المدى/متابعة
في تحليل مبكر نُشر قبل تسع سنوات للباحث الراحل في شؤون الجماعات الإسلامية هشام الهاشمي، رُصدت ملامح ما وصفه بـ"مناورة مدروسة"، قادها أبو محمد الجولاني(الشرع حالياً)، زعيم هيئة تحرير الشام، بإعلانه فك الارتباط عن تنظيم القاعدة.
ورغم ما رافق هذه الخطوة من تغيير في الخطاب والمظهر، اعتبر الهاشمي حينها أن "التحول لم يكن استراتيجياً بقدر ما كان تكتيكاً يهدف إلى إعادة تموضع الجولاني وفصيله في الخارطة السياسية السورية".
ورأى الهاشمي أن "هذه المناورة جاءت على الأرجح بدفع من قطر، وبعيداً عن تنسيق واضح مع السعودية، في محاولة لإعادة تقديم هيئة تحرير الشام كقوة وطنية محلية، قد تسهم في إخراج الجولاني من قوائم الإرهاب الدولية، وفتح قنوات تفاهم مع الولايات المتحدة وروسيا".
إلا أن هذا التحول، بحسب الهاشمي، "لم يُقنع المراقبين، خاصة وأن هيئة تحرير الشام، رغم انضباطها التنظيمي، ليست الأقوى من الناحية العسكرية أو الاقتصادية في المشهد السوري".
وأكد الهاشمي أن "المضمون العقائدي لم يتغير، وأن الجولاني لا يزال يحتفظ بروح المدرسة القاعدية، مستشهداً بظهوره الأول مرتدياً عمامة بيضاء على غرار أيمن الظواهري، ما حمل دلالات رمزية عن استمرار الارتباط الفكري والتنظيمي".
وأشار إلى أن "فك الارتباط الشكلي أظهر في المقابل حجم التداخل بين الفصائل والمخابرات الدولية، حيث بات لكل فصيل مرجعيته الاستخباراتية الخاصة، في مشهد يعكس إعادة رسم للخريطة الميدانية تحت أعين القوى الإقليمية والدولية".
وختم الهاشمي تحليله بالتأكيد على أن "الجولاني، وإن نجح في كسب نقاط على مستوى التنظيم والانضباط، إلا أنه لن ينجح في إعادة تصدير نفسه كقوة وطنية ما لم يقطع صلته تماماً بمنهج القاعدة وقيادتها"، مشدداً على أن "هيئة تحرير الشام، بخلاف تنظيم داعش، تتبع استراتيجيات طويلة الأمد، ما يجعلها أكثر دهاء لكنها ليست أقل خطراً".
وأحمد حسين الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني سابقاً، وُلد في 29 أكتوبر 1982 في الرياض لعائلة سورية من الجولان كانت في المنفى. عاد مع عائلته إلى سوريا في أواخر الثمانينات. في عام 2003، انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، وشارك في مقاومة الاحتلال الأمريكي. بعد اعتقاله من قبل القوات الأمريكية في 2006، أُطلق سراحه عام 2011، حيث أُرسل إلى سوريا لتأسيس جبهة النصرة كفرع رسمي للقاعدة هناك.
وفي يوليو 2016، أعلن الجولاني فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة، وأعاد تسميتها إلى "جبهة فتح الشام"، في محاولة لإعادة تموضع التنظيم ضمن المشهد السوري. لاحقًا، في يناير 2017، اندمجت جبهة فتح الشام مع فصائل أخرى لتشكيل "هيئة تحرير الشام"، التي قادها الجولاني حتى يناير 2025.
في ديسمبر 2024، قادت هيئة تحرير الشام، بالتعاون مع فصائل معارضة أخرى، هجومًا واسعًا أسفر عن سقوط دمشق وفرار بشار الأسد إلى روسيا. في 29 يناير 2025، عُيّن الجولاني، باسمه الحقيقي أحمد الشرع، رئيسًا مؤقتًا لسوريا من قبل القيادة العامة للمعارضة، بعد إعلان حل هيئة تحرير الشام وانخراطها في مؤسسات الدولة الانتقالية.
ورغم محاولاته لتقديم نفسه كزعيم وطني معتدل، لا تزال هناك تحفظات دولية بشأن ماضيه الجهادي، مع استمرار تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.