محمد سلماوى
من المؤسف أن المد القومى العربى الذى انتعش فى أواسط القرن العشرين عمل فى بعض الدول العربية على طمس الثقافات الأخرى فى تلك الدول التى كانت مصدر ثراء للحضارة العربية الكبرى التى كنا نسعى لاستلهامها فى سعينا للوحدة العربية، فهناك مئات الآلاف فى الأرض العربية يتحدثون لغات أخرى غير العربية، كالكردية والسريانية والنوبية والأمازيغية، وبعض هذه اللغات وُجد قبل الفتح الإسلامى، وبعضها جاء نتيجة هجرات قديمة استوطنت تلك الأراضى، وبعضها مكتوب وله أبجديته الخاصة مثل اللغة القبطية، والغالبية غير مكتوبة مثل الأمازيغية وبعض لغات السودان والتى توالت عبر الأجيال من خلال تلقينها للأطفال، لكن فى جميع الأحوال فإن لكل من هذه اللغات ثقافتها التى تفاعلت مع الحضارة العربية بعد الفتح الإسلامى بما جعل الحضارة العربية أكثر ثراء مما كانت عليه فى الجزيرة العربية، إن تصور بعض الأنظمة العربية الخاطئ بأن القومية العربية لا تتحقق إلا بالقضاء على الثقافات الأخرى هو ما تسبب فى تجذرها بشكل أكبر كرد فعل لمحاولات طمسها، وذلك هو ما حدث مع أكراد العراق، ففى الوقت الذى التحم عنصرا الأمة فى مصر حتى شكلا لحمة واحدة دعمها الحكم الناصرى، فإن أكراد العراق وصلت محاولات سحقهم إلى حد الإبادة الفعلية التى يقول الزعيم الكردى مسعود بارزانى أن ضحاياها فى عهد صدام حسين يقدرون بـ180 ألفا استخدمت ضدهم الأسلحة الكيميائية ودفن بعضهم أحياء، وتلك ممارسات لا علاقة لها بالقومية العربية ولا تؤدى من قريب أو بعيد إلى الوحدة العربية بل هى تعطلها، فقد تمسك الأكراد بثقافتهم وبلغتهم، ولم تعد اللغة العربية تدرس فى المدارس إلا كلغة اختيارية، لذلك حين زرت إقليم كردستان بالعراق فى الأسبوع الماضى لحضور معرض أربيل الدولى للكتاب وجدت أنا وبقية الوفد المصرى صعوبة كبيرة فى التفاهم مع غالبية السكان فيما عدا أبناء الجيل القديم الذى نشأ فى العهد السابق لحكم صدام، فهؤلاء يتحدثون العربية كباقى العرب، وقد أخبرنى الرئيس مسعود بارزانى فى أثناء مشاركتى له قص شريط افتتاح المعرض بأن اللغة العربية بالنسبة له ولجيله القديم هى اللغة الأم مثلها مثل اللغة الكردية.
· عن صحيفة الاهرام










