ترجمة : عمار كاظم محمدالنحات العراقي محمد غني حكمت يعمل على إنتاج أربع قطع جديدة من الفن الشعبي لبغداد، إحدى هذه القطع تحتوي على أبيات شعرية بالبرونز من قصيدة للشاعر العراقي مصطفى جمال الدين. يعتبر محمد غني حكمت واحدا من رواد الفن العراقي وهو بالكاد يعرف بغداد التي تركها قبل سبع سنوات يقول في اول رحلة عودة الى المدينة التي يحبها بعد ان هرب منها ابان سقوط النظام السابق عام 2003 والعنف الذي تلاه " حينما غادرت بغداد لم أكن أتصور إني سأكون بعيدا عنها هذه الفترة الطويلة" ،
الآن تذرف عيناه بالدموع حين يقود سيارته في شوارعها المزدحمة والمليئة بالجدران الكونكريتية والبنيات المدمرة والأوساخ. يقول محمد غني حكمت الذي قضى 60 عاما في مهنة النحت "أن بغداد مثل امرأة جميلة بفستان ابيض لكنها الآن متسخة وترتدي فستانا متسخا" مضيفا "لا أريد أن افعل ذلك لكنها تبكيني" وقال انه كان لا يريد العودة لكنه قد اقنع من قبل أمين بغداد الذي كلفه بنحت أربع قطع جديدة لتجميل المدينة "الحزينة". محمد غني الذي درس الفن في روما أنتج العديد من معالم بغداد بضمنها ذلك النحت الضخم الذي الهمته إياه قصص ألف ليلة وليلة في ساحة مزدحمة وهو نصب كهرمانة في وسط بغداد الذي تنبعث منه نافورات مضاءة باللون الأخضر وهي تعرض كهرمانة تصب الزيت على رؤوس الأربعين لصا المختبئين في الجرار. هناك نصب آخر خارج فندق الرشيد المملوك للحكومة يمثل صياد سمك مذهول وهو ينظر إلى "جني " بخصلة من الدخان التي تحولت الى امرأة ملتوية وقوية من البرونز، كذلك في شارع أبو نواس في بغداد تبدو شهرزاد مستغرقة باهتمام بالغ وهي تقص قصصها للملك شهريار. لقد غطت أعمال الفنان وحياته تاريخ العراق المعاصر وفي كنيسة صعود السيد المسيح وللمرة الأولى منذ عقود ينظر محمد غني إلى تمثال الصليب المقوس بالحجارة مدمجة مع نقوش آشورية بارزة من نينوى صاغها بأسلوبه الخاص. وفي مطبخ كاهن الابرشية قرب إحدى ضحايا سيدة النجاة كانوا يقومون بتهيئة القهوة وكان هناك القليل من المصلين لكن محمد غني يستذكر انه في زمان ما كان حتى المسلمين يأتون أحيانا للصلاة في الكنيسة، ويضيف "لقد نحتت هذه القطعة عام 1991 في اللحظة التي كان يتوالى فيها سقوط القنابل" قال ذلك وعيناه تغرق بالدموع وهو يستذكر الدمار الذي حصل نتيجة لحرب الخليج الثانية . يتضمن عمله الجديد تمثال من البرونز يحتوي على أبيات من قصيدة لمصطفى جمال الدين يخطط لوضعها على أسوار بغداد القديمة تقول الأبيات ما معناه "بغداد مهما حصل لك ستزهرين مرة ثانية " يقول محمد غني لقد وجدت هذه الأبيات على قبر الشاعر في دمشق وحينما قرأتها وعدته إنني سأعمل منها نافورة في بغداد . في عشرات من أعماله النحتية في المدينة كانت النساء ترتدي عباءات تلتصق بأجسامهن لتبرز مفاتنهن وهو أمر غير عادي في العالم العربي ففي البلدان ذات التقاليد الدينية الصارمة فان تصوير الأشكال الإنسانية والحيوانية والنساء المغطاة بالكاد يعتبر أمرا محرما لكن محمد غني يقول "أنها الشخصية العراقية فهم يقدرون الفن ويحبون النحت" ويتذكر حكمت مرة حينما كان يعمل على تمثال بطول 20 قدما في ورشته الصغيرة اضطر إلى غلق الطريق والعمل في الشارع لكن الجيران بدلا من أن يتذمروا، قاموا بمساعدته وجلب الشاي والطعام له. محمد غني يبدو جزءا من تاريخ العراق المفقود فالناس يوقفونه في الشارع ويصافحونه ويقفون لالتقاط الصور معه . وقد اقترب منه رجل وأعاد إليه تمثالين له كان قد اشتراهما بعد أن تم سرقتها من المتحف الوطني للفن الحديث وقد احتفظ بهما ليعيدهما إليه وقال محمد غني عنه إنني لا اعرف حتى اسم الرجل لكي اشكره. طلابه السابقون الآن مدرسون بشعور بيضاء ولديهم طلابهم أيضا أما بالنسبة لمعاصريه من عظماء الفنانين العراقيين في الأربعينيات والخمسينيات فقد توفوا كلهم يقول محمد غني "إن كل أصدقاء عمري قد ذهبوا أنا الوحيد الذي بقيت من جيلي" لكنه حينما يتحدث عن الفن او مدينته الحبيبة يتحدث بحماس مراهق. بعد ان ينتهي من نحت القطع الأربعة يحلم بالعودة إلى النحت والتمثال الذي طالما حلم باكتماله وهو تمثال السندباد يقول "انه رمز الرجل الذي يسافر ويسافر لكنه في النهاية يعود إلى بغداد مضيفا أن كل عراقي خصوصا في هذا الوقت كل واحد منهم سندباد يحلم بالعودة إلى بغداد. عن : كرستيان ساينز مونيتر
السندباد "محمد غني حكمت" لبغداد: لا أريد ذرف الدموع لكنك تبكيني
نشر في: 20 فبراير, 2011: 08:16 م