د. أثير ناظم الجاسور
منذ الاحتلال الامريكي للعراق ٢٠٠٣ ولغاية اليوم اثنان وعشرون عاما تقسمت بين سنوات قتل واقتتال داخلي ومن ثم إرهاب وجماعات من خارج الحدود لتستقر باختلال بنيوي واضح في جسد الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كل ما يدور حول حياة طبيعية كان ولا يزال إلى إعادة دراسة بعمق شديد خصوصا وان الدولة افتقرت للإدارة والتنظيم وعدم الوضوح في رسم سياسات تخلق حالة من التوازن بعد أن فسح المجال لمفاهيم لعبت دور في عملية التشتيت والتفتيت وآن واحد، مسارات بعيدة عن فلسفة الدولة وعملية التكامل ساهمت في تشكيل صور مختلفة رمادية اللون بملامح غير واضحة عززت من فكرة الجزء الغير قابل للتكامل الذي بدوره عزز شعور الضعف.
منذ سنوات والحديث عن اصلاح النظام السياسي طويل ودخل في سجالات بمختلف المجالات وتمت مناقشته في اروقة السياسة والبحث العلمي والشارع لدى عامة الناس، والفكرة تلو الأخرى والمشروع يتبعه مشاريع والخلل واضح للعيان من الناحية النظرية وحتى العملية اذا تم حصر القضية بمشكلة داخلية تتطلب الحلول، لكن واقع اصلاح النظام اكثر تعقيداً من ان نضع حلولاً وتُباشر المحركات السياسية والاجتماعية من السير في بناء مرتكزات وفق حلول داخلية موضوعة، التعقيد هذا ارتبط بتعدد الأسئلة التي تدور حول سؤال مركزي على عاتق من تقع مسؤولية الإصلاح؟، ومن يستطيع أو له القدرة على بداية الخطوة الأولى من الإصلاح؟.
حتى تتم الإجابة عن التساؤلات لابد من معرفة تشكيل العقل سواء السياسي المتمثل بالطبقة الحزبية الحاكمة بمختلف الوانهم وايضا بالقاعدة الاجتماعية المتمثلة بالنخب والمحركات والجماهير، ومن واقع الحدث العراقي وتعدد الظواهر هنا نجد اننا أمام مجموعة من الإجراءات الغير منطقية سياسيا تواجهها مجموعة من السلوكيات الاجتماعية الغير مبررة، من ثم لابد من معالجة مسألة الثقة والصدقية بين جميع الأطراف التي قد تُفشل اي عمل اصلاحي حقيقي يتم طرحه في فوضى السياسة التي نعيشها، خصوصا وان واقع اليوم اليوم مختلف المندمج مع اكثر من واقع لا يمكنه ان ينسحب او ينسلخ لعدة أسباب اهمها الانتماءات التي اوصلت الجماعات الاجتماعية لمرحلة التشتت والتباعد سواء بالفكرة او الفعل وهذا واقع لابد من الإيمان به لإصلاحه بشكل سليم، بالتالي هناك ثنائية رفض بين طرفي معادلة الاصلاح العراقي لايمان الاول والثاني ان احد الطرفين مُفتعل للحدث، من ثم كل هذه الاختلافات والخلل الحاصل يدور حول معطى البقاء بالنسبة لمن في السلطة والعيش الكريم بالنسبة للمجتمع، كل ما يدور حول علاقة الطرفين حوله هالة من الشك والريبة وفي مناسبات تقل الحدة للترقب، فالمجتمع الباحث عن عيش رغيد شعوره بالاستلاب عالٍ جدا والطبقة الحزبية تلعب على اساس المصلحة الذاتية او الحزبية، وهذا بدوره يفتح ثغرات كبيرة تحت مسمى عدم الثقة والتي بالضرورة تُبطل اي مشروع للإصلاح.
النظام يسير بلا نظام (system) فتارة أسير التوجهات الاقليمية وتارة رهين الاحداث الخارجية وتارة مهدد من المشاريع الدولية، وهذا مؤشر يصور مستويات ضعف النظام وعدم ثباته ضمن سياسة وطنية واحدة تؤسس لمشروع وطني بعيدا عن الاجندات والتجاذبات، فكل الادوات دون المستوى المطلوب سياسيا - اجتماعيا - نخبويا (ديني - مدني) في ان تساعد على بناء منظومة وطنية تعمل على تعديل المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقضايا التي تتعلق بالسلم الأهلي، بالمحصلة لابد من أن يتبع صانع القرار السياسي- الاجتماعي العراقي خطوات قد تُساعد على السير في عملية تصحيح المسار واصلاحه فيما بعد والبدء يكون في عملية بناء الثقة بين جميع الأطراف وعدم السماح للمنابر السياسية - الدينية بمختلف الاتجاهات من القيام ببث الافكار التفتيتية والتكفيرية، والدعوم للعيش ببيئة مسالمة تدعو للتعايش بين جميع الاطياف والألوان، والاهم من ذلك عدم تجزئة المجتمع بمسمى مجتمع التعدد وابراز هوية على اخرى.
أن عملية الاصلاح تتطلب نظام متوازن قادر على وضع الأسس المنطقية والحجج العقلانية التي من خلالها تتم ممارسة الإجراءات والادوار السليمة، وفق القانون ووفق المتبنيات الاخلاقية لكل الأطراف ووفق المصلحة الوطنية.