمها وتخصيص الجائزة لها؟
يتوجب على القائمين على أمر الثقافة في العراق مراجعة الآليات والتشريعات والقوانين المعتمدة، في منح الجوائز، مثلما يتوجب على النظام السياسي العراقي الارتقاء بنفسه، ليكون بمستوى مسؤولية رعاية الثقافة والمثقفين، لا بوصفهم مكملات غذائية، إنما بوصفهم المرآة التي ينظر فيها العالمُ للعراق ولأدائهم السياسي. إن الدعوة التي أطلقها بعض الادباء العراقيين والخاصة بتشكيل مجلس أعلى للثقافة والفنون والآداب تستحق إعادة النظر، وأنَّ تدخل الجامعات والمؤسسات واللجان الثقافية في البرلمان في صوغ الآلية تلك يقع ضمن مهامهم الوطنية، بكل تأكيد.