المدى – محمد العبيدي
لم يعد موقف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر من الانتخابات يُفهم كامتناع ظرفي أو رد فعل على أزمة سياسية، فالمقاطعة التي يتبناها التيار اليوم تبدو أقرب إلى مشروع سياسي مكتمل، يتعامل مع النظام القائم باعتباره غير قابل للإصلاح من الداخل، ويبحث عن أدوات ضغط خارج أدوات السلطة التقليدية.
وبينما كانت المؤشرات خلال الأشهر الماضية تتجه نحو احتمال عودة التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات المقبلة، أكد الصدر عبر الصفحة التابعة له "صالح محمد العراقي" ليقطع هذا الاحتمال بشكل نهائي، إذ طالب جمهور التيار بتحديث سجلاتهم، مضيفًا أن "من لم يُحدّث بطاقته لا يُعد مشاركًا في المقاطعة"، في إشارة إلى أن التيار يتعامل مع المقاطعة كحراك منظم.
تأثير اعتباري
بدوره، رأى الباحث والأكاديمي، غالب الدعمي، أن خطوة السيد مقتدى الصدر في التعامل مع المقاطعة كانت ذكية جدًا، مشيرًا إلى أنه "طلب من أنصاره ومن المتأثرين به تحديث بطاقاتهم الانتخابية، وهذا يعني أن أسماءهم ستُدرج ضمن قوائم المفوضية، لكنهم في النهاية لن يشاركوا في التصويت".
وأضاف الدعمي لـ(المدى)، أن "هذا الإجراء يجعل حساب نسب المشاركة أكثر دقة، فالتأثير الذي سيتركه التيار الصدري سيكون تأثيرًا اعتباريًا وليس قانونيًا، لأن القانون لا يشترط نسبة معينة للمشاركة لاعتماد نتائج الانتخابات، بل يمكن المضي بها حتى لو بلغت النسبة 5%".
وتابع أن "ما يُعوّل عليه التيار الصدري هو البُعد السياسي والاعتباري، إذ أن انخفاض نسبة المشاركة سيوصل رسائل دولية وعربية تشير إلى وجود رفض واسع للعملية السياسية في العراق، وهو ما قد يترتب عليه لاحقًا اعتبارات عديدة على مستويات مختلفة"، لافتًا إلى أن "أعضاء التيار الصدري سيستلمون بطاقاتهم البيومترية، لكنهم لن يحضروا يوم الاقتراع، وهو ما يُعبّر عن مقاطعة واعية ومنظمة".
وتأتي مقاطعة التيار الصدري للانتخابات في سياق يُفهم على أنه إعادة تموضع سياسي، لا انسحاب نهائي من الحياة العامة، إذ يحافظ التيار على حضوره الجماهيري والرمزي في الشارع، في حين يتجنب التورط في مسؤوليات الحكم التي باتت تستهلك رصيد المشاركين فيها.
وتشير طريقة تنظيم المقاطعة، من خلال التوجيه بتحديث البطاقات البيومترية مع الامتناع عن التصويت، إلى أن التيار لا يستهدف فقط المقاطعة كوسيلة سلبية، بل يوظفها كأداة ضغط رقمي تُظهر حجم الكتلة التي ترفض المشاركة دون أن تغيب عن الإحصاءات الرسمية.
وتحمل هذه الخطوة – وفق مراقبين - رسالة مزدوجة إلى الداخل والخارج، مفادها أن جزءًا كبيرًا من الشارع لا يجد نفسه ممثلاً في النظام الحالي، ما يُشكل ضغطًا سياسيًا ومعنويًا على الحكومة المقبلة، ويخلق بيئة قد تدفع نحو التفكير بإصلاحات أوسع تحت وطأة العزوف الشعبي.
وفي انتخابات عام 2021، أعلنت مفوضية الانتخابات أن نسبة المشاركة بلغت 41%، وهي نسبة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية، إذ اعتمدت في حساب هذه النسبة على عدد الناخبين المسجلين الذين تسلموا بطاقاتهم البيومترية، وليس على إجمالي عدد من يحق لهم التصويت.
لا تزكية للواقع السياسي
بدوره، يرى الباحث في الشأن السياسي، خالد العرداوي، أن "موقف التيار الصدري من الانتخابات لا يعني انسحابًا من الساحة السياسية ككل، بل يمثل تمايزًا استراتيجيًا بين الامتناع عن منح خصومه (الشرعية الانتخابية) وبين الاستمرار في لعب دور مؤثر من خارج المؤسسات".
وأوضح العرداوي، لـ(المدى) أن "الصدر يدرك أن المشاركة تعني تزكية غير مباشرة للواقع السياسي القائم، وبرغم ذلك فإن غياب التيار عن البرلمان لا يعني غياب التأثير، بل من المرجح أن يصعّد تحركاته الجماهيرية والإعلامية ضد خصومه، بانتظار اللحظة المناسبة لإعادة رسم المشهد السياسي وفقًا لرؤية مغايرة".
وكان رئيس الجمهورية، عبداللطيف رشيد، وجّه، الجمعة الماضية، رسالة إلى الصدر، دعاه فيها إلى مشاركته في الانتخابات المقبلة والعدول عن قرار المقاطعة.
كما تكررت الدعوات من شخصيات سياسية بارزة، مثل نوري المالكي وعمار الحكيم، لعودة زعيم التيار الصدري إلى الساحة السياسية، في محاولة يُفهم منها السعي إلى تعزيز شرعية الانتخابات وضمان مشاركة التيار الذي يتمتع بثقل جماهيري واسع.
مقاطعة منظمة.. أم إعادة تموضع؟ التيار الصدري يختبر شرعية النظام

نشر في: 22 إبريل, 2025: 12:10 ص